أقلام

السطحيون .. وتعرية ميسون الدخيل

كمال الدوخي

كشفتهم ميسون الدخيل، استطاعت الدكتورة ميسون أن تفضح حجم العقول التي تحيط بنا، أن تفضح حجم المأساة التي نعيشها، وحجم السطحية التي وصلنا إليها، أن تفضح هؤلاء الذين يتعلقون بالقشور ويصنعون منها حدثاً، هؤلاء الذين تستثيرهم العناوين، ولا يعون مما يقرؤون إلا ما وجههم لها عنوان أو تحريض أو “هاشتاق”. نحن نعيش عصر “الهشتقة” يا سادة! وهي المقصلة والمنصة التي يستخدمها هؤلاء لاغتيال الناس ورجمهم.

في مقالها الساخر “إنهم يتكاثرون فلنتخلص منهم” عرّت الدكتورة ميسون الدخيل الحال الذي نعيه تماماً دون أن تقصد، ولن أخوض في مقالها الذي طرحت من خلاله حلول لأوضاع كبار السن، إلا أن أسلوبها الساخر في المقدمة كشف لنا عن عقول سطحية لم تقرأ المقال بالكامل. فقط استثارها العنوان وبعض الاقتباسات المتداولة للمقال، ليبدأ هجوم لم يتوقف في السعودية فقط، بل في العالم العربي.

الكل يعي حجم السطحية التي نعيشها، ولكننا على أمل أن يحدث شيء يغير فيه هؤلاء السطحيون من واقعهم، هؤلاء الذين تستثيرهم العناوين والمقدمات، هم ذاتهم المنشغلون بحسابات مشاهير “الاستهبال” والسفاهة، هم أنفسهم الذين يتراكضون خلف حسابات الطبخ في “الانستغرام”، والمكياج في “السناب”، والهياط في “التيك توك”، والأغاني والأناشيد الهابطة “باليوتيوب” هم أنفسهم الذين يتابعون حسابات المقولات الشهيرة في “تويتر” ويحفظونها ليحاجوك بثقافتهم “التويترية”، هذا ليس جلد للذات يا سادة أنه الواقع المر الذي نتغافل عنه مرغمين.

هذا التدفق المعلوماتي الذي نتعرض له يومياً، يصيبنا بالتشتت ولو كنا من المثقفين، الذين عكفوا عقوداً من الزمن على كتبهم. نحن نتعرض لعملية تغيير في التركيبة الدماغية دون أن نعي لنلحق بركب السطحيين، يمر بنا كم معلوماتي باتساع ميل ولكن بعمق سنتمتر.

دماغ الانسان لديه قدرة على التشكل بحسب الاستعمال والإهمال أو ما يسمى بالليونة العصبية “neuroplasticity”، وهذه الميزة التي تمكنا من تغيير عاداتنا قد تصبح عيب إذا لم ننتبه لقدرتها على تعطيل قدرات الدماغ التي اكتسبها.

نحتاج للعزلة بين الحين والآخر عن فضاء الانترنت، الذي يلاحقنا في فضاءه بالإعلانات والخوارزميات التي لا تمكنك من البقاء لمتابعة فيلم وثائقي كامل، حتى تجد مقطع آخر بالأسفل بعنوان يلفت اهتمامك فتنتقل منه إلى آخر وهكذا دون توقف، ولا يمكنك قراءة مقال بعمق حتى يستفزك إعلان ليغير مسار اهتمامك.

كما علينا أن نقلق على الأطفال من المكوث أمام هذه الأجهزة وتأثيرها عليهم، نحتاج أن نقلق من أثر هذه الأجهزة علينا نحن البالغين.

نحن نتسافل في هذا البحر الهائج، ونحتاج لأن نتعلم كيف نمخر عباب هذا البحر ونصطاد من خيراته ومن لآلئه دون أن نغرق، علينا أن نتحكم بهذا الجهاز الذي بين أيدينا وأن نمنعه من أن يتحكم بنا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. جميل ما أشرت له عزيزي أخي الكريم الفاضل كمال ،
    واقع مر ما هو حاصل في هذا الزمن العصيب الذي نمر به

  2. أحسنت أستاذ كمال ، للأسف الكثيرون علقوا على المقال وانتقدوه وهاجموا الكاتبة قبل قراءته كاملاً وهذا يدل على قلة الوعي . تحياتي لك 🌺

  3. ” يمر بنا كم معلوماتي باتساع ميل ولكن بعمق سنتمتر. ”
    هذاه العبارة العميقة تلخص الواقع المزري الذي آل إليه حالنا ..دمت متألقاً أ. كمال

  4. ابكاتب كمال الدوخي المحترم
    سلم يراعك
    بينت عري فكرهم وهبوط أدمغتهم واستهتارهم بالعقول المفكرة النيرة
    شكرا أيها الكاتب استطعت ان تعطي للكاتبة حقها الذي سُلبت منه بفعل الحهل والتخلف والركض وراء المظاهر
    الكاتبة والصحفية آمنة الحلبي

  5. بارك الله فيك استاذ كمال الدوخي فعلا هذا هو الذي حدث بالنسبة لمقال الدكتورة ميسون الدخيل، فالكل قرأ السطور الأولى واندفع في الرد دون استكمال باقي المقال، لذلك أنا حرص أثناء قراءتي لمقالات الدكتورة ميسون أن استكملها للآخر، فمن عناصر نجاح المقال اختيار العنوان المناسب الذي يشد أكبر عدد من الجمهور ويشوقهم لاستكمال القراءة حتى آخر كلمة فيه، وحري بمن يقرأ، أن يرفع لها القبعة في حسن اختيارها للعنوان الذي جذب العديد من القراء فهي تستحق جائزة على مقالها هذا وليس العكس، فنحن عندما نعلم الطلاب الكتابة الأدبية نركز على تعليمهم حسن اختيار العنوان المشوق الذي يجذب أكبر عدد من القراء وقد كان ولكن للأسف معظم القراء بل أكثرهم، اظهروا سطحيتهم في القراءة، فهم بنقدهم اللاذع لها انكشفوا وبانت سطحيتهم واندفعوا عليها بوابل من الدعوات السيئة بدلا من أن يشكروها على طرحها للفكرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى