بشائر المجتمع

الهلال يحرّض على السؤال وينفي (القلق) ويبرّر (الخطيئة)

رباب النمر، منال الخليفة: الأحساء

يندر أن تجد مثقفًا نخبويًّا من مجتمعنا يؤمن بالتواصل مع جميع شرائح المجتمع، وأندر من ذلك أن تجد نخبويا يطبّق ذلك التواصل فعليا، وذاك هو الكاتب الأستاذ أحمد الهلال، الذي استضافه ملتقى آراء وأصداء وفي فعالية فكرية مهمة تكشف عن جوانب من حياتنا الثقافية والفكرية، في أمسية كان عنوانها: (السؤال والخطيئة والمعنى) حاوره فيها الأستاذ الأكاديمي الدكتور يونس البدر مقلبًا أطراف الحديث فيما يتصل بكتاب الهلال “خطيئة السؤال”
وما تضمنه من أفكار حول أسباب (القلق) من المعرفة، وهل الدين جزء من هذا القلق؟ و كيف نشكك بطريقة صحيحة؟ و هل الصحيح أن تتنوع الإجابات والمعاني جرّاء سؤال واحد؟!

وفي بداية الأمسية أشاد مدير الملتقى الكاتب زكريا العباّد بالدكتور يونس البدر لقبوله إدارة هذا الحوار عبر أمسية تحتفي ب(السؤال)، مشددا على ضرورة كسر العرف الثقافي الذي يرى أن مدير الحوار أقلُّ أهمية من الضيف، في حين أنه صانع الأسئلة، وكثيرا ما تكون صناعة الأسئلة أكثر خطورة من الإجابات نفسها.

ومن جهته قدّر البدر لملتقى آراء وأصداء “هذا الحراك الثقافي الكبير الذي يقومون به والندوات الثرية التي يبتكرونها والضيوف المتميزين والمتألقين الذين يقدمونهم”

ولفت الدكتور البدر إلى إنجازات وعطاءات ضيفه الذي تنوعت وتعددت روافده فأوصلته إلى قبول التعدد، وذكر جوانب مهمة من مسيرته:
” فهو كاتبٌ ومؤلفٌ يُعَرِّفُ بشخصيته وثقافته كتابُه الذي نحن بصدد الحوار حوله “خطيئة السؤال”،
وهو من مواليد عام 1396 هـ / 1976 م، في مدينة الخفجي، ويقيم حاليًا في المملكة العربية السعودية / مدينة الأحساء
كاتب مقال أسبوعي في صفحة الرأي بجريدة اليوم السعودية من 2014 م إلى 2017 م.
كتب مقالًا أسبوعيًا في الملحق الثقافي لصحيفة أخبار الخليج البحرينية لمدة عام.
نشر العديد من المقالات في صحيفة الرأي الكويتية
كتب في الصفحة الأخيرة في مجلة الدوحة القطرية
نشر وكتب الكثير من المواد الثقافية في صحيفة الجزيرة السعودية ( المجلة الثقافية)
نشر وكتب في العديد من الدوريات والصحف السعودية.
وشارك في ورقة بعنوان “الفعل المؤسساتي لدى المثقف السعودي” في الأيام الثقافية العمانية السعودية في صالون فاطمة العليان في سلطة عمان.

وعرّف الدكتور البدر بكتاب ضيفه (خطيئة السؤال) مبينا أنه ” يقع في 370 صفحة ويضم بين دفتيه حوالى خمسة وثمانين مقالًا فكريًّا بين ما هو ديني ووطني وثقافي واجتماعي وأخلاقي، إلا أن الثيمة التي تجمع بين هذه الكوكبة من المقالات هو سطوة السؤال وهيمنته على مجمل الفكرة.. فلا تكاد تجد مقالًا الا وهو يبدأ بسؤال أو ينتهي بسؤال، ولا تجد بين السؤال والسؤال إلا بحثًا عن المعنى في وسط قلق معرفي عميق ”
ويضيف:
” ونحن بصدد طرح هذا الموضوع نفكر في وضعنا الآني ونحن على مفترق الطرق و حاجتنا الماسة إلى انفتاح فكري يوازي ما نعيشه من انفتاح اجتماعي وفني واقتصادي وتحليق في فضاءات العولمة والحداثة.. إننا اليوم بأمس الحاجة لبلورة الموضوعات الرئيسة التي توصلنا إلى باحة الفكر الشاسعة ولن يكون ذلك متاحا إلا بتعزيز ثقافة السؤال واختبار جرأته وصراحته وضمان انفتاحه وحرّيته”

ودارت رحى الحوار حول أربعة محاور: حول الأستاذ أحمد الهلال وتجربته، السؤال ومتاهاته، القلق المعرفي وتحدياته.وحول المعنى وتجلياته.
وانطلق الحوار ليسبر أغوار المحاور مبتدئًا بتجربة الهلال في التأليف والظهور الإعلامي في اليوتيوب وعلاقته بالكتاب ومعارض الكتب محليا ودوليا.

بين الكويت والأحساء والقاهرة!
ولدت في مدينة الخفجي وعشت فيها مراحل الشباب الأولى حتى ما بعد المراحل الدراسية، وانتقلت للسكن في الأحساء المدينة التي تنتمي إليها عائلتي في عام 2006م. تجربتي الصحافية الأولى كانت في الكويت مع مجلة العصر الكويتية عام 2004م حيث عملت مراسلا للمجلة حتى عام 2008م وهي من التجارب التي أعتز بها كثيرا، وفي الوقت. نفسه الذي عملت فيه في مجلة العصر عملت كذلك مراسلا في الصحافة السعودية للجريدة الاقتصادية لكنها لم تستمر أكثر من سنة تقريبا. بعد ذلك تنقلت في صحف عديدة كاتبا ومراسلا من جريدة اليوم ، والجزيرة الثقافية والمجلة العربية إلى العديد من الصحف السعودية والخليجية، أذكر على سبيل المثال أخبار الخليج البحرينية، ومجلة الدوحة القطرية، ومجلة العربي الكويتية، أما بخصوص مؤلفاتي لدي كتاب خطيئة السؤال وكتاب لست من هذه الطائفة.
أما بخصوص الظهور الإعلامي عبر قناتي على اليوتيوب “مسافة كلمة” أعتقد بعد أن فقدت الصحافة الورقية حضورها ووهجها السابق، جعلني أختار المقال المرئي عبر الحديث في القناة لأنه الأكثر وصولًا اليوم.

أما بخصوص علاقتي بمعارض الكتاب فأعتقد هي علاقة أي قارئ شغوف بالكتاب، زرت معارض كتب عربية كثيرة ولكني أظن أن معرض القاهرة الدولي للكتاب هو رقم واحد بين المعارض لهذا أنا حريص سنويا على زيارته.

ما السؤال الذي يمثل هاجسًا بالنسبة إليك؟
هل هو من قبيل أسئلة أفلاطون في محاوراته؟ أم أسئلة المقدم في برنامج حوار تلفزيوني؟ أم أسئلة المرء لنفسه في حديثه بينه وبين نفسه؟

طبعا الأسئلة لا تنتهي، ومع زيادة القراءة وتكثيفها تتولد أسئلة كثيرة، ولكن السؤال الذي اكتشفته مع الوقت هو السؤال الظرفي والإجابة الظرفية، وبأنك أحيانًا تحتاج إلى تنحية الأسئلة العميقة التي تبدو أقرب إلى المثالية جانبًا، لأن الظرف لا يسمح بالإجابة عنها، لهذا تبدأ بالسؤال: في هذا الظرف ما الذي نحتاج إليه؟ وقد تكون إجابة هذه الأسئلة لا تلبي طموحاتنا العالية، ولكن الظرف يجبرنا على مثل هذا السؤال وهذه الإجابة، لأني على قناعة أن التطور الاجتماعي والثقافي في المجتمعات لا يسير بصورة متوازية مع عمق الفكرة وإلى أي درجة هي مثالية، بمعنى آخر نحن بحاجة أن نتنازل عن مثالياتنا أو نقلل من سقف الفكرة والأنموذج المقدم لأن الحل الموضوعي في غالب الأحيان يكمن في النزول من برج الفكرة العالي.

أنواع الشك: كيف تسأل؟

أنت ترى أن للسؤال ثقافة؟ وللسؤال فوضى، متى يكون السؤال فوضى ومتى يكون ثقافة؟ متى يكون خطيئة ومتى يكون حسنة؟

ليس المهم أن تسأل ولكن كيف تسأل؟ والسؤال الذي أعنيه هو الشك، وتحديدًا الشك الممنهج الذي اشتغل عليه الفلاسفة والمفكرون عبر العصور، ودون هذا يكون السؤال أقرب إلى العمل الفوضوي وإن أحسنا الظن نقول غير الجاد، أو يكون سؤالا تقليديا انطباعيا، لهذا دائما يعتبر السؤال الذي يحمل إجابة ممنهجة خطيئة وخطرا يهدد القراءة الكلاسيكية للتراث.

كتبت مقالًا بعنوان فوضى السؤال بسبب أني وجدت الكثير من الذين أعرفهم أو بعض الشباب لديه أسئلة مطلقة دون أن يكون جادًا بالبحث عن أجوبة لها، وبعض أسئلته مناكفة مع من يختلف معهم. وكما يعبر محمد العلي الشك المطلق شلل في الفكر والإرادة، أما الشك الممنهج هو الذي يحمل شعلة التنوير والحضارة، وهذا ما جعلني أطرح عنوان فوضى السؤال حيث وجدت الكثير لا يفرق بين الشك المطلق والشك الممنهج.

أيهما تفضل السؤال الصريح الواضح الذي يزعزع اليقينيات؟ أم السؤال المسالم الذي يسير مع التيار ويحمل إجابته في نفسه؟

أولا السؤال فريضة، هو و العلم صنوان لا يفترقان كما يقول الإمام علي عليه السلام: مفتاح العلم السؤال وهناك حديث صحيح يقول ” إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون” هذه إجابة لسؤال لمن يرغب بإجابة كلاسيكية مأخوذة من التراث ومن النص الديني، ومن لا يرغب بإجابة مرجعيتها دينيه أدعوه لمراجعة الخارطة الحضارية والفكرية والدينية منذ وجد الإنسان على هذه الأرض، نجد التعدد في المعتقدات سواء كانت دينية أم وضعية بصورة قد لا نصل إلى مداها، أو نحتاج إلى وقت طويل حتى نحصي المعتقدات والأفكار التي مرت في حياة الإنسان، معنى ذلك أن تعدد الأسئلة والإجابات واقع عاشه الإنسان، وأظن أن لجميع هذه المعتقدات يقينياتها، إضافة أني لا أظن أن الإنسان يسأل لكي يهدم اليقينيات، الإنسان يسأل باحثًا عن الحقيقة واليقين.

سيبقى السؤال مفتوحا.. وطالما أنه مصدر للقلق، هل سيبقى السؤال حبيسًا دائما داخل نفس السائل؟؟

السؤال سوف يبقى مفتوحًا حتى لو أنا وأنت تحفظنا عليه فغيرنا سوف يطرح أسئلته.

– في تراثنا العربي والإسلامي هل صنعنا حضارة عظمى من السؤال ومن الحاجة لإجابات فلسفية؟ ما رأيك في المعتزلة مثلا وتساؤلاتهم؟

ينسب للإمام عليٍّ – عليه السَّلام – مقولة: «مفتاح العلم السُّؤال»، وإذا نظرنا إلى هذه المقولة نرى أنَّ العلم مقرون بالسُّؤال، فالعلم له باب ومفتاحه السُّؤال. ولكنْ أيُّ سؤال؟ لكلِّ سؤال فلسفة أو حكمة منه أو فيه، لأنَّ السُّؤال الَّذي لا يحمل حكمة أو فلسفة فهو نبتة ميتة ليس فيها حياة، وهذا السُّؤال لا يفتح للعلم بابًا، وقد لا يكون السُّؤال المعني في مقولة الإمام عليٍّ – عليه السَّلام – ولأنَّ من فلسفة السُّؤال الشَّكَّ، وهنا يتولَّد سؤال هل الشَّكُّ لمجرَّد الشَّكِّ؟ أي هل علينا أن نفتح سؤال الشَّكِّ على مصراعيه؟ كما يذهب بعضنا منعًا للتَّضييق على السُّؤال، هنا نجد محمَّد العلي يضع معنيين للشَّكِّ، شكٌّ مطلق، وشكٌّ ممنهج يقول: «الشَّكُّ المطلق شلل في الفكر وفي الإرادة، أمَّا الشَّكُّ المنهجيُّ فهو الَّذي لا غنى عنه في كلِّ مجال من مجالات المعرفة الإنسانيَّة» وبعد هذا التَّفريق للعلي بين أنواع الشَّكِّ نجده في فقرة أخرى من مقاله يؤرِّخ لبداية الشَّكِّ المنهجيِّ في القرن الخامس قبل الميلاديِّ حيث يقول: «بدأ الشَّكُّ المنهجيُّ عند الفلاسفة السَّفسطائيِّين أي منذ القرن الخامس قبل الميلاد، واستخدمه بعض المفكِّرين الإسلاميِّين في عصور ازدهار الحضارة العربيَّة والإسلاميَّة إلى أن جاء ديكارت فأشرع أمامه كلَّ الأبواب». مع ذلك كانت الحضارة الإسلامية في ذلك الزمن واعية لفلسفة السؤال، ومنهم المعتزلة.

ترى أن القلق المعرفي مرض يعاني منه البعض. في حين يراه البعض وسيلة لاحتكار الحقيقة، متى يكون القلق المعرفي مرضًا برأيك؟

باختصار شديد المعرفة يجب أن تكون عنصر التقاء وتقارب بيني وبينك مهما كان اختلافنا في تأويلها، حينها تكون المعرفة قوَّة. دون ذلك سترانا نستخدم معول الحرب ظنًّا منَّا أنَّنا نحمي المعرفة، لذا ترى بعضنا ممَّن امتهن الثَّقافة لا يتوانى في تعبئة جميع مفردات الحرب، الَّتي لا تمتُّ لمفردات المعرفة الحقيقيَّة بأيِّ صلةٍ، ويخوض حربه على كافَّة الجبهات، وليس له هدف غير أن يسقط خصمه، إنَّها المعرفة الَّتي لا تتَّسع إلَّا له هو، إنَّه السِّجال العقيم، بل هو مكمن الخطر الحقيقيِّ على القيمة الحقيقيَّة للمعرفة، لأنَّه يدع التَّنافس في ميدان الفكر والبحث عن المعرفة إلى ميدان وَأْدِ المعرفة في المهد من خلال إسقاط محورها المتمثِّل في الإنسان، هل عقل صاحبنا حجم فعلته هذه؟ إنَّه الهدر كما سمَّاه الدُّكتور مصطفى حجازي، هدر الإنسان للإنسان.

لا شك أن السؤال يواجه رفضا دينيا واجتماعيا، ولا شك أيضا أن القلق المعرفي سبب رئيس لمثل هذا الخوف والرفض، هل ترى أن هناك أفق لخلق جو من التوافق بين السؤال والقلق من المعرفة وعليها؟

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً.

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.
أظن هذه الآيات التي ذكرتها في الأعلى ترشدنا إلى أن لا نقلق من المعرفة ونحن نستمع أو نقرأ هذه الآيات ربما يوميا، وبالتالي يجب أن لا يكون المسلم قلقًا من المعرفة، إذا كانت هذه الآيات لم تجعلنا متصالحين مع المعرفة، لا يوجد حينها غير النظام والقانون.

تحدثنا قبل قليل عن خطورة السؤال عندما يكون زعزعة لليقينيات. فيما تعلم هل هناك مشروع فكري يمكن الحديث عنه حاول معالجة الموروث بطريقة لا تثير الجدل ولا تهدم اليقينيات؟

هناك عناوين مثل الوسطية والتوفيقية اللذين من ضمن من طرحوها المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري في كتابه الفكر العربي وصراع الاضداد، ولكن هذه المصطلحات لم تعالج هذا الذي طرحته في سؤالك لأنها كانت دعوات أقرب إلى المثالية، أنا إلى حد ما لست ميالًا كثيرًا للمشاريع الفكرية في وضع الحلول دون أن تكون هذه المشاريع لها بعد اجتماعي، يجب أن يكون للمشروع الفكري بعد اجتماعي يشارك فيه أفراد المجتمع وبالتالي يكون تثقيفا اجتماعيا، دون ذلك في ظني سيكون المشروع محصورا في نطاق النخبة، أي البرج العاجي بعيدا عن المجتمع.

-فهمت من مقالك “فوبيا السؤال” أن الجرأة في طرح السؤال هي الحل لمواجهة هذا القلق وأننا لكي نكون في سباق مع التاريخ فالأمر مرتبط باتساع مساحة السؤال، هل هذا الفهم صحيح؟ ألا ترى أن هناك حلول أخرى مباشرة وصريحة؟

أولا لا أعلم ماذا تقصد بالحلول المباشرة والصريحة، ولكن إن كانت هناك ثمة حلول صريحة ومباشرة تنافس مفتاح العلم كما عبر عن السؤال الإمام علي عليه السلام، لا أظن أن هناك عاقلا يمانع إن وجد الحل.

كتجربة حية في محيطنا نجد بعض الفلاسفة والمفكرين الذين قد عاشوا حالة من القلق المعرفي وقد أدت لبعضهم أن يعيشوا عزلة اجتماعية تامة. المفكر محمد العلي والدكتور عبد الهادي الفضلي بصفتهما أنموذجا للمفكر التنويري الذي عاشا ربما غربة اجتماعية ونظرا لحضورهما في ثنايا مقالاتك في الكتاب، هل يمكن أن نناقش معك هذا الموضوع لتتحدث عن تجربتك الفكرية معهما؟

من حسن حظي أني أجريت أجمل حواراتي الصحافية مع الدكتور عبد الهادي الفضلي ومحمد العلي، حوار الدكتور الفضلي كان لمجلة العصر وحوار العلي كان لصحيفة الجزيرة، وأظن أن هناك قاسما مشتركا مهما يجمع الاثنين، فكلاهما ليس لديه قلق من المعرفة بتاتا، ففي عام 2005م زرت الدكتور الفضلي لتنسيق للحوار معه في مجلة العصر، وكنا نجلس في مكتبته الخاصة، وبعد أن قال لي أنه يقرأ لمحمد عابد الجابري ومحمد أركون الذي امتدح منهجيته في التأليف.
أذكر أننا عرجنا في الحديث عن نصر حامد أبو زيد، حينها وجدته يعارض الإجراءات التي اتخذت في حقه من قبل المؤسسة الدينية في مصر من تكفيره وفصله من الجامعة وتطليقه من زوجته، قائلًا لي هذا غير مبرر ولم يكن له داعٍ، فالفكر يقابل بالفكر، نصر حامد أبو زيد قال فكرته في مقابل فكرتنا، فلماذا كل هذه القسوة عليه؟ فنحن لسنا ضعفاء إلى هذه الدرجة.
برغم أنه لم يظهر أي اتفاق مع فكرة نصر حامد أبو زيد، ولكنه رأى أن من حقه أن يتبنى الفكرة التي يشاء حتى لو اختلف معه.
والكلام عينه ينطبق على محمد العلي فكثير ما سمعته يمتدح فكر الشهيد محمد باقر الصدر وغيره من المفكرين الإسلاميين، بل يستشهد بهم في مقالاته مثنيا على أفكارهم، دون أن يجد في ذلك تناقضًا معه كمفكر حداثي ليبرالي أو يتحسس من أية فكرة إسلامية يراها ناهضه، أو يتخذ منهم موقفا لأنهم ليسوا حداثيين، لأنه يبحث عن الحكمة أيا كان قائلها.

لكل سؤال أكثر من إجابة – برأيك هل يجب أن يكون لكل سؤال إجابة؟ ولكل كلام معنى؟

قد يكون لكل سؤال أكثر من إجابة، وبالتالي الكلام يجب أن يكون له معنى وإن لم نجد المعنى نذهب إلى التأويل الذي هو الوجه الآخر للمعنى أو المعنى بصوره المختلفة.

في مقالك “سجن المعنى” ترى أن العرب احتكروا الحقيقة بتطرف وتزمت وتحجر، خوفًا من تأويلها وتفسيرها.. هل لك أن تذكر بعض صور رهاب التأويل وحالة التخلف التي نعيشها؟؟

أعتقد أن الأمثلة أكثر من أن تحصى: نصر حامد أبوزيد، محمد حسين فضل الله، وإذا أردت أن تقرأ عن هذا بإسهاب اقرأ كتاب الانسان المهدور لمصطفى حجازي. نحن لدينا حالة هدر للمعرفة والإنسان محمد العلي -على سبيل المثال- لأن لديه آراء لا تتفق معنا نلغيه بالكامل.

مصدر الأفكار الدوغمائية.  في مقالك “الذهنية” تحدثت عن الدوغمائية كعائق رئيس للمعرفة، برأيك ما هو مصدر الأفكار الدوغمائية؟ هل هي الدين أم العرف أم المجتمع أم السياسة؟ هل لك أن تفصل في هذه القضية الحرجة؟

لا أعتقد أن هناك إنسانًا ليس لديه مسلمات أوشيء من الدوغمائية، فالإنسان لا يمكن أن يعيش هكذا يسبح في الهواء دون مسلمات. ولكن المشكلة حينما تكون الأصل في شخصيته هي الدوغمائية وإلغاء الآخر، الدين في رأيي بريء من كل هذا التعصب والدوغمائية فالنزعة الإنسانية واحترام الإنسان والتعدد حقيقة اعترف بها الإسلام، واعتقد في الآيات التي ذكرتها في إجابتي السابقة تبيان لذلك.

لا شك أن فوضى الأسئلة التي تظهر هنا وهناك سبب في ضياع بعض الشباب وتشتت أفكارهم وعجزهم عن الوصول إلى “رأي” أو “منهج” أو “يقين”، وقد تحدثت في مقالك عن ضرورة القيام بعملية شاملة لصناعة الرأي، هل يمكن أن نجد مثل هذه العملية في حراكنا الفكري؟ أم أن حراكنا مجرد جعجعة دون طحين؟

أظن الأزمة هي أخلاقية أكثر منها فكرية، بمعنى آخر: إن تعدد الأفكار موجود قديمًا قبل الميلاد، ولكن المشكلة في إدارة هذا الاختلاف والتنوع.
وبالتالي السؤال عن الحل هو أصعب شيء، وأسهل شيء في الوقت نفسه، لماذا؟
لأن الصعوبة تكمن بأن هناك تعقيدات ثقافية ونفسية وإيدلوجية ولدت حالة من عدم الثقة، وربما انسداد الأفق.
وأسهل شيء لأننا نستطيع ربما أن نُنَظِّر (من النظرية) لذلك بكل سهولة، ولكن أن يجد أثره في سلوكنا وخطابنا هنا تكمن المشكلة في نظري، فعلى سبيل المثال إذا استطعنا أن نعيد تقديم مصطلحي الحوار والتعارف على أنهما يعنيان الشراكة مع الآخر، أي تفعيل القاسم المشترك، أظن حينها نستطيع إيجاد بيئة صحية لحراكنا الفكري.
————————————

* جدير بالذكر أن الدكتور يونس حبيب البدر .حاصل على درجة الدكتوراة في النقد والأدب من كلية الآداب بجامعة الملك فيصل بالأحساء، ومهتم بجماليات السرد والسينما.

* وأمّا الضيف أحمد الهلال فمن الجدير بالذكر أنه شارك في عدد من الندوات الفكرية و منها ندوة بعنوان “هوية المثقف ” وأخرى لتدشين كتابه “لست من هذه الطائفة” بمركز عبدالرحمن كانو الثقافي بالبحرين.

كما شارك بندوة المثقف الوطني ومعالجة الاختلاف في منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف، وندوة الخطاب الثقافي ونمو الجهل بديوانية آل هويدي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى