بشائر المجتمع

تهريب (تمرة الآباء) إلى سلة غذاء الأحفاد عبر جسر من (الصناعات التحويلية)

 

منال الخليفة: الدمام

بين مجاراة المتطلبات الغذائية للجيل الحديث، واستهداف الفوائد الصحية لهم، ومعالجة فائض التمور الذي يكبد المزارعين خسائر اقتصادية بسبب غزارة الإنتاج وقلة الاستهلاك، نشأت فكرة مبتكرة فتحت الآفاق الاقتصادية لصناعات تحويلية منشأها التمر، تكللت بإنتاج أكثر من عشرين نوعًا غذائيًا، وكانت الأساس لمنتجات أخرى.

خرجت الفكرة المبتكرة من مصنع الأمين للتمور، وفريقه الذي يرأسه رجل الأعمال علي الياسين.

وكان لملتقى (آراء واصداء) لقاء حول هذه الفكرة المبتكرة مع الياسين بعنوان: “النخلة أفق اقتصادي”، بهدف التعريف بالصناعات التحويلية للنخلة بشكل عام، والتمر بشكل خاص.

دار الحوار في ثلاث محاور أهمها: التعريف بالصناعات التحويلية: وأهميتها الاقتصادية، الواقع والطموح والعوائق للصناعات التحويلية للتمور في الأحساء، الصناعات التحويلية في الأحساء مقارنة بالمستجدات في المناطق الأخرى: والتعريف بالفرص المتاحة.

وأدار الحوار الأستاذ حسين الغدير، وقدمت له القائدة منال الخليفة، بمقدمة حول التمر، جاء فيها: “هذه الثمرة تدلت عذوقًا من رمز العطاء وهي النخلة فهل يقتصر عطاء النخلة على ثمرها؟
أم أن عطاءها تجسد في أمور أبعد من ذلك، كما قيل فيها(خذ المرحلة بعراها ) ليتجاوز عطاء ظاهرها إلى باطنها حتى في أرداها (إذا بغيت الجذب في الوصيلي)
لذلك قيل ( ازرع في كل مكان نخلة ) لأن أفاق عطاءاتها مختلفة.

وبدأ الغدير إدارة دفة الحوار بمقدمة عن النخلة ومكانتها في الأحساء جاء فيها:

“تشكل النخلة هوية أحسائية للمنطقة وللإنسان الأحسائي في آنٍ واحد، وتعد الأحساء أكبر واحة في العالم، حيث دخلت موسوعة غنيس للأرقام القياسية في 8 أكتوبر 2020م كأكبر واحة نخيل في العالم، وتبلغ مساحتها حوالي 85.4 كلومتر مربع. تتوافر على أكثر من 2.5 مليون شجرة نخيل، تتغذى من طبقة مياه جوفية ضخمة ومروية من خلال تدفق أكثر من 280 بئرًا أرتوازيًا.

وتَمُرُّ النخلة الأحسائية ومنتجاتها بتحديات كبيرة تهدد وجودها تارة، وتارةً في مواجهة صعوبات مع مثيلاتها في تسويق منتجاتها في السوق المحلي والإقليمي.

إلا أن العديد من الآمال والطموحات التي تتمثل في تطوير الصناعات التحويلية المرتبطة بالنخلة استندت على كتف مأمول فيه الخير يتمثل في ضيفنا لهذا اللقاء الأستاذ علي الياسين ليضعنا على الصورة الواضحة للحاضر والمأمول مستقبلاً، فأهلاً وسهلاً ومرحباً به محوراً لحوار شائق وهادف نستشرق به الصناعات التحويلية العائدة من النخلة الأحسائية العريقة.”

وبدأ رجل الأعمال علي الياسين حديثه عن الصناعات التحويلية وأول الإنتاج لها في مصنعهم، حيث بين أن المصنع الذي أسس عام ١٩٩٥م كان يعتمد على تعليب التمر الذي انتقل به من التعليب اليدوي ” چنز التمر” إلى الكبس اليدوي بآلة تشبه معصرة البرتقال، إلا أنها تستخدم قوالب مستطيلة الشكل، ثم تطورت الآلات من يدوية إلى آلات هيدروكلوريك، ثم انتقلت إلى الماكينات الألمانية، وصل الإنتاج اليومي من طن إلى ٥٠ طنًّا، لتنبثق نقطة التغير في المصنع والرغبة في الخروج من نقطة التسويق التقليدي التي تنتشر عند الجميع، إلى صناعة شيء مختلف.

وتبدأ الصناعات التحويلية في المصنع في عام ٢٠١٥م بإنتاج عجينة التمر، والبدء بمحاولات في إنتاج بودرة التمر التي تم إطلاقها عام ٢٠١٧م.

وكانت هذه البودرة منتجات التمر، هي البنية الرئيسة لعشرين منتجًا غذائيًا. مثل: العصيدة سريعة التحضير، وكيك التمر، والكيك سريع التحضير، والكوكيز الذي يعد بالمكرويف، والسينابون، والمعمول، والكورن فليكس، ومنتجات الكاكاو، وزبدة المكسرات، وأقراص التمر، ومستحضرات التجميل.
وقد تكونت شراكات مع شركات خليجية وعالمية لتكون بودرة التمر من مكونات المنتج الرئيس، وهذا ماساهم في تصدير بودرة التمر إلى دول الخارج.
وبذلك استطاع مصنع الأمين للتمور توفير المادة الخام التي كانت تنتج بمعدل ٤٠٠ كيلو فقط، لتصل الآن إلى ستة أطنان في اليوم، لتدعم الصناعات الغذائية التحويلية والصادرات الخارجية.

ويراهن الياسين على أن تكون الأحساء أكبر مصدر للسكر في السنوات المقبلة ولا سيما بعد حصول المنتج على ثلاث شهادات دولية، هي: شهادة الجودة الأمريكي الكوشر، وشهادة الصحة والدواء الأمريكية، وشهادة الإيبزو ٩٢٠٠، كما أنه انتهى من ٩٠٪؜ من اشتراطات هيئة الدواء والغذاء السعودية.

وعن سبب توفير بودرة التمر بهذه الكميات والفائدة الاقتصادية أكد الياسين على أهمية توحيد السعر للمنتج، وعدم تأثره بوفرة المادة أو ندرتها على مدار السنة ليكون التجفيف هو أفضل الطرق للحفاظ على ثبات السعر للمنتج.

كما بين الياسين أن الصناعات التحويلية ستساهم في الطلب أكثر على التمور ومخلفات النخلة، مما سيدعم المزارعين وسيعزز سعر التمر وقد يضاعف سعره، لأن استهلاك التمور يرتفع ويرتفع الطلب عليه، ولاسيما إذا دخلت شركات قوية كما هي سابك التي تدرس تصنيع الكحول الطبي من التمر، وعند هذا الانتقال سيكون هناك نقلة للمزارعين وللنخيل ومنتجاتها ومخلفاتها.

ووضح الياسين أن مخلفات النخلة الواحدة تصل إلى ٤٠ كيلو سنويًا، وهذا ما جعلهم حاليًا يبدؤون في دراسة عملية التدوير لها بتحويلها إلى حطب وفحم مكربن أو بليوت كخشب، أو تحويلها إلى كبسولات علف بعد طحنها وإضافة البروتينات عليها، وهذا ما بدؤوا فيه حاليًا، واستخدموه على نطاق شخصي ضيق حتى يحين التجهيز الجيد لإطلاقه لاحقًا.

وعن اختلاف النخلة في الأحساء عن مثيلاتها في المناطق الأخرى أوضح الياسين أن تعداد النخيل في الأحساء ثلاثة ملايين نخلة كواحة زراعية قديمة تعتمد على مياهها الارتوازية، وتعد حيازات صغيرة لأشخاص عشقوا النخلة لتكون مثل أبنائهم ولو استطاعوا لسجلوها في بطاقة العائلة،
ولكن القصيم ونجد يصل التعداد فيهما إلى ثمانية ملايين في الأولى وستة ملايين في الأخيرة كلها مشاريع تجارية لها أهداف لعائد مادي متى ما قل عن ما يجب الوصول إليه يتم اكإيقاف الراي، ويؤدي بالتالي إلى هلاك النخلة.
فما يميز الأحساء أن أصحاب النخلة بحيازتهم الخاصة لديهم استعداد أن ينفقوا عليها من جيوبهم الخاصة للحفاظ عليها، كما أنه يعتمد في تسميدها بروث البهائم مما يجعل النخلة أقرب للزراعة العضوية وما ينقصها سوى شهادة صحية لتأكيد ذلك.

وعن الواقع والطموح للصناعات التحويلية الخاصة بالتمور أشاد الياسين بمهرجان التمور الذي يعد فتيلًا للابتكار في المنتجات من الجميع، فقد باتت جميع المصانع تتنافس في المنتجات المعروضة بالمهرجان، والتي تفوقت بجدارة. ولكنها للاسف تبقى في الأحساء ولا تخرج خارجها بسبب ضعف الإعلام في تناولها، مع وجود الدعم من الدولة حيث افتتح المهرجان أمير منطقة الشرقية “سعود بن نايف بن عبدالعزيز ” الذي كانت له وقفات إلهامية سابقة للمصنع عندما قال في أحد المؤتمرات الاقتصادية ” اصنعوا لفئتين من الناس ستكسبون بعدها ” وهم فئة الأطفال والنساء

وأضاف الأمين بقوله: هذا ما ألهمنا كمصنع الأمين في إنتاج الاغذية الجاذبة للأطفال بفوائد صحية، وللنساء بالمنتجات التجميلية التي صنعت في فرنسا لأنهم أهل الاختصاص. وهذا ما أيده صاحب السمو وأشاد بالتعاون معهم للأخذ من خبرتهم، والاستفادة من مهارتهم ليسهم ذلك في تقوية المنتج ويعزز ثقة المستهلك.

واختتم اللقاء بتكريم الوجيه علي الياسين بشهادة شكر مقدمة من إدارة آراء وأصداء، كما تمت مفاجاته برسم لوحة بورتريه له مقدمة من الشاب التشكيلي أحمد عادل بوزيد.

الجدير بالذكر أن  الحوار تخلله استراحات بصرية أبدع في اقتناصها المحاور حسين الغدير إضافة إلى الوقفات الشعرية التي اقتنصتها الشاعرة والقاصة رباب النمر من إبداعات الشعراء في النخلة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى