أقلام

هل الضربة التي لا تقتلك تقويك؟ كيف، ومتى، ولماذا؟ (8)

البرفسور رضي حسن المبيوق

مراجعة عدنان أحمد الحاجي

نواصل بحثنا عن عوامل النمو التالي للصدمة ونضيف للمفهومين اللذين قدمناهما، الإجترار المتداول وصناعة المعنى، في المقال السابق عاملًاآخر يتعلق بموضوع مركز التحكم في تصرفات وسلوكيات الشخص. وسنحاول الإجابة عن السؤال التالي: هل مركز التحكم في التفكير والعواطف وما ينتج عنهما من سلوك نابع من داخل الإنسان (مركز التحكم الداخلي Internal Locus of Control) اومركز التحكم خارجي (External Locus of Control) وهو مرهون بالمحيط الخارجي للإنسان.وسنتعرض لأهمية نظرية التحكم من وجهة نظر علم النفس وسنستخدمها كخلفية لفهم هذا العامل في عملية النمو التالي للصدمة.

نظرية مركز التحكم

نظرية مركز التحكم وضعها جوليان روتر Julian Rotterفي خمسينيات القرن الماضي (انظر 1) وتركز علىتصورات وتفسيرات الإنسان لمسببات الأحداث التيتحصل له ومن حوله. وكان هدف روتور من إختيارمصطلح “مركز التحكم” هو تجسير العلاقة بين علم النفس السلوكي وعلم النفس الإدراكي واللذان كانا متابيين لفترة طويلة.  الجانب السلوكي في النظرية هوأن السلوك مرهون بما يعقبه من ثواب / مكافأة  (اوعقاب)، وأما الجانب الإدراكي من  النظرية هو أنالشروط الحاكمة للثواب والعقاب تؤدي الى تكوّن نظرةاواعتقاد بشأن مسببات السلوك والتصرفات. وهذهالتصورات والمعتقدات هي التي تتحكم في الاتجاهاتوالمواقف التي يتبناها الشخص. ووجهة النظر هذهتتطابق مع نظرة عالم النفس الشهير فيليب زيمباردو Zimbardo  (انظر 2 الذي أوضح معنى ونوعي مركزالتحكم الذي وضعه في الأساس جوليان روتر في 1966.يقول زيمباردو بأن مركز التحكم يتعلق بإعتقاد الشخصفيما لو كان هناك ارتباط بين نتائج السلوك والتصرفاتوبين أشياء نحن نعملها او في دائرة تحكمنا (التحكمالداخلي) او ناتجة عن أشياء خارجة عن دائرة تحكمنا(التحكم الخارجي). 

الجدير بالذكر ان نظرية التحكم تُعرّف أيضًابمصطلحات أخرى: الإرادة الذاتية، والتحكم الذاتي،والقوة / السلطة  Self-agency الذاتية.

ماذا يعني التحكم الداخلي والتحكم الخارجي؟

بحسب النظرية، مركز التحكم هو طيف ممتد بين قطبيالتحكم الداخلي والتحكم الخارجي وكل له مواصفاته. الشخص الذى ترجح لديه كفة التحكم الداخلي بالسلوكيعتقد بأن محاولاته وقراراته الشخصية هي التي توجهسلوكه، بينما الشخص الذي يؤثر فيه التحكم الخارجي،كالقدر والحظ والظروف الخارجية الأخرى، يعتقد بأنسلوكه هو الذي يوجهه ويتحكم فيه.  وبناءً على هذاالتوصيف، تكوّن الصحة النفسية أعلى وأفضل لدىالشخص الذي يشعر بقدرته على التحكم في أشياءباستطاعته التأثير فيها وتوجيهها كيف يشاء.  فكلماتحلى الإنسان بالقدرة على التحكم الذاتي كلما كاناكثر قدرة على مواجهة تحديات ومصاعب وصدماتالحياة.  

مركز التحكم وعلاقته بالنمو التالي للصدمة

بعد ان تعرفنا على خلفية مصطلح ونظرية مركز التحكماو التحكم الذاتي، دعنا نتحدث عن علاقته بالنمو التاليللصدمة، وبالتحديد عن طبيعة التحكم المسبب للنمو بعدالصدمة. الإرتباط بين مركز التحكم والنمو التالي للصدمةوثيق جدا ويحدد طبيعة التحكم (داخلي او خارجي) ومدى قوة تأثيره التي يعتقد بها الشخص المصاب حتى يوظفها في مواجهة التحديات والصدمات قبل ان يقعفريسة للظروف. بكلمة أخرى، التحكم هو قرار إمّابالإقدام (تحكم داخلي) او بالاحجام (تحكم خارجي).

طبعًا، قدرة التحكم تخضع لمعادلة لا إفراط ولا تفريط، أي القدرة المعقولة وغير المبالغ فيها. أمّا من يعتقد بأن ليسله قدرة على التأثير في مجرى الأحداث ونتائجها، فهو بالفعل يستخف بقدرته الحقيقية على تخطي الجوانبالسلبية للصدمة ويخفق في اكتشاف مخزونقدراته النفسية الكامنة. 

 

بما أن عوامل النمو لا تفسر بمفردها عملية النمو التاليللصدمة المعقدة، لا بد لنا من النظر الى التشابك والترابطبين العوامل والتي تؤدي مجتمعة الى التحول من حالةالضحية الى حالة الانتصار والغلبة. وسنتحدث في المقالالقادم إن شاء الله عن النجاعة الذاتية كعامل آخر للنمو التالي للصدمة. 

هوامش

1. . Rotter, J. (1966). Generalized expectancies for internal versus external control of reinforcements. Psychological Monographs, 80, 1-28.
2. Zimbardo, P. (1985). Psychology and life. New York, NY: Allyn & Bacon.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى