أقلام

صوموا تصحوا

د.إبراهيم المسلمي

ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: صوموا تصحوا .
الصيام في اللغة هو الإمساك أو الامتناع عن فعل الشيء. وفي الشرع هو نية الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وباقي المفطرات من الفجر إلى الليل.
ويعد صيام شهر رمضان هو أحد الشعائر الإسلامية الكبرى وهو واجب بل ركن من أركان الإسلام يجب على كل مسلم بالغ عاقل غير مسافر ولا مريض ولا من أصحاب الأعذار.
و شعيرة الصيام هي أحد المشتركات بين الأديان السماوية كاليهودية والمسيحية وغيرها ولكن يختلف الصوم في الأديان التي سبقت الإسلام عن صوم المسلمين في عدة نقاط , ففي اليهودية هناك نوعان من الصيام وهما :
الصيام الفردي والصيام الجماعي , و الصيام الفردي للتكفير من الخطايا أو في حالة الحزن أما الصيام الجماعي فيكون ذلك عند حدوث الكوارث وفي بعض أنواع الصيام عندهم يكون من شروق الشمس إلى شروق الشمس في اليوم التالي ويحرم فيه الطيب وحتى غسل الجسم ويجب الامتناع عن الأكل والشرب والجماع .
أما الصوم في المسيحية فهناك عدة أنماط من الصيام ومنها صوم أربعين يوماً يتجنب الصائم فيه اللحم ويكتفي فيه بوجبة واحدة يومياً وفي بعض صيامهم يبدأ الصيام من منتصف الليل إلى منتصف النهار .
أما الصيام في الأمم السابقة كالفراعنة واليونانيين فيقع صومهم قبل الحرب استعداداً له ولزيادة تحمل الشدائد بالإضافة إلى التقرب لآلهتهم ويبدو أن الغرض من صيامهم هو تغليب الجانب الروحي على الجانب الجسدي .
وهناك صوم صحي ويسمى الصوم المتقطع ( 8/16 ) وهو أن يقوم الشخص بالصوم عن الطعام فقط دون شرب الماء ست عشرة ساعة تبدأ من بعد وجبة العشاء حتى الظهر من اليوم التالي ويترك الصائم فيها وجبة الإفطار ثم يتناول وجبة أو وجبات خفيفة في الثماني الساعات الباقية من اليوم و هذا الصوم لغرض تخفيف الوزن والتقليل من الإصابة بداء بالسكري .
ويختلف الصيام الشرعي عن الصيام الصحي في عدة نقاط منها:
أولاً :اشتراط النية و استمرارها في الصوم الشرعي وهي مما تزيد من قوة وإرادة الشخص الصائم لإكمال صومه وتحمله الجوع والعطش طوال نهار شهر رمضان .
ثانياً: الصوم الشرعي يكون بالنهار لا بالليل وهو أكثر مشقة من الصوم الصحي الذي يكون بالليل معظم وقته.
ثالثاً : يحرم على الصائم عشرة مفطرات منها الأكل والشرب والجماع مع الأمور المعنوية كالكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما يعزز الجانب الروحي والأخلاقي لدى الصائم وهذا غير موجود في الصيام الصحي.
رابعاً : دواعي الإفطار في الصيام الشرعي معروفة ومحددة حتى مع قدرة الصائم على الصيام كصوم المسافر بالطائرة.
خامساً : مدة الصيام الشرعي تختلف من فصل إلى فصل ومن منطقة إلى منطقة فتقصر المدة في فصل الشتاء وتطول في فصل الصيف ففي منطقتنا حوالي اثنتا عشرة ساعة في الشتاء و في فصل الصيف حوالى سبع عشرة ساعة تقريباً أما في المناطق التي هي قريبة من القطب الشمالي فيكون النهار طويلا لاسيما في فصل الصيف والليل عدة ساعات فقط
سادساً : دمج الجانب الروحي والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي في الصوم الشرعي كما ورد في التوصيات النبوية في خطبة رسول صلى الله عليه وآله في آخر شهر شعبان .
وقد يسأل بعضهم ماذا يُحدث الصيام من تغيرات في الجسم ؟
ففي الساعات الأولى من نهار الصيام يعتمد الجسم على السكر(الجلوكوز) الموجود في الطعام ( النشويات) وهذا عادة يكفي لمدة ثماني ساعات من آخروجبة أكلها الصائم بعدها يبدأ الجسم في استخدام السكر المخزون في الكبد والعضلات ( مادة الكليكوجين) كمصدر للطاقة من خلال تحويله إلى مادة الجلوكوز .
أما الدهون فلا تحترق إلا بعد مضي اثنتا عشرة ساعةً من الصيام وفي حالة انخفاض السكر في الدم وهذا قليل ما يحدث في الصيام نظراً لوفرة الطعام في وجبة الإفطار والسحور وقلة المجهود والحركة في نهار شهر رمضان .
ولذا فإن أكثر الدراسات المحلية والعالمية تشير إلى ضعف تأثير الصوم على بعض الأمراض المزمنة كالضغط والسكري نظرا لعدم التزام الصائمين بالتوصيات الصحية مع توفر الغذاء لاسيما في بلادنا و الإفراط في تناول وجبتي الإفطار والسحور من مادتي السكريات والدهون .
أما الفوائد الصحية للصيام فأظنها لا تغيب عن ذهن الصائم وهو يستشعر ببعضها في أثناء صيامه ومنها :راحة المعدة والأمعاء من الطعام و تقليل السوائل على القلب والكليتين وخفض مستوى ضغط الدم لاسيما لمرضى الضغط و التقليل من إنتاج المواد السامة الناتجة عن حرق وأكسدة المواد الغذائية و التحكم في مستوى السكر في الدم لاسيما لمرض السكري إضافة إلى إعطاء البنكرياس راحة عن فرز هرمون الأنسولين الذي يفرز في الدم كلما تناول الشخص مادة سكرية وكذلك قلب العمليات الأيضية في الجسم من عملية تخزين وتكديس مثل ترسب الدهون إلى عملية هدم وحرق .وإزالة الخلايا القديمة واستبدالها بخلايا جديدة إلى غير ذلك من التقليل من الإصابة بأمراض الدماغ وتأخير الشيخوخة كل ذلك عبر ضخ معظم الدم المتدفق من القلب إلى الدماغ لزيادة عمل الخلايا الدماغية وتقليل تدفقه إلى بقية الأعضاء التي تكون في راحة أثناء فترة الصيام .
أما على الجانب الروحي والنفسي فالصيام يخفف على الروح ثقل الطعام والشراب وبذلك تسمو الروح والنفس والعقل على الجانب الجسدي والمادي وتزيد إرادة الصائم ومعنوياته لذا يسهل عليه كبح شهواته ورغباته الجسدية لاسيما الفم والفرج بدءاً من ترك المباحات وانتهاء بترك المحرمات ثم عمل الواجبات والمستحبات مما يسميه الإسلام بالتقوى وهذا مايلاحظ على الغالب من المسلمين في شهر رمضان المبارك وربما تستمر ثمرته إلى ما بعده ولو بشكل يسير.
وقد يلاحظ الشخص في نفسه أو غيره من الصائمين حدة في المزاج وانقباضاً في النفس والملل فلا يوجد تفسير مادي لذلك إلا أن النفس لايريحها الحرمان من لذاتها ورغباتها خاصة الطعام والشراب وتصبح كالطفل في ردة فعله عند حرمانه من اللعب واللهو ودليل ذلك الرواية التي تقول : للصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه.
ويشكل بعض المستشرقين على الإسلام في صيام الأطفال البالغين وعدم قدرتهم على ممارسة هذه الشعيرة الإسلامية طوال الشهر المبارك ويقولون هذا نوع من الحرمان بل تعد على حقوق الطفولة حسب قولهم؟
والرد عليهم بأمرين وهما الجانب العلمي و الجانب العملي الواقعي.
أما الجانب العلمي فالعلم الحديث يقول : إن الطفل إذا بلغ من عمره شهراً كاملاً فيمكن أن يصوم عن الطعام دون الشراب لمدة أربع وعشرين ساعة دون حدوث أي ضرر بليغ مثل هبوط في مستوى السكر الذي يضربه بشرط أن يكون الطفل سليماً من الأمراض ويشرب الماء خلال فترة الصيام.
أما الشخص البالغ فيمكن أن يتحمل الصيام لمدة ما يقارب ثلاثة أيام من دون ضرر يحدث له مثل الهبوط الحاد في مستوى السكر في الدم بل نرى في بعض الناجين من الزلازل ومن تحت الأنقاض وبعض المضربين عن الطعام في السجون من يمتد صيامهم لمدة تصل إلى أسبوع فأكثر.
أما من الجانب العملي الواقعي فمعظم بيوتات وأسر المسلمين يشارك الأطفال آباءهم الصيام دون ضرر بهم وربما كان ذلك قبل سن البلوغ، وهذا يعني أن الجسم لديه من المخزون من الطعام ما يكفيه لمدة أيام ولكن الأكل والشرب من طبيعة النفس البشرية و لذاتها ولذا يكون الصوم كبحاً لهذه الشهوات وهذا ما كانت تقصده الأمم السابقة في فلسفة الصوم قبل الحرب وهو تغليب الجانب الروحي والنفسي وزيادة العزيمة والصبر على الشدائد والمحن ومنها الحروب والكوارث .
وفي إحدى الدراسات الغربية في إحدى الدول الاسلامية قلل الباحث من تأثير الصيام على الجانب الروحي والأخلاقي في فترة صيام شهر رمضان من خلال ملاحظته زيادة حوادث السير في الطرقات وقلة صبر المسلم الصائم وكثرة الطلاق
والخلافات الزوجية بسبب حدة مزاج الرجل وتعنيفه الزوجة وإيذائها جسدياً ونفسياً أثناء عملها في المطبخ لتحضير طعام الإفطار للصائمين فنقول : وإن ثبت ذلك بالدراسات و الإحصائيات فإن ذلك يدل على عدم التزام المسلمين بالوصايا القرآنية و النبوية في شهر رمضان والتي وردت جلية واضحة في آخر خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر شعبان أوصى فيها المسلمين بحسن الخلق والرفق بالصغار وتوقير الكبار وحسن المعاشرة ولذا نقول إن هذا التصرف الخاطئ ليس وزراً أو ذنباً يتحمله الإسلام بعد تلك الوصايا النبوية للمسلمين وأعتقد أن سبب ذلك
إما لضعف الوازع الديني عند المسلم أو لعدم معرفته بآداب وأحكام الصيام ومنها حسن الخلق والتقوى وهي الغاية المنشودة من حكمة الصيام.
وفي الختام تظل شعيرة صوم شهر رمضان رياضة روحية وصحية مشتركة تجمع المسلمين كافة روحياً وعقائدياً في زمن واحد ولمدة شهر كامل تجمع جميع أطياف المجتمع الإسلامي وإن لم يلتزم المسلمون بكل آداب وأخلاق الصوم في
هذا الشهر ومع ما يعانيه الصائم يظل المسلم يتحسرعلى فراق أيام وليالي شهر رمضان ويترقب عودته من قابل حتى يقال لمن يبارك قدوم هذا الشهر المبارك (من عواده ).
أعاننا الله وإياكم على صيامه وقيامه وجعلنا من عتقائه وطلقائه من النار ومن الذين يبلغون ليلة القدر إنه على كل شيء قدير و صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

*استشاري الجهاز الهضمي والتغذية للأطفال

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى