أقلام

الإشاعات اللذيذة

حسن سلمان الحاجي
يميل الإنسان إلى سماع الإشاعات ونقلها، لأنها تدغدغ مشاعره. فلا يوجد مجتمع بشري مهما تقدم علمياً يخلو من الإشاعات، فالإشاعة هي الأسلوب الأول الذي استخدمه إنسان الكهوف لنقل الأخبار والمعلومات. ومع وقوع كل حادثة أو كارثة عالمية أو محلية تشتغل ماكينة إنتاج الإشاعات والمعلومات المزيّفة والأخبار المفبركة. وفي عصرنا الحاضر مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، التي ألغت الحواجز الجغرافية، أصبحت سرعة انتشار الإشاعات والمعلومات المفبركة والمزيفة كالبرق الخاطف.
من الطبيعي عند وقوع الحوادث والكوارث أن تُستثار مشاعر الإنسان إما سلباً أو إيجاباً، ومن الصعب الوقوف حيادياً. من هنا تتفاقم الإشاعات وتكثر المعلومات المغلوطة والمفبركة. ومع وجود الانحيازات الدماغية لدى البشر، وخصوصاً الانحياز التأكيدي، الذي يفلتر المعلومات ويأخذ منها ما يؤكد صحة القناعة التي يحملها الفرد، حتى لو كانت المعلومة التي تلقاها خاطئة. فلا يلتفت إلى تناقضها المنطقي، بل يتراقص طرباً فـيتلقفها برحابة صدر وينسج منها أفكارا جديدة، تزيد من حدة الاستقطاب والانحياز.
بلا شك أن هناك من يصطاد في الماء العكر، وهناك من يحاول تعكير الماء أكثر، فهؤلاء مثل الذباب لا يعيشون إلاّ على قاذورات الفوضى، فيستغلون كل فرصة لبث أجندتهم الخاصة، ولا توجد عندهم فرصة أفضل من وقوع الحوادث والكوارث،خصوصاً تلك التي لا دخل لهم بها، للتلاعب بالأوراق وصب الزيت على النار، فيكثر الخراب ومن ثمّ يزدهرون على الحطام.
لذلك لا بد من تفعيل *الفلاتر المنطقية والمعرفية* عند تلقّي أي خبر أو معلومة، ومن أهم تلك الفلاتر *فلتر التخطئة*، وهذا يعني أن *كل خبر أو معلومة هي في الأصل خاطئة حتى تثبت صحتها* حتى لو توافقت تلك المعلومة مع معلوماتك السابقة. فقد تكون معلوماتك خاطئة أيضاً، ولذلك لا تفرح عندما تـتلقى معلومة تؤكد قناعتك الشخصية، فلا بد من تحري مصدر المعلومة ووضعها في خانة الشك. ومع الأسف لا يوجد مصدر محايد يمكن أخذ المعلومة الصحيحة منه، فكلٌ له أجندته وأهدافه الخاصة. فحتى المصادر التي لا تكذب لكي لا تفقد مصداقيّتها تحاول وضع المعلومة الصحيحة في إطار معيّن أو تُخفي جزءا منها فتصل الفكرة للمتلقي مقلوبة أو مشوّهة.
وأمّا الفلتر الثاني فهو *فلتر المشاعر*، فعندما تأتي معلومة مشحونة بعواطف دينية أو عرقية أو قومية أو شعبوية أو معلّبة بروح الكرامة والعزة والفضيلة أو الخوف والرعب أو الانتقام والشجاعة، فلا بد من فلترة العواطف منها وأخذ المعلومة مجردة ومن ثمّ التأكد من صحّتها. بل الخطورة الحقيقية تكمن في صحّة المعلومة، فتأتي المعلومة ممزوجة بالعواطف الجياشة فتلتبس الفكرة على المتلقي، عندها لا يستطيع فرز المعلومة عن العواطف المشحونة.
وأما الفلتر الثالث فهو *فلتر الأهميّة*، عندها نسأل: هل هذه المعلومة فعلاً مهمة أم أن الهدف منها الانشغال واستهلاك الطاقة في التفكير بقضايا جانبية؟ من ضمن أهداف العدو فتح ملفات كثيرة لإثارة قضايا جانبية لا تتعلق بالحادثة الأصلية من أجل اشغال الرأي العام عنها، خصوصاً تلك القضايا التي تُمزّق النسيج الإجتماعي وتفاقم الانقسامات وتزيد الفرقة فتذوب القضية الأصلية.
_____________

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى