أقلام

وانبعث دخانها

السيد فاضل آل درويش

يحذو الأمل والرغبات كل واحد منا – من رجل وامرأة – أن يكوّن تلك الأسرة التي يسودها جو الألفة والتحاب والتعاون، في إطار متماسك كذاك البيت الذي صممه عقل مهندس بارع حتى أبرزه في صورة جميلة تسر الناظرين، ولا يمكننا أن نتصور إجابة نتلقاها من أحد على سؤال فحواه الرغبة في الانتماء لأسرة تفتك بها مشاعر الكراهية والأحقاد والتبلد الحسي تجاه أحوال وهموم ومشاكل بقية أفراد الأسرة، فالوضع النفسي والعاطفي الذي جبل عليه الإنسان السوي يشير إلى حب مسار الهدوء والاستقرار والتجلبب بالسعادة وراحة النفس، وأما ما نجده من شكوى البعض من الدخان المنبعث من بيوت يختنق أفرادها من الجفاف العاطفي، وانعدام الإحساس بالانتماء لذلك البناء بما ينعكس على تجاهل وجود بقية الأفراد فضلًا عن الشعور بما يؤرقهم، فدون شك أنه لا يمثل الوضع المتناسق مع الوضع السوي لكل من الطرفين وعدم قدرتهما على التعامل الحسن مع الظروف القاهرة والأزمات التي يمر بها الجميع، ولذا فالتذرع بالظروف المحيطة البعيدة عن ذواتهم لا يعد مبررًا لتحويل البيت إلى كتلة نارية تصيب بلهيبها الجميع، بل وتشكل قناعة عندهم بأن محيطهم الأسري لا يوفر عامل الأمان والطمأنينة والإشباع العاطفي، مما يدعو البعض منهم للبحث عنه خارج أسوار الأسرة، فيقع فريسة سهلة عند أصدقاء السوء، ممن يوهمونه بأنهم يعوضونه عما يفتقده بينما هم يجرونه نحو الجريمة والانحراف، وهذه النتيجة المؤلمة لا بد أن تكون بالحسبان وتحت نظر الوالدين بما سيؤول إليه حال أبنائهم إن لم يتلقوا الرعاية والحضانة العاطفية والاهتمام الكافي.

الحياة الزوجية علاقة مشتركة تتضمن مجموعة من الأسس والمعايير بغية الوصول بها إلى بر الأمان وتحقيق هدف الاستقرار والهدوء النفسي والإشباع العاطفي، يتحرك كل من الزوج والزوجة لتطبيقها على أرض الواقع في إطار الاحترام والتعاون والثقة المتبادلة، والعمل بلغة الحوار والتفاهم وتبادل الآراء حول ما يقابل كيان الأسرة من مشاكل وعراقيل، وهنا نفهم ماذا تعني لغة الصراخ وتبادل الاتهامات حول ارتكاب أحد الأبناء مشكلة في محيطه الدراسي أو الاجتماعي، فهذا لن يوصلهما إلى فهم المشكلة ومسبباتها ومن ثم البحث عن حلول ممكنة قدر المستطاع، وكذلك نفهم ماذا يعني الهروب إلى الأمام والتخلي عن المسؤولية تجاه تربية الأبناء تذرعًا بالمشاغل والاهتمامات الخاصة، وكذلك نتفهم ماذا يعني الإهمال في تربية الأبناء والتركيز على توفير مستلزمات الحياة المادية دون مراعاة بناء شخصية الابن من الجهة الاجتماعية والأخلاقية والنفسية، إذ كلنا نتفق على حقيقة مهمة وهي صعوبة الحياة والحاجة إلى بذل المجهود الكبير وتحريك كل الطاقات في سبيل تحقيق الأهداف المبتغاة والوصول إلى الإنجازات المرسومة، وهذه الصعوبات تقف بوجهها وتزيحها تلك الإرادات القوية والهمم العالية، وهذه القوة في شخصية الأبناء تعني عملًا مشتركًا ودؤوبًا من الوالدين استمر لفترة طويلة حتى تحقق لهما ما أراداه.

وهذا التفكك الأسري وانكفاء كل واحد من الأفراد على نفسه يرجع إلى عدة عوامل مؤثرة ومنتجة لهذا الوباء، ولكن ما يهم هو عامل الوالدين في إنتاج أسرة مفككة لا يشعر أحدهم بوجود ولا هموم ولا ظروف الآخر مع شبه انعدام للتواصل بينهم، فالأب والأم لهما دور كبير ومؤثر في زرع الصفات والمكتسبات الجميلة في أبنائهم في مختلف الجهات في شخصياتهم ومتابعة سلوكياتهم، فالإشباع العاطفي يعني إمداد الأبناء بالاهتمام وإبداء مشاعر الحب، كما أن التواصل بين الأبناء يبدأ الاهتمام به منذ الصغر من خلال إسناد الأعمال المنزلية التي يتشاركون ويتعاونون في أدائها، وتلك الأوقات التي يجلس فيها أفراد الأسرة ويتبادلون الأحاديث ويبدي كل واحد منهم أداءه اليومي وما واجهه من مشاكل وما حققه من إنجاز مدرسي وغيره ويتشاركون المخارج وطرق معالجة المشاكل، ومتى ما تمالك الوالدان أعصابهما وتعاملا بواقعية وهدوء مع الأزمات، وأكدا على مبدأ التواصل بين أفراد أسرتهما وعززا ذلك بالتشجيع وتقديم الهدايا كان ذلك مدعاة للحفاظ على كيان الأسرة المتماسك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى