أقلام

آداب التخاطب والتعامل

السيد فاضل آل درويش

ورد عن الإمام الباقر (ع): الناس رجلان، مؤمن وجاهل، فلا تؤذ المؤمن، ولا تجهل الجاهل فتكون مثله) (بحار الأنوار ج ٧١ ص ١٥٨) .
هناك حدود وأحكام تتعلق بتنظيم علاقات المرء وتهدف لسعادته في الدنيا والآخرة وتحقق له الصحة النفسية والروحية، سواء كانت تلك المتعلقة بعلاقته بربه التي نسميها بالعبادات بالمفهوم الخاص وهي فروع الدين كالصلاة و الصوم والحج وغيرها، كما أن المعاملات المالية وحدودها وشرائطها تنتظم في قانون التعاملات الإسلامية، ومن جهة أخرى فإن علاقته بالآخرين وطريقة التعامل والتخاطب معهم لا تخضع للأهواء النفسية والمزاجية، بل تحمل البصمة الحضارية المشرقة التي تقوم على علاقة الفرد بالآخرين وفق مبدأ تبادل الاحترام ونظافة القلب من المشاعر السلبية لأي سبب كان، فتركز نظر وجهد المرء على المحافظة على نفسه من تسلل الكراهية بسبب سوء الفهم أو الاحتكاك أو النظر للآخر في لحظات الانفعال، والوقوع تحت نير الضغوط النفسية الناجمة من الواجبات والانشغالات الحياتية، فالآخرون ليسوا بدمى نحركهم وفق مزاجيتنا وإرهاقنا فنوجه لهم من الكلام ما لا يستحقون ومن المواقف التهورية الدالة على فقدانهم أدنى تقدير منا، فالتعامل وفق المباديء الأخلاقية يضمن للفرد سلامته النفسية بالتخلص من الإرهاق النفسي والتوتر الانفعالي بسبب الحدة في التعامل، فإن التعامل الحسن يجنبنا بؤر الاضطراب وبذلك يمكننا تركيز جهودنا واغتنام أوقاتنا لتحقيق أهدافنا وغاياتنا، فأعمارنا ليست بالطويلة أو بخسة الثمن لنضيعها في مهاترات الخصومات والتراشقات الكلامية وتحقيق الانتصارات الوهمية بآلة اللسان السليط، كما أن السلم والاستقرار المجتمعي يتحقق بالحفاظ على حقوق الآخرين بعيدًا عن أي شكل من أشكال التطاول والعدوان، ولهذا نرى الرسول الأكرم (ص) يلخص بعثته وأهدافها بإتمام مكارم الأخلاق التي تحقق للمرء غايته بالسير في طريق التكامل والرقي النفسي والروحي، كما تحفظ للمجتمع لحمته وتماسكه وقوته بعلاقات مستقرة بين أفراده وهمة في طريق التنمية والازدهار.
يقسم الإمام الباقر (ع) الناس إلى قسمين مع الإشارة إلى كيفية التعامل معهما، فالمؤمن له حق الإخوة الإيمانية التي تدعوه إلى التعامل مع إخوانه بالحسنى والطيب، مع تجنب كل أشكال العدوان والتحدث بالكلمات المسيئة والأفعال التي تسبب الضرر والأذى النفسي له، فالبعض لا يراعي في تعامله مع إخوانه الآداب والقيم الإسلامية والإنسانية، وبالتأكيد فإن التحذير من الأذية والإساءة يتضمن دعوة للمحافظة على علاقات مستقرة يحكمها احترام الآخر ومراعاة حقوقه والحذر من المساس بشخصيته وتوجيه أية إهانة له، خصوصًا أن البعض يفهم التدين بشكل خاطيء فيقصره على العبادات الخاصة فيهتم بصلاته في أحكامها بحذافيرها، بينما لا يلقي أي اهتمام لتوجيه كلمة جارحة أو موقف تجاهل لأخيه المؤمن، بل يسيطر الانفعال والتفكير الشيطاني عليه فيحاول أن يجد مبررًا لتصرفه المسيء ورفع المسئولية عن كاهله، بينما المؤمن يحاسب نفسه على كل ما يصدر منه من قول أو فعل فيعتذر عما بدر منه.
وإذا تصفحنا واقعنا الاجتماعي نجد صور الأذية المادية والمعنوية متعددة، وعلينا العمل بالخطاب الباقري لوأدها ومنع تكرارها وتحويل احترام الآخر وتجنب أيذاءه إلى مفردة تربوية وثقافة ممنهجة، فهذه الطرقات تعج بالمخالفات لنظام المرور وإيقاف المركبات بطريقة خاطئة مما يشكل عائقًا لانسيابية الحركة، كما أن إلقاء النفايات أمام منازل الآخرين وانبعاث الرائحة الكريهة منها صورة أخرى.
وأما صور أيذاء المؤمنين المعنوية فتتعلق بالسوء من القول كبث الشائعات وإذكاء نار الفتنة وتوجيه الكلمات البذيئة في لحظات الانفعال. كما أن النفثات الشيطانية تحضر في النقاشات الساخنة التي تتحول إلى خصومات ومشاحنات تعج بكل وسائل الإيذاء والذم ، وكذلك الإيذاء المالية المتمثلة بالتحايل لأكل أموال الناس بالباطل.
وأما الجاهل الذي يصر على البقاء في عتمة خفاء الحقائق وفقدان البصيرة بالأمور، فيؤكد الإمام (ع) على تحاشي الدخول معه في نقاشات لا طائلة منها، فإن مؤداها ومآلها إلى الخصومات والدخول في المشاكل، إذ لا يمكن إقناعه بالمنطق العقلي وهو يتمسك برأيه رافضًا أي مناقشة تؤدي إلى تغيير رأيه، فلابد من تقبل فكرة التباين في الآراء وتمسك بعضهم بالسطحي منها والظاهر في بطلانه مهما قدمت له من أدلة، ولذا لابد من الحذر في التعامل والتخاطب معه قدر الإمكان، فإن الجاهل يأخذك معه في عالم جهله ويكون سببًا في استفزازك وانفعالك فترتكب تهورا وصراخًا مثله، فالإنسان الحكيم يحافظ على هدوء نفسه والتخاطب بمنطق الحكمة وتمالك أعصابه لئلا ينفلت الأمر عن السيطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى