بشائر المجتمع

الشيخ السمين: تقدير الذات وفق التصور الإسلامي

آمنه الهاجري: الدمام

 

أكد الشيخ محمد السمين أن التصور الإسلامي للذات الإنسانية قائم على إحساس الفرد بالثقة والكفاءة والاستقلال، بأن ننطلق من التصور الإيجابي لذواتنا وطرد الأحاسيس المتصلة بالشك، والتردد والاستسلام.

وقال الشيخ محمد في محاضرته العاشورائية الثالثة مساء أمس: “أن النصوص السماوية التي تفضلنا على الكائنات، وسجود الملائكة لآدم، وجعلنا خلفاء على الأرض، تعلمنا بأن نظرتنا لذواتنا ينبغي أن تكون إيجابية لا أن تكون مريضة تفترسها مشاعر النقص والخوف والرثاء للذات”.

وأبان في حديثه مجموعة من المفردات ذات الطابع السوي، وأخرى ذات الطابع المرضي، التي لتمييز الفرق بين التقويم السلبي والإيجابي للذات، مشيراً إلى أبرز مفردات التقدير المرضي للذات وهي: الإحساس بالنقص، والإحساس بالذنب.

وأوضح أننا لو بحثنا عن الجذور الأولى للإحساس بالنقص نجده نابعاً بحسب التصور الأرضي إما من الإحساس الواعي بعدم قدرة الفرد على إنجاز شيء، أو من الإحساس اللاواعي به، حيث يضرب بجذوره إلى الطفولة، وانعكاسها على سلوك الراشد.

في المقابل ذكر أن الإحساس بالكفاءة والأهلية والثقة يعد مظهراً سوياً في عملية تقويم الفرد لذاته، وجذور هذا الإحساس السوي يخضع للمحددات الشعورية أو اللاشعورية نفسها التي يخضع لها الإحساس المرضي، من حيث انعكاس الخبرات الراشدة أو الطفولية على الفرد.

وقال: “أن التصور الإسلامي يحدد بوضوح كون الظاهرة تشير إلى وجود مرض، كما في قول الإمام الصادق (عليه السلام) حينما يشير إلى أن المتكبر لا يمارس هذا السلوك إلا لذلة يجدها في نفسه، فمن يحس بالذل يعوض هذا الشعور بالنقص عنده بأحد مظاهر السلوك المرضي وهو التكبر، فهي في الحقيقة حيلة دفاعية قد احتمى بها المريض بغية التخفيف من آلام لاشعورية”.

وبين أسلوب علاج الشريعة الإسلامية لهذه الظاهرة المرضية من خلال الوعي العبادي، وأنه المتكفل بإزاحة أي إحساس بالنقص لديها، وبهذا يهدم الفروق الطبقية، فلا فارق بين وزير وبين فراش في دائرته إلا من حيث التقوى، التي هي المائز بين هذه الأفراد بحسب النظرة الإسلامية.

وأضاف على ذلك معيارا آخر وهو شعورها _أي الشخصية الذكاء المنخفض أو الثقافة العبادية الضئيلة_ بالتوازن والإطمئنان، من خلالشعورها بالأمان بأن السماء سوف لن تحاسبها على قصورها مادامت غير مسؤولة عنه، وما دامت السماء تشير إلى أنها تثيب وتعاقب بقدروعي الشخصية.

ومن جهة الإحساس بالذنب فقد أوضح الشيخ بأنه لم  يكن بمعناه العبادي أي الندم الواعي الذي تنهانا الشريعة عنه، بل الإحساس المرضيبذنب أو خطأ لم نرتكبه عمداً أو بوعي، بل قد يشمل ما ارتكبناه باختيار في لحظة ضعف، ملفتاً إلى أن الإحساس به ينبغي أن يمر فيأعماقنا عابراً موضوعياً، نقرر بعده عدم العود إليه، ثم تحسم المشكلة، عوضاً عن لوم النفس وعقابها وهذا يعد من الحالات المرضية.

وأشار بأن هذا النمط من الإحساس يختلف عن نمط آخر يعد سوياً، وهو الإحساس العبادي بالذنب، كمن يمارس عملاً محرماً ويظل الندمعلى الذنب ملازماً له، هذا النمط أشار له النبي حينما أوضح أن المؤمن يحس بأن ذنبه جاثم على صدره كالجبل، أما الفاسق فيتحسسه كأنهذبابة عابرة مرت على وجهه، فشدة الإحساس في هذا النمط يعتبر أكثر سوية من الإحساس العابر، بعكس النمط الأول.

ولفت أن السبب في هذا الإحساس هو إلهامية الخير والشر في تركيبة الآدمي، حيث ينفر من الذنب بقدر وعيه السليم، مصحوباً بالتصميمعلى عدم العود إليه، بعكس الحالة الأولى التي تعطل الشخصية عن أداء وظيفتها.

وذكر مثالا على ذلك الزواج من المحارم المحكوم بالرفض الحاد، وهو رفض قائم على الجانب الفطري والكراهية والنفور من المحارم وليس علىالرغبة وهو مايرثه الفرد، وأن الرغبة تمثل الشذوذ أو الإنحراف الذي طالما نبه المشرع الإسلامي إلى بعده الوراثي والبيئي.

وشدد أن المشكلة في هذا الإحساس والشعور بالذنب المفرط أنه يفرز مجموعة من الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان كالكآبة والقلقوالتسلط القهري.

وقال:أن التسلط القهري هو تسلط أفكار معينة على ذهن المريض بحيث لا يقوى على مقاومتها، أو سلوك معين لا يمكن أن يقاومه“.

وتابع:وهو ما وصفته النصوص الإسلامية بالوسوسة، فتشير لهذه الظاهرة من خلال بعض الممارسات العبادية، وهو ما نشاهده لدىالبعض في حالة التطهير للباس أو اليد أو المكان عدة مرات، أو تكرار النية أو الوضوء أو تكبيرة الإحرام“.

وطرح الشيخ السمين تساؤلاً في حديثه حول ما إذا كان هناك صلةً بين الأفعال القهرية المذكورة، وبين الإحساس بالذنب العبادي.

وأشار بأن النصوص الشرعية لاتربط بين الوسوسة مثلا وبين أحاسيس الذنب بمعناها العبادي، بل تصوغها عرضاً مرضياً من الممكنتجاوزه من خلال الوعي بسمته المرضية، ملفتاً لبعض التوصيات في الروايات، مثل:

الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، إذا تطيرت فامض، إذا كثر عليك السهو فامض

وتحدث في مجلسه هذا حول رثاء الذات بأن التصور الإسلامي يفسر هذه الظاهرة تفسيرا ثنائياً من ناحيتين:

منها اكساب التقدير السلبي للذات (طابع المرض)، في حال كونه تقديراً قائما على جملة من السمات العصابية المرضية مثل: الشك والترددوالاستسلام والتبعية والجبن والتهويل وغيرها من الأنماط السلوكية التي حذرت الشرعية منها، وهو مايتفق معه التصورات الأرضية.

وفصل سماحته في الجانب الآخر بأن النظرة الأخرى هي  رثاء الذات، والإشفاق عليها، متحسسة بقصورها، لكن ليس من حيث العمل الوظيفيللذات، بل من حيث تفاعلها مع السماء، ومع الآخرين، في ميدان الهمة الملقاة عليها، وهو ما تجسد في نصوص أهل البيت عليهم السلام،ففي دعاء عن الإمام زين العابدين مخاطبا الله تعالى: لا ترفعني في الناس درجة إلى حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراًإلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.

 وأكد أن في القراءة الأولية لهذا النمط من الإحساس يظل ذا طابع مرضي، فحينما تتحسس ذاتك وكأنك عديم الكفاءة حيال انجاز عمل ما،أو حيال التعامل مع الآخرين يكون تقديرك السلبي لذاتك تقديرا مرضيا.

لكن هذا النمط المريض يظل متميزا عن نمط آخر من الإحساس السلبي حيال الذات حينما تتحرك من صعيد آخر وهو التعامل مع السماء ،بل حتى مع الآخرين وهو ما أشار له الإمام عليه السلام في الدعاء بنظرة الحطة والذل.

ووجه الشيخ السمين كلمته للحضور في نهاية المجلس بأن المرء حينما ينسج نظرة ذليلة عن ذاته حيال الله يكون قد انطلق من المبدأ أو المعيارالصحي وهو تقبل الواقع أو التقدير الحقيقي للذات على العكس من الإحساس بعدم الكفاءة النفسية في القيام بإنجاز العمل الذي يمارسهالآدميون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى