أقلام

رحل رجل العفو والتسامح ديزموند توتو – Desmond Tutu

أمير بوخمسين

المهاتما غاندي – نيلسون مانديلا – ديزموند توتو – وغيرهم من العظماء الذين سطروا المجد وخلدوا أسماءهم في قائمة كبار رجالات العالم كنماذج للتسامح والعفو، ونسيان الماضي بكل تداعياته وأحزانه، وعضّوا على جراحاتهم من أجل المضي إلى مستقبل زاهر مليء بالتسامح والعدالة وبناء مجتمع تقوم مقوماته على العدالة والحكمة.
في كتابه (No future without forgiving) (لا مستقبل دون مغفرة)، وكتاب ((The book of forgiving (كتاب المغفرة) يقول توتو أن المصالحة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق بإنكار الماضي. ولكن ليس من السهل التصالح عندما “تنظر الأمة إلى الوحش.” وبدلاً من تكرار العبارات المبتذلة حول التسامح، فإنه يقدم روحانية جريئة تدرك الأهوال التي يمكن أن يلحقها الناس ببعضهم البعض، ومع ذلك فهي تحتفظ بشعور مثالي بشأن المصالحة من خلال عقود من الخبرة، يوضّح توتو للقراء كيفية المضي قدماً بأمانة ورحمة لبناء عالم أحدث وأكثر إنسانية. وفي التسعينات حظيت بلقاء معه في النمسا وشهدت بنفسي على طيب خلقه وبشاشته وروحه العفوية السمحة.
انتخب توتو كأول السود في جنوب أفريقيا الأنغليكانية ليكون كبير أساقفة كيب تاون في جنوب أفريقيا، ورئيسا لكنيسة مقاطعة جنوب أفريقيا (الآن الكنيسة الأنغليكانية). وتم اختياره من قبل رئيس الوزراء نيلسون مانديلا رئيساً للجنة الحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان السابقة التي ارتكبتها كل من الجماعات المؤيدة والمناهضة للفصل العنصري.
في عام 1984حصل على جائزة نوبل للسلام، وفي عام 1986 حصل على جائزة ألبرت شويزير الإنسانية، وجائزة الحرية، كما أعلن التزامه بموقف العالم لمكافحة الإيدز، وأصبح بمثابة الرئيس الفخري للتحالف العالمي لمكافحة الإيدز. وحصل على جائزة غاندي للسلام جائزة الدكتور عبد الكلام رئيس الهند في فبراير عام 2007.
ولم يتوانى توتو في نصرة قضايا الشعوب المضطهدة فقام بحملة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من فصل عنصري واضطهاد من قبل الغاصب المحتل الإسرائيلي، وكذلك معارضته للغزو الأمريكي للعراق.
ومع كل المآسي والآلام التي ذاقها شعب جنوب أفريقيا والممارسات الشنيعة والفظيعة لانتهاكات حقوق الإنسان التي عانى منها مواطنيها، فتوتو تعالى على الجراح وسعي بالمضي قدماً من الاستبداد إلى الديمقراطية، وتحقيق المصالحة مع مضطهديها السابقين، وعرض رؤيته الحكيمة في معالجة هذا الأمر لمساعدة دخول جنوب إفريقيا حالة السلم والتسامح.
ونظراً لجهوده ونشاطه المكثّف في مكافحة العنصرية وصل توتو إلى الشهرة في سبعينيات القرن العشرين. وحظي بالثناء الدولي لنشاطه المناهض للفصل العنصري، وبشعبية كبيرة بين أبناء وطنه، وقد جمع العديد من الكتب من خطاباته وعِظاته. رحل في يوم 26 ديسمبر 2021، تاركا وراءه مدرسة في التسامح والعفو وتجاوز الماضي بكل تداعياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى