أقلام

أُحبك أخي هاشم

أمير الصالح

بعد أَن رزقني الله بابنتي زهراء من بعد ثلاثة إخوة لها، شعرت بولادة ريحانة في جنبات بيتي. وبعد أن بلغت زهراء سن الخامسة من العمر، أطلقت ابنتي في جنبات البيت نداءات جميلة وكان منها هذا النداء: أَحبك بابا … أحبك ماما … أحبك أخي هاشم…. أحبك أخي محمد عند مكالمتها له عبر الهاتف … أحبك يا عبدالله.

فكانت تكلمني بتلك العبارة:
عندما تراني راجعًا من العمل، وعندما تجلس مع والدتها، وعند رجوع أخيها هاشم من المدرسة، وعند رجوع أخيها عبدالله من الجامعة، وعند اتصال أخيها محمد بالهاتف.

تعلمت من هذه النداءات أن تفعيل الحديث الشريف المروي عن رسول الله فيما معناه : “إذا أحب أحدكم أحدًا فليخبره ” ترجمته ابنتي الصغيرة يومذاك في براءة وسجية صادقة وبادوات بسيطة، فاشعلت شمعة جميلة في أركان المنزل، فكنا جميعًا سعداء بذلك وانتقلت الظاهرة السعيدة لجميع أفراد الأسرة ممارسة وأداء، وأقر أنا وبعد أن طوى من عمري جزءًا كبيرًا منه أخذت أطبق ذات الأنموذج في حياتي العملية. فأرسل شخصيًا رسائل نصية ورسائل صوتية وشفاهية لاقاربي وأبنائي والخلص من الأصدقاء الأوفياء والأقرباء من كبار السن ومن هم في عمري، بين الحين والآخر ، مستفتحًا أو خاتمًا بجملة ” إني أحبك …” بعد أداء السلام والاطمئنان على صحتهم وأمورهم. ولتلك الجملة مفعول قوي في تمتين الأواصر وترسيخ العلاقات وإظهار التبجيل وتدعيم العواطف وشد الأزر والتعضيد .

في المقابل، هناك حقيقة مؤسفة وهي أن حاجز الحياء الساذج والمفرط كمم وستر ووأَد الكلمة الطبية” أُحبك ” في بيوت وأسر ومجتمعات عدة لقساوة القلوب أو لسوء مفهوم التوظيف للكلمة أو لابتذال استخدامها من قبل دور السينما العالمية وتحريف معان تلكم الكلمة. كلمة (أحبك) تبهج سامعها وتروي شجرة المودة بين أطراف الأسرة وبين الزوجين وبين الأقرباء وبين أبناء المجتمع وبين ابناء الوطن. ويمكن استبدال كلمة احبك بكلمة احترمك أو أُبجلك أو أكن لك الكبير من المعزة.

جملة اعتراضية: القارئ الكريم، هل تتذكر آخر مرة استخدمت كلمة أحبك عند الحديث مع أخيك أو أبيك أو عمك أو ابن خالك؟

في بداية انضرام جائحة كورونا ١٩ وفرض العزل الصحي الوقائي على الناس، أضحى سكان الأرض في حسابات مختلفة وشتى والكل شعر بالعزلة القهرية عن أبناء مجتمعه ومواطن تنقلاته. في العالم، تعطلت أعمال وأغلقت أبواب شركات ومؤسسات ودور العبادة ورأينا شبه شلل لحركة الطيران وتشتت الجمع ونازع البعض خياراته المصيرية وغربل البعض الآخر خيار انتقاء محطته الأخيرة ( مدينة أو دولة) في السكن والعمل أو التقاعد، وأضحى يومذاك الكل يترقب لما قد تنتهي به تلك الجائحة، وأخذ البعض يعدون عدد الضحايا بشكل يومي، وآخرون اسودت الدنيا في وجوههم، وآخرون ندموا على ما فرطوا من أيام الرخاء وسوء استثمار الفرص. بينما أولئك الذين بنوا رصيدًا طيبًا من العلاقات الجيدة والسليمة مع أطراف اسرتهم أضحى الجلوس بالبيت أطول مدة جنة ومتعة لهم. والعكس صحيح لمن فرط في نشر أواصر المحبة مع أفراد أسرته. شكرًا بُنيتي الصغيرة زهراء فلقد زرعتي في جنبات بيتي زهور وريحان بكلماتك الجميلة . ” أحبك بابا … أحبك ماما .. أحبك أخي هاشم .. أحبك عمي عبد العزيز .. أحبك عمي عبد المحسن .. أحبك خالي نبيل .. أحبك خالي محمد .. أحبك جدي .. أحبك جدتي ” أيقونة خالدة في ذاكرتي.

‏‎ومن الجيد في هذا المقام استحضار ما روي في الآثر الشريف عن السلف الصالح من تراث أهل الإيمان والتقوى:
” زرعان يحبهما الله تعالى: زرع الشجر وزرع الأثر.
فإن زرعت الشجر ربحت الظل والثمر. ‎وإن زرعت طيب الأثر حصدت محبة الله ثم البشر “، وأتذكر رسالة واتس آب من خالي (أبو سامي) مفادها: ‎ليس الكبير من يراه الناس كبيرًا بالمال وكثرة الولائم، بل الكبير من ملأ قلوب أحبائه أدبًا وخلقًا وتواضعًا وصدقًا ومحبة‏ واحترام ولو بالكلمة الطيبة. شكرًا خالي لجميع إرشاداتك وإني لك من المحبين، شكرًا لجميع الأقرباء والأصدقاء الأوفياء لجميل ما شاركونا به من نصائح وتوجيهات ونقل تجارب والتواصي بالحق وعمل الخير، وإني لكم جميعا لمن المحبين لكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى