أقلام

الرعاية، الاحتضان، التبني

أمير الصالح

غرد مفكر عربي من أبناء الوطن ممن له ثقل فكري رفيع، ومنزلة ثقافية مرموقة، واحترام كبير في الوسط الوطني، غرد عبر تطبيق تويتر عن موضوع التبني وحث على تفعيله محليًا، أو هكذا فهمت مما قرأت من تغريدته. وغرد آخرون عن موضوع رعاية الأيتام معروفي النسب. وغرد آخرون حول موضوع احتضان الأيتام ومجهولي النسب في تغريدات أخرى دونما أي تمييز. والواقع المعاش في عالمنا اليوم، تتبنى معظم الجمعيات الخيرية في الوطن العربي مشاريع الرعاية للأطفال اليتامى. وشخصيًا كما الكثير من الناس أحلم بإطلاق مشروع دور رعاية للأيتام والعجزة في ذات الدور بمسقط رأسي، وأتطلع لتكاتف الجهود والتعاضد في هذا الصدد لإنجاح هذه الفكرة.

وبناء على التغريدات، لدينا مصطلح يتيم، ومصطلح غير معروف النسب، ومصطلح رعاية، ومصطلح احتضان، ومصطلح تبنٍّ. مع شديد الأسف التعليقات التي وردت على بعض التغريدات تداخلت فيها المفاهيم والإسقاطات بشكل شائك وكان لابد من التعليق على الموضوع ولو على عجالة.

نؤمن من حيث المبدأ ٱن كل تلكم الدعوات للتبني، أو الاحتضان، أو الرعاية انطلقت من قلوب مليئة بالحب والشفقة والحنان والرحمة على أطفال بني الوطن وبني الإنسان ممن لا يجدون حضن يرعاهم. وهذا هو أملنا في الجميع ممن غردوا وتفاعلوا بإيجابية. فشكرًا لهم جميعًا، ونطلب من الله أن يرزقهم بأحسن مما في نياتهم من الفلاح والنجاح، إلا أن لكل مفهوم من تلكم المفاهيم: الاحتضان – الرعاية – التبني دلالات وقراءات فكرية مختلفة، وأبعاد نفسية جمة على المستفيدين من تلكم الخدمات.

فمثلا مفهوم التبني- وهو المفهوم الأكثر جدلية في وسط الشعوب البلاد الإسلامية ومن أكثر المواضيع حضورًا في حياة بعض دول الغرب، وهو مفهوم يمتد إلى إعطاء اسم الأب والعائلة للطفل المجهول النسب أو اليتيم المُتبنى. بينما مفهوم الرعاية مقصور على إعطاء الرعاية والوفاء بالالتزامات الغذائية والصحية، والإيواء، والتعليم الأولي، وبعض الجوانب الاجتماعية، وكفاف النفقات المالية، والتعليم المهني لمن تم رعايته من قبل بعض المحسنين، من خلال الجمعيات الخيرية دون إلحاقه نسبًا بمن رعاه أو اغدق عليه من ماله، أو وقته أو طعامه، أو تعليمه. بينما يتجاوز مفهوم الاحتضان معنى مفهوم الرعاية إلى ما هو أكثر شمولًا، ويغطي جوانب الاحتضان العاطفي، والنفسي، والروحي، والتربوي، والسلوكي، والتعليمي إلى جانب المادي والإيواء والغذاء.

يتحدث عدة اختصاصيين في برنامج ” نفسيتي ” في عدة حلقات إذاعية تم بثها عبر تطبيق البودكاست عن أبعاد التخلي عن الإنسان المُتبنى من قبل من تبناه في مرحلة مقتبل شبابه، ويورد الاختصاصيون النفسيون استشهادًا بعدة دراسات أن التخلي عن الإنسان المُتبنى في بعض المراحل العمرية قد يحطمه من الداخل النفسي، ويلخبط كينونة هويته وثقته بنفسه وانتماءه، وقد يجعله شخصًا ناقمًا على المجتمع كله، وعلى الوطن. ويقول اختصاصيون نفسيون آخرون إن هناك معضلات كبيرة تنبثق من موضوع التبني لمجهولي النسب، ومنها الاستغلال الجسدي والعاطفي. وهناك حراك فكري في أبعاد توطين مفهوم التبني لمجهولي النسب، وقد يترتب عليها إعادة برمجة كاملة لبعض المفاهيم في موضوع إغفال محاسبة المفتعل الرئيس للازمة (الرجل والمرأة الزناة).

في بعض الدول تم تشريع التبني فيها بعد انتشار العلاقات غير الشرعية والإخفاق في تنظيم الأنساب بحجة حرية العلاقات وحرية الفرد المطلقة بجسده،أفرز قبولًا لمصطلح الأم العزباء single mother، وأفرز غض النظر عن معاقبة المتسبب في إيجاد اللقطاء، والإخلال بالبناء الأسري، وأفرز وجود دور بغاء منظمة وغير منطمة، وأفرز وجود استغلال شبه علني من قبل الإنسان لأخيه الآنسان. وفي المقابل هناك بعض المجتمعات التي استطاعت من تشريع الرعاية والاحتضان ومكافحة الزنا وسد باب الرذيلة وإغلاق أبواب العلاقات المحرمة المسببة لوجود لقطاء في ذات الوقت. وكان في التشريع القرآني العظيم والتشريع النبوي الشريف الشيء الكثير والكبير للحث على تحصين الشباب من الوقوع في الرذيلة، وسد باب تولد اللقطاء وضحايا العلاقات المحرمة. نعم يواجه الشباب تحديات اقتصاديه في تكوين أسرة، وهناك انفلات في بعض السلوكيات بسبب التاثر الثقافي، وسوء استخدام عالم النت، وتعدد تطبيقات عقد العلاقات الهابطة. ونعم هناك شروط تعجيزية باهظة تُفرض عند إقدام الشباب على الاقتران بزوجة مستقلة. نعم هناك عزوف من الفتيات عن الزواج بسبب الإعراض عن تحمل مسؤولية الالتزام نحو التربية والإنجاب والزوج تحت عنوان العيش بحرية. ولعل من الجميل أن يهدف أهل القلم والفكر والثقافة والوعي إلى توجيه بعض كتاباتهم لاقتراح حلول جذرية لتلكم التحديات. ومن الجميل أن نحمل نوايا حسنة نحو كل إنسان. ومن الأجمل أن نساهم في تعميق مفاهيم الحق والاستقامة في السلوك لننعم بالرحمة والبركة والسلامة.
إن وجود لقطاء ناتجين عن علاقات غير شرعية يعني فيما يعني إمكان وجود كارهين المجتمع وناقمين عليه، ويمكن ٱن يكونوا- لا سمح الله- ألد أعداء المجتمع الذي أنتجهم. وهناك مصطلح ” أبناء الشوارع” تعبيرًا عن سوء الأخلاق ونكران المعروف وجحد الجميل.ك، والمصطلح ذاته يستخدم ويُطلق في بعض الدول على اللقطاء.

وبالرجوع إلى مفهوم الاحتضان فإن في بعض الدول العالمية مثل بريطانيا وكندا تم إطلاق دور رعاية تضم كبار السن والأيتام. وهذه التجربة الرائدة حظت باهتمام عالمي لدى التربويين وعلماء الاجتماع وأهل الإحسان في العالم. وفي جمهورية مصر العربية الحبيبة تم إطلاق مشروع ” قرية الأطفال” لتغطي جوانب الرعاية والاحتضان لمن هم بحاجة لذلك من الأيتام الأطفال والعجائز دون التبني لأي منهم.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اعتقد ان الاحتضان هو حق من حقوق الانسان و لا يساعد على انتشار الرذيلة، لان المجتمع سيتعاطف مع هذا الطفل، مما سيشكل درع واقي لتجنب الوقوع في براثن المحرمات و التسبب في حرمان اطفال لا ذنب لهم من حضن الوالدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى