أقلام

وجد علماء آثار دليلاً محتملاً على الزراعة البشرية الأقدم

المترجم: عدنان احمد الحاجي

مقدمة عادل عبدالله البشراوي
يبدو أننا مضطرون للتخلي عن اعتبار الإهتداء للزراعة على أنه المتسبب الأول لحالة الإستقرار وبناء المستوطنات القديمة التي نرى آثارها في مواقع متفرقة في العالم، ويتم تزمين أعمارها ضمن فترات سابقة لعصر الزراعة بعدد من آلاف السنين.

هذه الورقة العلمية. المترجمة أدناه،  تتناول دراسة موقع آركيولوجي في فلسطين أعطته اسم Ohalo 2 ويعود عمره لما قبل 23 ألف سنة، أي 11 ألف سنة قبل عصر الزراعة، والذي يقربه أغلب المختصين إلى 12 ألف سنة مضت.

واقعًا، فهذا الكشف العلمي يضعنا في حيرة لأن النموذج السابق، والذي يعزو للزراعة التسبب في النقلة الإجتماعية نحو حياة الإستقرار، يحتوي على عناصر مقبولة لحد بعيد من حيث أن الإنشغال بالزراعة يجبر العاملين عليها على مراعاتها بإصلاح الحقول وذر الحبوب وسقايتها ومراقبتها إلى أن يحين وقت الحصاد، مع ما تتضمنه هذه المراحل من جهد ووقت ويد عاملة تستدعي الإستقرار والسكن في الحقل أو في جواره فترات طويلة خلال السنة.

إضافةً إلى أن واقع الوفرة الغذائية، التي تتحقق مع الإعتماد على الزراعة، يغني القائمين عليها عن الحاجة للتنقل وراء حيوانات الصيد. ودون الحاجة للخوض في المترتبات الإجتماعية التي تميز حالة الإستقرار الزراعي.  فهذا النموذج يحتوي على قدر لا بأس به من شرح ظاهرة الإستقرار. ولكن أمام هذه الدراسة الجديدة (المترجمة أدناه)  التي تبرز لنا حصول حالة الإستقرار قبل الإهتداء للزراعة بآلاف عديدة من السنين فنحن مضطرون للبحث عن مسبب آخر غير الزراعة.

ماهو ثابت وأيضًا من خلال دراساتنا في الثقافات القديمة السابقة لعصر الزراعة أن البشر اعتمدوا الحبوب كمصدر هام للغذاء، فكانوا يجمعون هذه الحبوب بأنواعها من السنابل، التي كانت في سلالاتها البرية القديمة، وكانوا يطحنونها ويصنعون منها خبزًا. لا ندري واقعًا متى بدأ اعتماد البشر على الحبوب، وقد تكون لهذه الحالة جذور تعود لعشرات الآلاف من السنين، ولكننا نعلم من خلال هذه الدراسة التي نحن بصددها أنها كانت موجودة قبل 23 ألف سنة.

فهل نستطيع القول أن مسببات الإستقرار تحققت بشكل متدرج وأن بعض الإنشطة التي يتطلبها الإعتماد على الحبوب كمصدر للغذاء كانت كافية لحدوث هذه النقلة الإجتماعية. أي أن حصاد الحبوب وتخزينها والبقاء في جوار الحقول التي تنتشر فيها السنابل البرية حقق بعض هذه العناصر، بحيث أنه مع الإهتداء لإمكانية التحكم في عملية الغرس واستصلاح الأرض توفرت عناصر إضافية تكرست معها الحاجة للإستقرار.

وأنا هنا فقط أفترض ..

البحث المترجم
كشف باحثون في علم الآثار من جامعة بار إيلان عن أدلة مثيرة لما يعتقدون أنه أقدم المحاولات المعروفة في الزراعة قبل 11 ألف عام من ظهور زراعة منظمة معروفة بشكل عام.

فحصت الدراسة أكثر من 150 ألف عينة لبقايا نباتية تم استخلاصها من مستوطنة كان يقطنها صيادون وجامعون محفوظة بشكل جيد على شواطئ بحيرة طبريا.

في السابق، اعتقد الباحثون أن الزراعة المنظمة في الشرق الأوسط، بما في ذلك تربية الحيوانات وزراعة المحاصيل، قد بدأت حوالي 12 ألف عام قبل الميلاد وانتشرت فيما بعد غربًا في كل أوروبا.

يستند هذا البحث على حفريات أقيمت في موقع يعرف باسم إوهالو  Ohalo II ، والذي اكتشف في عام 1989 عندما انخفض منسوب المياه في بحيرة طبريا بسبب الجفاف والاستنزاف المفرط للمياه.

ربما كانت هذه زراعة تجريبية، والتي من خلالها قد نتمكن من معرفة كيف كان البشر يحاولون دائمًا عمل أكثر مما في وسعهم لاثبات أنفسهم، يقول بروفسور إيهود وايس من جامعة بار إيلان.

استوطنها مجتمع من الصيادين والجامعين في ذروة العصر الجليدي الأخير قبل 23 ألف عام مضى، كشف هذا الموقع عن أدلة على وجود ستة أكواخ فيها مواقد بالإضافة إلى أدوات حجرية وبقايا حيوانات ونباتات.

أدت سلسلة من التزامنات العرضية إلى الحفاظ على الموقع. بُنيت الأكواخ فوق نُقر (حُفر) ضحلة حفرها شاغلوها ثم أحرقوا الأكواخ فيما بعد. علاوة على ذلك، تراكمت رواسب من الطمي الرملي قبل أن تترسب في قاع البحيرة، التي ارتفع منسوب مائها، على عمق 4 أمتار من الماء.

الدراسة نظرت في الأدلة على الأنواع القديمة من الحشائش المنتشرة – أو “الأعشاب الأولية” – التي ازدهرت في الظروف التي وفرتها الزراعة البشرية.

وفقًا للباحثين ، كان المجتمع في أوهالو Ohalo II يستغل بالفعل سلائف أنواع النباتات المدجنة / المستأنسة التي من شإنها أن تصبح تيلةً staple في الزراعة القديمة، بما في ذلك القمح ثنائي الحبة (قمح إمر emmer،) والشعير والبازلاء والعدس واللوز والتين والعنب والزيتون.

وقد اكتشفوا بشكل ملحوظ وجود نوعين من الحشائش في حقول المحاصيل الحالية: الغاليوم والزوان المسكر.

الفحص المجهري لحواف الشفرات الحجرية من الموقع وجد أيضًا مواد قد تكون قد نُقلت أثناء قطع وحصاد غلات الحبوب.

قال البروفسور إيهود وايس Weiss، رئيس مختبر علوم النبات الأثري في جامعة بار ايلان لصحيفة الغارديان: “نحن نعلم ما حدث من الناحية الايكلوجية: هذه النباتات البرية (غير المستأنسة)، في وقت ما في التاريخ قد أصبحت أعشابًا. لماذا؟ الإجابة البسيطة هي أنه نظرًا لأن البشر غيروا البيئة واستحدثوا مجالات ايكولوحية جديدة، مما جعلها مناسبة أكثر لأنواع species النباتات التي قد تصبح أعشابًا، مما يعني أنه يتعين عليها أن تتنافس فقط مع نوع species واحد”.

وفقًا ل وايس  Weiss، خليط “الأعشاب الأولية” والحبوب من شأنه أن يعكس حالة النباتات المستأنسة التي وجدت لدى المجتمعات الزراعية اللاحقة.

كشف الموقع أيضًا عن أدلة على صناعة الخبز البدائية من حبيبات نشوية عثر عليها على الأحجار المحروقة، وأن المجتمع ربما كان يعيش حالة الإستقرار (أي أنه ترك حالة التنقل التي كانت شائعة في السابق) إلى حد كبير، وتتوفر أدلة على أنه كان يأكل الطيور على مدار العام، بما في ذلك أنواع الطيور المهاجرة.

“هذا الاكتشاف النباتي يفتح بالفعل نوافذ جديدة على الماضي” كما قال وايس. “عليك أن تتذكر أن موقع أوهالو Ohalo محمية فريدة. بين موقع أوهالو Ohalo وبداية العصر الحجري الحديث  لدينا فراغ.
وعندما بدأ العصر الحجري الحديث الأول بدأ الناس [الزراعة مرة أخرى] من الصفر.

“نحن لا نحاول أن نقول أن الزراعة وأسلوب الحياة الزراعية بدأ في أوهالو ثم استمر حتى العصر الحجري الحديث. لا يمكنك أن تقول ذلك. ما يمكن قوله هو أن هذه ربما كانت زراعة تجريبية يمكننا من خلالها معرفة كيف كان البشر دائمًا متفوقين، ويحاولون أن يفعلوا أكثر مما في وسعهم لتحسين أساليب حياتهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى