أقلام

أدلجة الأدب والفن

هاني الحجي

لا يمكن بحال من الأحوال الفصل بين الذات المبدعة، وما يحيط بها من مظاهر حضارية وثقافية وأيديولوجية تنطرح في اللاوعي، في بناء معرفي تراكمي، ففي لحظة الإبداع تطفو على السطح تلقائيًا وتفصح عن نفسها دون قصد أو تخطيط مسبق. قد يظن المتلقي أن الكاتب الأيدولوجي كان قاصدًا لإبراز مظهر معين في كتابته، ولكن التلقائية هي السمة الأبرز وإلا فما قيمة الكتابة إن لم تكن مزيجًا فريدًا من ثقافة المرء وعلومه وحتى معتقداته؟ وأين تكمن شخصية الكاتب؟ فالكتابة الأيدولوجية تحتم على الكاتب أن يكون بينه وبين العمل الأدبي نوع من المثاقفة، بمعنى تحميل النص فكرًا ومعرفة تنبثق من رؤيته، وهو ما يراه القارئ غير المطلع على الرؤية التي سجلها الكاتب بأنها رؤية أيدولوجية ضيقة، مع أن كتابة هذا النوع من النصوص يشترك في تشكيلها عاملان: الماضي والحاضر، ولا يمكن أن تصدر إلا من كاتب لديه ثقافة في هذا الجانب الذي يتناوله، بشرط أن يكون على وعي وإدراك معرفي بالبعد الماضوي والرؤية الحضارية وتأثيرهما في بعضهما البعض من خلال توظيفه في ذات العمل. والنص -الأيدولوجي- يتوجه به الأديب إلى شريحة من المتلقين يفترض أن يكون لديهم أدنى قدر معرفي، هذا إذا لم نستحصل الوعي المعرفي المطلوب في هذا الجانب من الكتابة. هنا يأتي دور الأدب والفن الأيدولوجي المتسامح في تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية داخل التراث والجانب الاجتماعي وإن كان بصورة صريحة حتى يستطيع الأديب بخطابه الأدبي تخفيف وطأة الصراعات الأيدولوجية التي تغذيها التيارات المتطرفة، فالأدب الأيدولوجي المتسامح يمكن أن يكون أداة لتخفيف حدة التطرف الأيدولوجي من بعض التيارات المتشددة. ويسهم هذا النوع من الأدب في التعريف بثقافة الآخر من خلال تناول القضايا الفكرية والسلوكيات الاجتماعية التي تعكس واقع التسامح في هذه المجتمعات المختلفة باختلاف أماكنها، بتسليط الضوء على القضايا الإنسانية المشتركة بما يخلق حالة من فهم الآخر وتفتيت صورة عدم الثقة التي يحاول الخطاب المتطرف تفخيمها في نفوس البسطاء. ويجب التفريق بين أدب الوعظ وأدب الخطاب المؤدلج، فالأدب المؤدلج حالة يعيشها الكاتب وتعكس ثقافته وبيئته ويسهم من خلال منتجه الإبداعي لإزالة الحساسيات وتصحيح المفاهيم الخاطئة لكل فئة نحو الأخرى والتصدي للرأي المتشدد بالفن والأدب، وهذا النوع من الأدب تعتريه معوقات وصعوبات لكن الكاتب الذي يعد الأدب مسؤولية ثقافية، ومنها تحميل الوعي بأبعاد ثقافية عما يحول أن تغرسه تلك التيارات في ذهنيات البعض من أجل صناعة رؤية مغايرة وثقافة جدية، تؤكد على حضور الإنسان الموحد للجميع بعيدًا عن أي تنازعات وإيجاد حالة التعايش السلمي من خلال رسم شخصيات معتدلة داخل العمل تحمل خطابًا تسامحيًا، هذا بالنظر للخطاب الأيدولوجي الإيجابي، ويفترض أن الكاتب يحمل الرؤية الناقدة لسلبيات ثقافته ويحاول إعادة تجديدها من خلال رؤيته الأدبية التي تنهل من رصيد ومخزون فكري وثقافي مجدد للتراث.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى