أقلام

ملكة التقوى حجاب عن الشهوات

السيد فاضل آل درويش

ورد عن أمير المؤمنين (ع): إن من فارق التقوى أغري باللذات والشهوات، ووقع في تيه السيئات ولزمه كثير التبعات)(عيون الحكم والمواعظ ص ١٥٤) .
المتقون الذين يجتنبون المحارم ويحذرون في خطاهم ومنطقهم من الهفوات والخطايا، عائد ذلك لما تشكل في نفوسهم من درع منيع يبعد عنهم صوت الشيطان الداعي للآثام، وهذا اللبوس للتقوى له دور مهم في اجتناب ما يورطه في معصية جبار الجبابرة واستحقاق عقوبته، كما أن ارتكاب المعصية بعد مفارقة حجاب الورع لا يعد نهاية المطاف بل هو بداية لحال سيء، وذلك أن النفس حينما تتذوق طعم السيئة وتستسيغه يظلم منها جانب وبقدره تحجب عن الهداية والتوفيق، كما أنها تستسهل ارتكابه مجددا بعد أن تبدأ وتيرة الصعوبة عنده بالنسبة لمحاسبة النفس ومراقبتها وما يترتب على ذلك من تجنب العوامل الداعية لفعل الخطيئة وانجراره نحو الآثام ، و كلما انغمست رجلاه في وحل الشهوات أكثر صعب عليه الخلاص
والنجاة والإقلاع عن إدمان المعاصي، والنفس متى ما استمرأت وألفت المعصية ابتليت بمرض أخلاقي خطير وهو استهوان واستصغار فعلها فلا يشعر صاحبها بأنه ارتكب شيئًا كبيرًا يستحق التوقف عنده، فغيره يرتكب ما هو أعظم من ذلك ولا يظن بأن الله تعالى سيعاقبه على أمر بسيط كما يعتقد!!
ومن تلك الابتلاءات التي يصاب بها هو تلك الوحشة والنفرة من مجالس الذكر والموعظة ويستثقل الخطى للاتجاه نحو دور العبادة، إذ المعادلة التي لا تخفى هي أنه بمقدار البعد عن الله تعالى سيكون هناك قرب واستئناس بأية خطوة اتجاه ما يشبع رغبات ونزوات النفس المتفلتة، إذ النفس كالدابة متى فقدت اللجام ليكبح رغباتها الخاضعة للأهواء جمحت بصاحبها وأردته في المهالك.
الورع عن محارم الله تعالى هو الخط الفاصل والحد المائز بين حياة الإنسانية الكريمة الخاضعة لحكم العقل والتعقل في الخطى والمواقف، وبين الحياة البهيمية القائمة على الاستجابة للشهوات والخضوع لها واللهث خلفها والبحث عنها فيقيم بحذاها متى ما لقيها، والاستجابة للشهوات وخلع رداء التقوى يسلب من المرء اتزانه وحكمته واستقامته، فيصبح كسيارة تسير في طريق متعرج ومليء بالحجارة التي تترصده في كل مكان، بينما حياة الورع والقيم الأخلاقية ترتقي بالإنسان إلى عالم الفضيلة والطهارة من دنس العيوب والنقائص، فالاستجابة للشهوات تغير مشهد الحياة والانتساب للإنسانية المكرمة تمامًا، حيث تنتظم علاقاتهم حسب قانون الغاب والتفلت والضياع وانتشار المشاحنات والجرائم الأخلاقية، مما يحيل حياتهم إلى الجحيم إذ يفقد المجتمع حينئذ أهم مقوم فيه وهو الأمان على النفس والممتلكات.
وإذا تصورنا حقيقة ما حرم الله تعالى والغاية منه فسيشكل ذلك منطلقًا لتجنبها، فهذه المحظورات تعود على الإنسان بالويلات والخسائر في مختلف الجوانب، فهي أقرب ما يكون إلى الرمال المتحركة التي يطلب منها المرء الراحة في سيره وإذا بها تكون سببًا للقضاء عليه، والأساس الآخر لتجلبب بالورع عن محارم الله تعالى – بخلاف تصور العواقب الوخيمة لارتكاب الموبقات – هو امتلاك العزيمة والإرادة القوية في الامتناع عن الاستجابة لصوت المعاصي، إذ التقوى تصون المرء من الانزلاق في وحل الشهوات، وتظهر أهمية التقوى في حياتنا وعلاقاتنا إذ نحتاج إلى عدم مفارقة الحكمة في المنطق والاستقامة في السلوك وضبط النفس أمام أي موقف أو حوار ساخن يخرجنا عن طور الهدوء ويدفعنا نحو التلفظ بالكلمات المسيئة، فالتقوى تذكر النفس بالخسائر الفادحة التي تلحق بنا إن استجبنا لأهوائنا في الدارين، فالتقوى ملكة تدفع صاحبها نحو مراجعة نفسه على كل ما يصدر منها من سلوكيات فيحاسب نفسه ويتراجع عن أي خطأ ارتكبه.
الحياة الدنيوية محطات ابتلاء إذ تعرض على الإنسان ما يختبر حقيقة نفسه بعيدًا عن الأوهام والأقنعة المزيفة والمجاملات المقيتة، فالتعامل والنظرة والكلمة الحرام اختبار لما هو مودع في النفس من ملكة التقوى والخوف من الله عز وجل، وأما من اختار طريق الأهواء المضلة والشهوات المتفلتة فسيقع فريسة لأهوائه التي تتيه به في مختلف الاتجاهات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى