أقلام

دراسة: البكتيريا تختطف الاشارات المتبادلة بين الخلايا العصبية وتسبب التهاب السحايا

بقلم: ايكتارينا ريشيڤا
 
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
 

توضح دراسة جديدة بقيادة باحثين من كلية الطب بجامعة هارفارد تفاصيل التتالي التدريجي الذي يسمح للبكتيريا باختراق طبقات الدماغ الواقية – السحايا – والتسبب في التهاب الدماغ(1)، وهو ما يعرف بالتهاب السحايا، وهو مرض مميت جدًا.

أثبت البحث، الذي أجري على فئران ونشر في 1 مارس 2023 في دورية نتشر(2) Nature، أن البكتيريا تستغل الخلايا العصبية في السحايا لتثبيط الاستجابة المناعية والسماح للالتهاب (للعدوى(3)) بالانتشار في الدماغ.
“لقد تعرفنا على محور للمناعة العصبية على حدود الطبقات (الأغشية) الواقية للدماغ، والذي تخطفه البكتيريا لتسبب الالتهاب – وهي مناورة ذكية تضمن للبكتيريا بقاءها على قيد الحياة وتؤدي إلى انتشار المرض،” كما قال كبير مؤلفي الدراسة ، إسحاق تشيو  Isaac Chiu، الأستاذ المشارك في علم المناعة في معهد بلاڤاتنيك Blavatnik في كلية الطب بجامعة هارفارد.

تعرفت الدراسة على عاملين يلعبان دورًا رئيسًا  في سلسلة الأحداث الجزيئية المتتالية التي تؤدي إلى التهاب السحايا – ربيطة كيميائية(4) (ligand) تفرزها الخلايا العصبية وتحصر مستقبلات الخلايا المناعية. أثبتت تجارب الدراسة أن حصر أي منها يمكن أن يوقف تتالي الأحداث ويجهض الاختراق البكتيري.

لو كُررت التجربة وذلك باجراء المزيد من الدراسات، فقد تؤدي النتائج الجديدة إلى علاجات نحن بحاجة ماسة لها لعلاج هذه الحالة التي يصعب علاجها والتي غالبًا ما تترك أولئك الذين ينجون من التهاب السحايا يعانون من ضرر عصبي شديد.

تستهدف مثل هذه العلاجات الخطوات المبكرة الحرجة للالتهاب (للعدوى) قبل أن تنتشر البكتيريا في عمق الدماغ.
“تُعتبر السحايا  هي الأنسجة الحاجزة (الحامية) الأخيرة قبل اختراق مسببات الأمراض الدماغ ، لذلك علينا تركيز جهودنا العلاجية على ما يحدث في هذه الأنسجة الحامية للدماغ” حسبما قال مؤلف الدراسة الأول فيليبي بينهو ريبيرو Felipe Pinho-Ribeiro، وهو باحث سابق في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر تشيو . وهو الآن أستاذ مساعد في جامعة واشنطن في سانت لويس.
التهاب السحايا يعتبر مرضًا متمردًا يحتاج إلى علاجات جديدة

تحدث أكثر من 1.2 مليون حالة من حالات التهاب السحايا الجرثومي(5) على مستوى العالم كل عام، وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. إذا لم يتم علاج هذا الالتهاب، فإن من شأنه أن يقضي على سبعة من كل 10 مصابين .  لكن بإمكان العلاج أن يقلل من نسبة الوفيات إلى ثلاثة من كل 10 مصابين.  ومع ذلك، من بين أولئك الذين يبقون على قيد الحياة، واحد من كل خمسة سيعاني من تبعات وخيمة، بما فيها فقدان السمع أو البصر والنوبات الصرعية والصداع المزمن ومشكلات عصبية أخرى.

العلاجات الحالية – المضادات الحيوية التي تقضي على البكتيريا والمنشطات التي تضعف الالتهاب المرتبط بالعدوى البكتيرية – قد تخفق في درء أسوأ تبعات المرض، خاصةً إذا بدأ العلاج متأخراً بسبب التأخُر في التشخيص.
الستيرويدات (المنشطات) المُخفِّفة للالتهاب تثبط المناعة وتضعف الوقاية / الحماية  بشكل أكبر وتزيد من انتشار الالتهاب. وبالتالي، يجب على الأطباء تحقيق  توازن هش: يجب عليهم كبح جماح الالتهاب المدمر للدماغ بالعلاج بالستيرويدات ( المنشطات)، ولكن عليهم التأكد أيضًا من أن هذه الأدوية المثبطة للمناعة لا تؤدي الي تفاقم تعطل دفاعات (مناعة) الجسم.

تتزايد الحاجة إلى علاجات جديدة بسبب عدم وجود لقاح شامل ضد التهاب السحايا. قد  تسبب أنواع عديدة من البكتيريا التهاب السحايا، لذا فإن تصميم لقاح لجميع مسببات الأمراض المحتملة أمر غير عملي.
اللقاحات الحالية(6) صممت للوقاية من بعض البكتيريا الأكثر شيوعًا المعروفة بأنها تسبب التهاب السحايا. يُوصى بالتطعيم فقط لبعض الفئات السكانية المعرضة لاحتمال الإصابة بالتهاب السحايا الجرثومي(4). بالإضافة إلى ذلك،  وقاية اللقاح من الاصابة بالالتهاب تضعف بعد عدة سنوات.

لطالما كان تشيو وزملاؤه مفتونين بالتفاعل بين البكتيريا والجهاز العصبي والجهاز المناعي، وكيف ربما يؤدي تداخل الاشارات بين الخلايا العصبية والخلايا المناعية إلى الاصابة بالمرض أو تلافي الاصابة به.
 أثبت بحث سابق بقيادة تشيو أن التفاعل بين الخلايا العصبية والخلايا المناعية يلعب دورًا في أنواع معينة من الالتهاب الرئوي وفي الالتهابات اللفافة النادرة(7، 8).
هذه المرة، حوَّل كل من تشيو  وبينهو ربييرو  تركيزهما  إلى التهاب السحايا – وهي حالة أخرى اعتقدا أن العلاقة بين الجهاز العصبي والجهاز المناعي تلعب دورًا فيها.
السحايا عبارة عن ثلاثة أغشية واحد فوق الآخر،  وتحيط بالدماغ والحبل الشوكي لحماية الجهاز العصبي المركزي من الإصابة والتلف والالتهاب.  الغشاء (الطبقة) الخارجي من الأغشية الثلاثة – تسمى الأُم القاسية dura mater – تحتوي على عصبونات الألم التي تجس الإشارات.  قد تأتي هذه الإشارات في شكل ضغط ميكانيكي – قوة صادمة من اصطدام أو سموم تشق طريقها إلى الجهاز العصبي المركزي عبر مجرى الدم.

ركز الباحثان بدقة على هذه الطبقة (الغشاء)  الخارجية كموضع للتفاعل الأولي بين البكتيريا والأنسجة الواقية على حدود الدماغ.

كشفت الأبحاث الحديثة أن طبقة الأُم القاسية غنية بالخلايا المناعية ، وأن الخلايا المناعية والخلايا العصبية تتواجد بجوار بعضها بعض – وهذه قرينة استحوذت على اهتمام تشيو وبينهو ريبيرو.

“عندما يتعلق الأمر بالتهاب السحايا، فقد ركزت معظم الأبحاث حتى حينه على تحليل استجابات الدماغ ، لكن الاستجابات في السحايا – وهي النسيج الحاجز حيث يبدأ الالتهاب – لم تخضع للدراسة بعد”.
ماذا يحدث بالضبط في السحايا عندما تغزوها البكتيريا؟ كيف تتفاعل مع الخلايا المناعية الموجدة هناك؟ قال الباحثان لا تزال هذه المسائل غير مفهومة بشكل جيد.
كيف تخترق البكتيريا طبقات الدماغ الواقية
في هذه الدراسة بالذات، ركز الباحثان على مسببين من مسببات الأمراض – العقدية (المكورة) الرئوية(9) والعقدية القاطعة للدر Streptococcus agalactiae وتعرف أيضا العقدية من المجموعة ب (10)  Group B streptococcus، وهي المسببات الرئيسة لالتهاب السحايا الجرثومي(5) الذي يصيب البشر.

في سلسلة من التجارب، وجد فريق البحث أنه عندما تصل البكتيريا إلى السحايا، فإن مسببات الأمراض تؤدي إلى سلسلة من الأحداث التي تبلغ ذروتها بانتشار الالتهاب.
أولاً، وجد الباحثان أن البكتيريا تفرز سمًا ينشِّط عصبونات الألم في السحايا. وأشار الباحثان إلى أن تنشيط السموم البكتيرية لعصبونات الألم يمكن أن يفسر الصداع الحاد والمؤلم الذي يعد سمة مميزة لالتهاب السحايا.
فيديو:  تعرف الباحثان على المناورات التي تستخدمها البكتيريا لاختراق الدماغ والتسبب في التهاب السحايا. تظهر هنا مستقبلات الألم (باللون الأحمر) في طبقات الدماغ الواقية ، والمعروفة باسم السحايا. عندما تنشطها البكتيريا، تفرز مستقبلات الألم مادة كيميائية تعطل الوظائف الوقائية الطبيعية للخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا البلعمية الكبيرة  (باللون الأزرق) ، مما يضعف دفاعات الدماغ. مصدر الفيديو: مختبر تشيو / كلية الطب في هارفارد . 
‏https://youtu.be/kpwElziECNU
 
بعد ذلك، تفرز الخلايا العصبية المنشطة ربيطة كيميائية(4) ligand  تسمى CGRP تعطي اشارة عند التحامها بمستقبل الخلايا المناعية الذي يُدعى RAMP1 الموجود بشكل خاص بكثرة على سطح الخلايا المناعية المسماة بالخلايا البلعمية الكبيرة(11).
بمجرد أن ترتبط المادة الكيميائية بالمستقبِل، تتعطل الخلية المناعية عمليًا. في ظل الظروف العادية، بمجرد أن تجس الخلايا البلعمية الكبيرة وجود بكتيريا، فإنها تنطلق لمهاجمتها وتدميرها وابتلاعها. وترسل هذه الخلايا البلعمية أيضًا إشارات استغاثة إلى الخلايا المناعية الأخرى لانشاء خط دفاع ثانٍ. أظهرت تجارب الفريق أنه عندما يُفرز الـ CGRP ويلتحم بمستقبل الـ RAMP1 على الخلايا البلعمية، فإنه يمنع هذه الخلايا المناعية من طلب المساعدة من الخلايا المناعية الأخرى. نتيجة لذلك ، تتكاثر البكتيريا عددًا وتتسبب في انتشار الالتهاب.
للتأكد من أن تنشيط عصبونات الألم الناجم عن البكتيريا كان الخطوة الأولى الحاسمة في تعطيل دفاعات الدماغ المناعية، قام الباحثان بفحص ما يمكن أن يحدث للفئران المصابة التي تفتقر إلى عصبونات الألم.
الفئران التي أُصيبت فيها عصبونات الألم  بالتهابات دماغية أقل حدة عند إصابتها بعدوى نوعين من البكتيريا معروفة بأنها تسبب التهاب السحايا. أثبتت التجارب أن السحايا في هذه الفئران لديها مستويات عالية من الخلايا المناعية لمكافحة البكتيريا. وبالعكس، السحايا في الفئران التي لا تزال  عصبونات الألم فيها سليمة اظهرت استجابات مناعية ضعيفة وعدد أقل بكثير  من الخلايا المناعية المنشطة، مما يدل على أن البكتيريا تختطف الخلايا العصبية لتثبيط الوقاية المناعية.
المسار الى علاجات جديدة
تشير التجارب إلى أن الأدوية التي تحصر CGRP أو RAMP1 يمكن أن تسمح للخلايا المناعية بأداء وظيفتها بشكل صحيح وزيادة الدفاعات المناعية عند حدود الدماغ.
المركبات الحاصرة  CGRP و RAMP1 وُجدت في الأدوية المستخدمة بشكل واسع  لعلاج الصداع النصفي، والذي يعتقد أن مصدره الطبقة السحائية العليا (الأولى)،  المعروفة بـ الأم القاسية. هل يمكن أن تصبح هذه المركبات أساسًا لأدوية جديدة لعلاج التهاب السحايا؟ سؤال يقول الباحثون إنه يستحق المزيد من الدراسة.
وقال بينهو ريبيرو: “أي شيء نجد أنه قد يؤثر في علاج التهاب السحايا خلال المراحل الأولى من الالتهاب قبل تفاقم المرض وانتشاره يمكن أن يكون مفيدًا إما للحد من الوفيات أو للحد من الأضرار اللاحقة”.
الالتحام المباشر بين الخلايا المناعية والخلايا العصبية في السحايا يوفر طرقًا جديدة مثيرة للبحث والدراسة.
“لابد أن يكون هناك سبب تطوري لوجود الخلايا البلعمية الكبيرة وعصبونات الألم معًا بشكل وثيق” كما يقول تشيو. “بهذه الدراسة التي أجريناها، استقينا معلومات عما يحدث في مكان وزمان الإصابة بالعدوى البكتيرية، ولكن بعد ذلك، كيف تتفاعل أثناء العدوى الفيروسية، أو في وجود الخلايا السرطانية، أو الإصابة في الدماغ؟ هذه كلها أسئلة مستقبلية مهمة ومثيرة “.
 
مصادر من داخل وخارج النص 
‏1- https://www.webteb.com/neurology/diseases/التهاب-الدماغ
 
‏2- https://www.nature.com/articles/s41586-023-05753-x
‏3- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/علم-الامراض/عدوى
 
‏4- https://ar.wikipedia.org/wiki/ربيطة_(كيمياء_حيوية)
 
‏5- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/الامراض-المعدية/التهاب-السحايا-الجرثومي
 
‏6- https://www.cdc.gov/vaccines/vpd/mening/public/index.html
 
‏7- https://hms.harvard.edu/news/subversive-maneuvers
 
‏8- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/الامراض-الجلدية/التهاب-اللفافة-الناخر
 
‏9- https://ar.wikipedia.org/wiki/مكورة_رئوية
 
‏10- https://ar.wikipedia.org/wiki/عقدية_قاطعة_للدر
 
‏11- https://ar.wikipedia.org/wiki/خلية_بلعمية_كبيرة
 
المصدر الرئيس
‏https://hms.harvard.edu/news/how-bacteria-invade-brain

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى