أقلام

أوراق مبعثرة

السيد فاضل آل درويش

من سمات الإنسان الناجح التوقف بعد قطع محطة أو محطات من قطار العمر؛ ليستكشف مدى فاعلية نشاطه وسعيه في تحقيق الأهداف المرسومة والتعرف على أوجه التقصير ومكامن الأخطاء التي ارتكبها، فالضغوط الحياتية تستنزف الطاقة النفسية و تجهد العقل فيبدو المرء مجهدًا متعبًا يحتاج إلى استراحة يستعيد فيها أنفاس طاقته وتجديد قواه، ولعل البعض يكون عداد أيامه وليد اللحظة بمعنى أنه يعمل وفق الساعة التي يحياها دون ملاحظة لمؤشر الأداء والتنفيذ الذي يقوم به، وبالتالي فإنه ينحدر مع مرور الوقت بشكل ووضع غير مقبول من الأداء والتنفيذ، وعلى خط النهاية تتعطل قدرته وهو في حالة دهشة وحيرة لما ووصل إليه مستواه، وخصوصًا إذا بدأ في تسليط نظره على حياة الآخرين – ممن جدوا واجتهدوا – ليجد نفسه قد تأخر عنهم كثيرًا، ولا يعلم ما هي تلك العوامل التي أبقته في المربع الأول في نهاية الأمر و كأنه بعد مشوار طويل لم يتقدم حتى بضع خطوات.
من هنا تكمن أهمية النظر والتأمل فيما مضى من أيامنا وخطواتنا السابقة، ليتبين لنا مقدار الأخطاء والخسارة التي منينا بها فنبدأ بداية جديدة تخلو من الهفوات السابقة، فالتعلم من أخطاء الماضي من أهم عوامل النجاح والإنجاز والتقدم والارتقاء والبدء بمرحلة جديدة ملؤها الهمة العالية وتجدد النشاط، فمثل هذه الوقفات مع النفس تمثل إعادة الحياة لشرايين العمل الجاد عنده بعد أن استنفذ طاقته، فيحتاج إلى استراحة وهدوء نفسي ليعيد ترتيب أوراقه وأهدافه وفق المرحلة التي يحياها.
تلك الوقفة مع النفس تعني الحديث الواقعي والمنطقي بالتحري عن النقاط الإيجابية والسلبية، كما أن تنفيذه وأداءه لما يخطط له والأهداف التي رسمها بحاجة لإعادة تقييم، وذلك ليظفر بنتائج واضحة يعمل في المرحلة القادمة وفقها.
التقاط الأنفاس والبدء في النظر لما مضى لا لأجل التحسر والندم على ما فات من الفرص والحظوظ، وإنما هو نظر لتقييم العمل والتطلع إلى مستقبل زاهر تتحكم في خطواتنا فيه الحكمة أكثر والنظر في العواقب، وإعادة ترتيب المبعثرات في حياتنا على مستوى الأهداف والأفكار والأشخاص، فقد تكون مرتكزاتنا ابتنيت على أسس خاطئة فداخلنا وتسلل إلينا في ساعة غفلة وانشغال ما لا نرتضيه، فإعادة الترتيب والتنظيم تشمل إعادة النظر في أفكارنا وخطانا وأهدافنا وعلاقاتنا، وبعد هذه الخطوة يمكننا الرجوع إلى ميادين الحياة وقد تسلحنا بمعرفة أخطائنا وكيفية التخلص منها.
هناك من يستبعد فكرة المراجعة لأفكاره وسلوكياته ولعله يجد فيها مضيعة للوقت ولا فائدة منها ترجى، ويتجه بدلًا عن ذلك إلى أسلوب نفسي للدفاع عن نفسه وإبعاد شبح الإهمال أو تكرار ارتكاب الأخطاء، من خلال البحث عن الأعذار الوهمية التي – باعتقاده – تخليه من مسئولية أفعاله ، وهذا – في الحقيقة – من التلاعب بالأحداث والتحول نحو الصور الخيالية التي لا تمت للواقع بصلة، وهذا التضخم في الذات ومحاولة حمايتها من توجيه أي نقد لها ، ولو أدركنا حقيقة المراقبة لأفعالنا وأوقات الاستراحة لتقييمها لعلمنا بأن ذلك يصب في مصلحتنا، حيث اكتشافنا لأوجه القصور والأخطاء التي ارتكبناها في الماضي يجنبنا تكرارها والاستمرار في الاتجاه الخاطيء، فالتعلم مستقبلًا من تلك الأخطاء يعد فائدة تضاف لرصيد الإنسان وخبرة يكتسبها، فبعض الصفات السلبية وأساليب التعامل المنفرة مع الغير قد تكون متدارية عن أنظارنا ولما نلتفت لها يومًا، فمن خلال عملية المراجعة الذاتية نضع أيدينا عليها ونعمل على تصحيحها .
و نؤكد آخيرًا على أهمية استماع النصح والنقد الإيجابي ممن نثق برأيه ومحبته لنا، فقد يوجهنا لسلوك أو موقف غاب عنا، وما علينا سوى التأمل في كلامه و تقييمه ومتى ما اكتشفنا صوابيته فعلينا عدم المكابرة، كما أن استماع المحاضرات وقراءة الكتب المتعلقة بالجوانب الأخلاقية والسلوكية وطرق التعامل الحسن مع الغير، تساعدنا كثيرًا على مراجعة أنفسنا وإجراء تقييم ناجح و مفيد يلهمنا ويحثنا نحو العمل الجاد والنهوض مجددًا من نكبة العثرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى