أقلام

كيف يمكن للفلسفة أن تساعد الأمهات على تجنب التعرض لإساءة الظن بهن واتهامهن بالتقصير وتعرضهن للتعيير

بقلم فيونا وولارد، أستاذة الفلسفة ، جامعة ساوثهامبتون

المترجم: عدنان أحمد الحاجي 

التربية،عملية صعبة: تنطوي على قلة نوم، وطفل يبكي لساعات بدون سبب معروف ، وطفل دارج يمر بفورة غضب لأسباب كثيرة.  لكن غالبًا ما تكون كل هذه المشكلات صعبة على الأمهات بشكل خاص.

هذا ليس فقط لأن الأمهات غالبًا ما يتولين نصيب الأسد في التربية العملية للأطفال، لأن الأمهات عادة ما تتحمل أشياء إضافية منها اساءة الظن بهن واتهامهن  بالتقصير وتعرضهن للتعيير.

أسلوب الناس في التفكير بما يتعلق بالأمومة يمكن أن يؤدي إلى ضغط شديد على الأمهات.  وقد تؤدي أيضًا إلى شعور بعض الأمهات بأن عليهن الرد على انتقاد الآخرين لهن في محاولة منهن للدفاع عن أنفسهن [المترجم: يُعرف بـ الدفاع الاتقائي].

وبهذه الطريقة، يمكن أن تُحرض الأمهات ضد بعضهن البعض عندما يكن في أمس الحاجة إلى دعم بعضهن البعض الآخر. لا يمكن للفلسفة أن تجعل حياة الأمهات أكثر سهولة وذلك بتوفير علاج للحرمان من النوم.  ومع ذلك، باستخدام أساليب الفلسفة التحليلية، يمكننا التعرف على أخطاء في التفكير [والتي تعرف أيضًا بالتحيزات المعرفية(1)] تتعلق بالأمومة.

قد يساعدنا هذا في فهم لماذا يساء الظن بهن ويعيرن ويتهمن بالتقصير. قد يساعد أيضًا الأمهات على مساعدة بعضهن البعض.

هناك بعض القضايا الساخنة في الحوارات بشأن التربية والتي دائمًا ما تخفق: الولادة وإرضاع المولود الجديد وتقديم الطعام الصلب الى وجبته الغذائية “واستخدام إحدى طرق تدريب الطفل على النوم لوحده(2)” حتى ينام الطفل لفترة أطول.  عند مناقشة هذه المواضيع نرى خلافات شديدة واتهامات متشنجة.

قد يوحي بعض الناس ضمنًا – أو حتى يصرحون – بأن بعض الأمهات أنانيات.  وقد يوحي البعض إلى أن الأمهات الأخريات شهيدات حمقاوات يعانين / يقاسين بدون مبرر وجيه لهذا العناء.

نفس الحالات تتكرر في مواضيع مختلفة.

1- الاستقطاب. غالبًا ما تنقسم الأمهات إلى طرفين متعارضين. نتكلم هنا عن أم تقوم بالرضاعة الطبيعية مقابل تلك التي تستخدم الحليب الاصطناعي، وعن أم ترغب في الولادة بالعملية القيصرية مقابل تلك التي ترغب في الولادة “الطبيعية”، وتلك التي تدرب طفلها على النوم لوحده مقابل تلك التي تنام معه في نفس السرير.

2- نقاط عمياء. يمكن لكل طرف أن يقتنع بأنه مهستدف بالمزيد من التعرض لاساءة الظن به وتعرضه للتعيير واتهامه بالتقصير.  قد تقول اللاتي يدربن أطفالهن على النوم لوحدهم: “لا تفتأ بعض النساء تعير الأمهات بسبب تنويمهن أطفالهن معهن في نفس السرير، لكني أرى الكثيرات لا يحسن الظن بنا عندما نستخدم طريقة،تدريب أطفالنا على النوم لوحدهم”.  وقد تقول من تنام مع طفلها في نفس السرير عكس ذلك.

3- مطالب بالتبرير. قد تشعر بعضهن بأن لهن الحق بمطالبة الأخريات بتبرير قراراتهن.  إذا لم تستطيعي اعطاء مبرر كافٍ، فقد يُنظر إليكِ على أنك أم سيئة.  قد تقول بعض الأمهات أشياء مثل: “لا بأس من استخدام الحليب الاصطناعي إذا كان لديكِ مبرر طبي لا يمكِّنك من الرضاعة الطبيعية.  لكن معظم الأمهات كسْلى جدًا إلى درجة أنهن لا يرضعن أطفالهن رضاعةً طبيعية “.

4- هجوم اتقائي.  قد تستجيب الأمهات اللاتي يشعرن وكأنهن متهمات بأنهن أمهات سيئات بمحاولة إثبات أن الطرف الآخر مخطئ.  قد تجادل من تشعر وكأنها تتعرض لانتقادات بسبب إجرائها عملية قيصرية بأن النساء اللواتي يرغبن في الولادة في البيت هن أمهات مضللات ومتهورات

تكاد تكون هذه المشكلات حتمية في الموضوعات الساخنة.  ومع ذلك، فإن مناقشة أي قرار تربوي تقريبًا يمكن أن يصبح نقاشًا سامًا ويبدأ في أن يكون نقاشًا من نمط تلك النقاشات السيئة.  لقد رأيت مثل تلك النقاشات الدائرة حول اختيار أحذية الأطفال.

إذن ما سبب اخفاق هذه الحوارات اخفاقًأ كبيرًا،  وكيف يمكن للفلسفة أن تكون نافعة في هذا المجال؟

أخطاء فلسفية

تحدث هذه المشكلات جزئيًا بسبب عدة أخطاء فلسفية لها علاقة بتفكيرنا بما يتعلق بالأمومة(3).

أولاً، غالبًا ما نخلط بين مبررات (بواعث) الأمومة وواجباتها.  المبررات مهمة جدًا ولكن يصعب تعريفها.  يعتقد بعض الفلاسفة أن المبررات هي اللبنات الأساسية لما ينبغي أو يجب فعله.  لا يمكن تفسيرها من حيثية أي شيء آخر.

نقول أن المبررات “تدفعنا” للقيام بفعل الأشياء.  حقيقة حلاوة مذاق البوظة يدفعنا إلى تناولها.  ولذا مذاقها يعتبر مبررًا لأكلها.

الواجبات أشياء علينا أن نفعلها من الناحية الأخلاقية.  الفلاسفة رجوعًا إلى مفكر القرن التاسع عشر جون ستيوارت ميل(5) يجادلون بأن الواجبات مرتبطة بالإتهام بالتقصير والتعرض للوم من قبل الآخرين.

أنا أزعم أن الواجبات مرتبطة أيضًا بالتبريرات.  إذا لم تقم بواجبك (بمسؤليتك)، يحق للناس أن يطلبوا منك مبررًا لذلك التقصير.  إذا لم يكن تبريرك جيدًا بما يكفي، فبإمكانهم إلقاء اللوم عليك وأن يتهموك بالتقصير.

علينا أن ندرك أن الأمهات يمكن أن يكون لديهن مبررات ليست واجبات (مسؤليات). قد يكون لدي سبب وجيه لفعل شيء ما (لذا فأنا لست حمقاء حين أبذل جهدًا اضافيًا في هذا السبيل) دون أن يكون هناك واجب (مسؤلية) لفعل هذا الشيء (لذلك لا يحتاج من يتخذ خيارًا مختلفًا إلى تبرير ليتجنب الاتهام بالتقصير ومن التعرض للوم الآخرين له).

بإمكاننا احترام دواعي عداء الماراثون لمشاركته في المسابقة دون التفكير في أن الذين لا يشتركون في المسابقة لابد وأن يُتهموا بالتقصير.  يجب أن نكون قادرين على مقاربة دواعي الأمهات بنفس المقاربة، على سبيل المثال، اختيارهن العملية القيصرية التي خططن  لها مسبقًا أو عدم رغبتهن في تدريب أطفالهن على النوم لوحدهم.

ثانيًا ، نفترض أن هناك طريقة وحيدة حتى يُقال للأم أنها أم جيدة.  لأن الأوضاع والحالات العائلية قد تكون مختلفة جدًا.  أساليب مختلفة قد تكون نافعة لأطفال مختلفين.

ولكن ما هو أهم من ذلك، لا تحتاج جميع الأمهات أن تفكر وتشعر بالشيء نفسه. قد تختلف القيم باختلاف الأمهات، لكن يظللن أمهات جيدات. قد تبدو هذه الاختلافات بديهية، لكن التحليل الفلسفي للتفكير البديهي المتعلق بالأمومة يبين أن الناس غالبًا ما يفترضون ضمنيًا أن هناك فقط طريقة واحدة حتى يقال أن هذه الأم  أمٌ جيدة.

هذه أخطاء تتعلق بالأمومة لا بالتربية بشكل عام.  لا يبدو أننا نرى نفس أنماط التفكير الخاطئة في الآباءfathers .  يبدو أننا قادرون على إدراك أن لدى الآباء مبررات (بواعث) بدون واجبات وأن القيم تختلف باختلاف الآباء.

من العوامل الأخرى التي تحرض الأمهات ضد بعضهن البعض هي المواقف تجاه أجساد النساء وعدم استيعاب فكرة أن الأمهات هن مربيات في المجتمع.  ينظر إلى الأثداء على أنها خاصة بالجنس.  قد تشعر الأمهات أن عليهن تبرير ممارستهن للرضاعة الطبيعية، خاصة إذا كن خارج المنزل، بقولهن إن عليهن القيام بذلك لأنها تعتبر واجبًا من واجبات الأمومة.  في الدفاع عن أنفسهن، فد ينتهي الأمر بهن عن غير قصد إلى تعيير اللاواتي يستخدمن حليب الفورملا (الرضاعة الصناعية).

وبالمثل، فإن الضغط للعودة إلى العمل قد يحرض الأمهات اللواتي لا يدربن  أطفالهن على النوم لوحدهم ضد اللواتي يقمن بذلك.  فقد تحتاج الأمهات اللواتي لا يدربن أطفالهن علي النوم لوحدهم إلى الدعم والمساندة. قد يشعرن أنهن بحاجة إلى تبرير احتياجاتهن بالقول إنه لا توجد أم جيدة يمكنها تدريب طفلها على النوم لوحده.

بإمكان الفلسفة أن تساعد الأمهات وذلك بتوضيح كيف تحرض الأخطاء في التفكير المتعلق بالأمومة الأمهات ضد بعضهن بعض.  بمجرد التعرف على أنماط الأخطاء في التفكير، باستطاعتنا محاولة تجنب تكرارها. باستطاعتنا أن نحاول أن نتفاعل وجدانيًا لو عرفنا سبب كون المرأة اتقائية.

لا يوجد حل بسيط لهذه الأخطاء.  فهذه الأخطاء المتعلقة بالأمومة متأصلة بعمق في مجتمعنا، و تؤثر في طريقة تفكيرنا  حتى لو رفضناها فكريًا. الاقرار بها كأخطاء لن يحل كل المشكلات. لكن تعتبر بداية جيدة.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.npr.org/2022/09/13/1122660697/3-common-thinking-traps-and-how-to-avoid-them-according-to-a-yale-psychologist

2- https://www.360moms.net/article/1158/4-trk-ltdryb-alatfal-aal-alnom

3- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/abs/10.1111/phpr.12355

4- https://iep.utm.edu/milljs/

5- https://internationalbreastfeedingjournal.biomedcentral.com/articles/10.1186/s13006-019-0217-x

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/how-philosophy-can-help-mothers-avoid-judgment-guilt-and-shame-196975

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى