أقلام

في محضر المرجع الكبير السّيد الحكيم [قدّس]

السيد زكريا الحاجي

في زيارتي لسماحة المرجع الدّيني الكبير السّيد محمد سعيد الحكيم [قدّس] -وهي الأولى والأخيرة-، سنحت لي الفرصة بالحديث على انفراد معه، قبل دخول الزّوار، وتوجّهتُ له بطلب النّصيحة في كيفيّة التعامل والتعاطي مع المُستجدات ممّا يُطرح في مُجتمعاتنا بما يرتبط بالفكر والعقيدة أو ما يمسّ بعض ضروريّات أحكامنا الفقهيّة، وما يتعرّض له مقام المرجعيّة من شبهات مختلفة، فكان سماحته يؤكّد على تجنّب الأساليب التي يترتب عليها فتنة ومناوشات مجتمعيّة تُمزّق النّسيج الإجتماعي، فكان يقول: دعهم في مشروعهم، وليكن لكم مشروعكم الاصلاحي الذي تعملون عليه، دون الحاجة إلى التعرّض للأشخاص والإنشغال بمثل التفسيق وغير ذلك، فهو ممّا يوجب تشرذم المجتمع، فينبغي مواجهة الأفكار بطريقة يُتجنّب معها الوقوع في الفتن الإجتماعيّة.

ولم يكن سماحته ناظراً لأصل ثبوت مثل أحكام الفسق وغيره، بل إلى كيفيّة التعاطي مع هذه الأحكام وتطبيقها على مواردها ومُراعاة الأولويّات الإجتماعيّة.

وعندما سألتُ سماحته بأنّه قد يُقال لنا هذا تكليف شرعيّ، فقال: فليؤدّي كلّ منّا وظيفته وتكليفه الشّرعي، في بيان الحقائق ودفع الشّبهات دون الحاجة إلى التعرّض للآخرين الموجب لتمزيق المجتمع.

كنتُ أتعمّد بذكر عناوين يعتبرها البعض مبرّراً للمواجهة وتصعيد الخطاب، لأنظر كيف يتعامل السّيد معها.

فقلتُ له: بأنّ أصحاب الأفكار المُنحرفة قد يجذبون شريحة من الشّباب ويؤثّرون فيهم، فقال: أن هؤلاء الشّباب هم يُريدون الذّهاب والميل إلى تلك الأفكار والشخصيّات.

في هذه النّقطة لفت نظري في قراءته الواعية للمجتمع، كان توصيفه دقيقاً، ولطالما كنتُ أذكر هذه النّقطة لبعض الأصدقاء، وهو: أن شريحة من الشّباب تحمل نتائج مسبقة، وهي تبحث فقط عن أيّ عباءة تتعلّق بها، فلم تكن تلك العباءة مؤثّرة أكثر من كونها مجرّد فرصة من أجل تبرير مواقف الإجتماعي لدى تلك الفئة المتحمّسة.

في الواقع في حديثي مع السّيد [قدّس]، كان يتخطّى تلك العناوين والمبرّرات من أجل عنوان وحدة الصّف الشّيعي، الذي يعتبره أولويّة العمل الإجتماعي.

وبعد أن ضيّقتُ الخناق بالعناوين الثّانويّة، ذكر لي بأنّه لا بأس فيما لو وجِد مَن يُمكن أن يتقبّل النّصيحة وتؤثر فيه، وفي خطاب غير عام، تُبيّن له الشّبهات وحال أولائك الأشخاص المنحرفين، ولكن بما لا يوجب الهرج وإنشغال السّاحة بالنّزاعات.

وهنا أجده في المقابل يضيّق الخناق في الجواب ويقيّد:

١- إذا كنتَ تعتقد بأنّ الطرف الآخر يتقبّل النّصيحة.

٢- وأنّك قادر على التأثير عليه.

٣- وأن تكون النّصيحة في جلسة خاصّة، وليس خطاباً عامّاً.

ومن ثمّ عاود التأكيد على الأولويّة بأن لا تنشغل السّاحة بالنّزاعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى