أقلام

لذة الوعي أم اللذات

د. علي القضيب

الكثير من العبادات والادعية لها مردودات وانعكاسات على كثير من المستوى وتطال ابعاد مختلفة في حياتنا. ونحن على مشارف شهر رمضان الفضيل المليء بالبرامج المفيدة والقربات الي الله، السؤال الذي يطرح نفسه ترى كم ستبقى وتستمر هذه الجرعة الروحية في نفوسنا وما مدى تفعيلها وفعاليتها في حياتنا؟

جميع الاعمال العبادية لها بعدين: بعد أو رافد أخروي وبعد دنيوي، أكاد اشبهها كمن يمتلك حسابين في البنك أحدها حساب توفير والآخر حساب جاري.

السؤال هنا يبقي كيف ابعد حسابي الجاري عن الركود (وهذا ما اسميناه بالبعد الدنيوي) أي كيف استفيد من انعكاسات هذه الطاقة الروحية في حياتي لأطول مدة ممكنة؟

الجواب هو ان نسجل تجاربنا بقلم الحبر في ذاكرتنا وليس بقلم الرصاص، ولكن كيف؟

ببساطة هو ان نعيش التجربة والحدث بتركيز مصحوبة بمشاعر واحاسيس ومتعة وهكذا يكون المداد حبراً و لعلي هنا استجلي هذا بالمثالين التاليين:

هل شاهدتم اشخاص يتابعون مبارة كرة قدم وكم من التركيز والاحاسيس والمشاعر والمتعة تصهر نفوسهم وهم يشاهدون المبارة. هذه التجربة حتما ستبقى قوية، و حاضرة في ذاكرتهم حتى بعد انتهاء المبارة.

هل سألت نفسك لماذا نتذكر دوما ماضينا الجميل لاسيما مرحلة الطفولة، لأنه هناك مشاعر واحاسيس ومتعة قد صاحبت التجربة لذا فذكرياتنا باقة حية على الرغم من مرور الزمن عليها.

ولكن الأهم من هذا وهو بيت القصيد هو اننا ونحن صغاراً لم نكن فقط نمارس العمل بمشاعر واحاسيس ومتعة لا، بل وكنا لا نعرف شيء اسمه الماضي او المستقبل حينها، لذا كنا نعيش اللحظة الحالية بكل تجلياتها.

لذا وجب علينا ونحن نمارس أي عمل نحتاج أن نعيش اللحظة الحالية الآنية ونحن في خضم العمل على انها أهم وأجمل لحضه في حياتنا وذلك من خلال الوعي اللحظي الذي يصطحب اللذة معه ومن هنا جاء عنوان هذا المقال ” لذة الوعي ام وعي اللذة ”

الباري سبحانه يقول ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ” [الرعد:11]،

وتغير النفس يبدأ بتغير نمط الحياة وهذا لا يتم الا بتغير او تحفيز نمط التفكير لدينا، عندها يتولد الوعي الذي يقودنا الى الوصول الى روح الأشياء وهي المتعة والبهجة والسعادة.

وهذا يتطلب ترويض النفس لتقليص التشوهات والضوضاء التي تلف النفس واحدة منها عدم النظر والتردد الى الماضي وعدم الهرولة نحو المستقبل عن طريق الاستغراق واستشعار لذة الوعي الآنية، ولكي أقرب لك المعنى:

تخيل نفسك على ارجوحة، الطرف الأيمن هو الماضي والطرف الايسر هو المستقبل والدعامة التي بين الطرفين وتحمل الارجوحة نفسها هو الحاضر – وانت تتأرجح ما بين الماضي والمستقبل يأتي الثقل على الدعامة وهو الحاضر وقد تنكسر الارجوحة بسبب هذا التردد بين الماضي والحاضر، ولكن لو كان الثقل كله مرتكزا و مركزا على الدعامة نفسها (و التي هي الحاضر) لكان الضرر اقل و تأثير الثقل أخف بكثير.

نحتاج ان نتحرر من هذا المشاغب العقل اللاواعي الذي يأخذك يمنة للماضي ويسرى للمستقبل مستنفذا طاقتك وانت تعيش الحاضر.

حوالي ٨٥ ٪ من نشاطاتنا مستحكم من قبل العقل اللاوعي حيث نمارس اعمالنا كما لوكنا مُبَرمَجِين عليها وبالتالي لا يوجد هناك اجهاد فالعقل الواعي مغيب.

وعلى فكرة نشاطاتنا وتجاربنا في الصغر كانت قد كتبت على صفحات بيضاء خالية اما تجاربنا في ايام الكبر فقد كتبت على صحائفنا المليء وبالتالي قد لا يوجد لها مكان أصلا، لذا نحتاج ان نخلي صحائفنا ونمسح الكثير ممن يعرقل صفو حياتنا.

ما السبيل؟

هو ان نزرع المتعة والاحاسيس والمشاعر في كل عمل نقوم به، أي أن نعيش السعادة من خلال اللحظة الحالية، وهذا يعني ان نكون أكثر حضورا، متحمسين ومتحسسين للمشاعر التي تحيط بنا منغمسين في هذه اللذة من خلال الوعي المتقد غير مكترثين بماض او مستقبل لأن أنفسنا نفسها ستكون ماضيٍ يوما ما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى