أقلام

الحجاب للمرة المليون

أمير الصالح

كتب الأدباء والعقلاء والفلاسفة والمفكريون أم لم يكتبوا، فإن الحقيقة الساطعة هي أنه في عالم الأمس وعالم اليوم وعالم الغد القوي من الأمم والمجتمعات هم من يستطيعون تمرير قناعاتهم وفرضها على مسلوبي الإرادة أو ناقصي الاستقلال وإن تناقضت تلك القوانين مع العقل والوجدان والفطرة السليمة. ولكن مسألة استمرار فرض تلكم التناقضات على الآخرين والرافضين لها مسألة أخرى ورهن صراع توازن القوى المختلفة على امتداد الزمن.

من شواهد مصاديق الازدواجية لدى بعض المجتمعات العالمية المتحضرة في بعض دول العالم الأول أن قطعة قماش بأبعاد لا تتجاوز نصف متر في نصف متر أضحت تؤرق بعض أحزابه وتكشف حجم تناقضات ادعاءاته في مفهوم الحرية الشخصية وازدرائه لبعض أصحاب الديانات السماوية الأخرى . بل إن موضوع حجاب النساء المسلمات أظهر حقيقة عنصرية قوانين بعض الدول ووقوفهم ضد قيم أخلاقية مثل العفة والطهارة والنظافة الأخلاقية والبناء الأسري والستر. وبدورنا نشكر أتباع الدين الاسلامي والديانات السماوية الأخرى في بعض مواطن المهجر الصابرين والمحتسبين، والمتمسكين بمفهوم الأسرة وبارتداء الحجاب. فلقد اختصروا الطريق على غيرهم وفضحوا نوايا اليمين المتطرف في بعض الدول وكشفوا الأجندات الضبابية والحيل الكلامية والخدع السينمائية الدعائية. عندما يقرأ أو يشاهد المتصفح لمعظم قنوات الأخبار العالمية ويرصد ردود أفعال رؤوساء تحرير تلكم القنوات الإعلامية على اعتداء أفول من الطائفة الفلانية على المحجبات في الهند أو هجوم بعض المتشددين الفرانكوفينين والأنجلوساكسويين البيض على النساء المحجبات في بعض دول أوربا والشمال الأمريكي ونيوزلندا، تتضح صورة بشعة من صور ازدواجية التعاطي لمعان الديمقراطية في الهند وبعض أجزاء أوربا لمفهوم المواطنة والحقوق والحريات الشخصية وحرية المعتقد.
وعندما نرى ما يرصده بعض مراسلي القنوات الفضائية الإعلامية العالمية عن الاعتداءات على المسلمات المحجبات، نعلم بأن البناء الوطني في تلكم الدولة مثل دولة الصين يمر بجحيم التذويب العرقي والديني والثقافي. وعندما نشاهد مظاهر تنكر الأحزاب اليمينية الأوربية للمسلمين الأوائل ممن بنواسكك الحديد بعد الحرب العالمية الثانية وأبناء الجيل الثالث والرابع والسعي الحثيث على ازدرائهم وتهميشهم وامتهان حجاب نساءهم وإحراق كتابهم المقدس(القرآن الكريم)، نشعر بسقوط الشعارات المعسولة الرنانة وسوء توظيف معان كلمة الحرية وقوة الجحود، ونكران الجميل وعميان البصيرة وطغيان الغرور وانكشاف الأقنعة.

يعجز الإنسان السوي والمنصف عن حصر تناقضات المغرور والجاحد والناكر للجميل عبر تاريخ البشرية. ويشعر الإنسان في أغلب الأحيان اختفاء أو إخفاء صوت النقد الإيجابي وتغييب صوت العقل والتنكر للحكمة داخل ذاك المجتمع الواحد لاختطاف المتهورين المغرورين بالنفوذ لرأي تلكم المجتمعات والمضي به نحو الهاوية أو الوحول.

شخصيًا أتعجب كيف أن مجتمع مثل مجتمع مدينة مونتبليه montpellier الذي تعتريه نخوة إنقاذ عابر السبيل من خلال إشارة رفع الإبهام للأعلى على الطريق عند مرور سيارة به، فيمدون له يد العون؛ ولا يسارعون في الدفاع عن امرأة تتعرض لتحرش بنزع حجابها في شارع مزدحم بالمارة ونهار باصر !! كنت أكن الكثير من الحب لفرنسا كشعب طيب حتى أني تعلمت بعض من لغتها، إلا أن شغفي بفرنسا الحرية أيام زمان آخذه في الانحسار بسبب المد اليميني المتطرف وسوء التعرض للمحجبات، والتضييق على المسالمين من المسلمين الأهالي الطيبين. شعار LIBERTE • EGALITE • ACTUALITE ما يزال مدويًا في سمعي، وكذلك دولة الهند وهي الديمقراطية الأكبر في كوكب الأرض كما ورد على لسان مراسلي وكالات الأنباء في الدورات الانتخابية المتكررة، أضحت تضمر في أفقها الوطني بسبب عدم تجريم المتطرفين المعتدين على المؤمنات المحجبات والتهاون في بعض المناطق من حماية دور العبادة للمسلمين.

الإشكال أن قطعة قماش بحجم أقل من نصف متر طولًا وعرضًا، على رأس امرأة تحب أهلها ودينها أضحى موضوعًا رئيسًا في برنامج انتخابي لبعض المرشحين في السباقات الانتخابية في بعض الدول الصناعية! نتطلع لسماع صوت العقلاء في المجتمعات الرائدة عالميًا وترويض المتطرفين من كل الجهات بالحوار الجاد والعميق ليكون كوكبنا أكثر أمنًا وسلامًا للمحجبات والسافرات، وللمؤمنين والملحدين سواء بسواء، ولا سيما في الدول التي ترفع شعار الحرية الشخصية كأساس للديمقراطية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى