أقلام

حياة كانت مبعثرة

السيد فاضل آل درويش

نشعر بتسرب الماء من الخزان – مثلًا – بشكل واضح ونعمل على معالجة هذه المشكلة بما يحفظ الماء، ولكننا لا نشعر بتسرب فترات زمنية من أعمارنا نضيعها فيما لا فائدة ترجى منه، ولا نحرك ساكنًا للبحث عن العوامل المؤدية لذلك وتغيب المعالجات والحلول لهذه المعضلة، إن شعور الإنسان بأهمية الوقت واستثماره في طريق الإنجاز والتقدم في خطى ثابتة نحو النجاح في كل مرحلة يعد من أبرز ملامح الشخصية الناجحة، ولعل تضييع الوقت ناشيء من حالة الكسل والخمول الذي يزداد منسوبه مع الأيام؛ ليجد الفرد نفسه بعد ذلك لا يشعر بتحرك عقارب الساعة ومرور الأيام وهو لم يحقق شيئا يثبت به وجوده، وقد يكون تضييع الوقت بسبب المفهوم الخاطيء للترويح عن النفس، فالاستراحة وممارسة الهوايات وقضاء وقت ممتع في رحلات نهاية الأسبوع هي وقت مستقطع يمنحه الفرد لنفسه بعد عمل مضن وشاق، بذل فيه الجهود الكبيرة وكرس جل وقته لتحقيق آماله وتطلعاته والظفر بإنجاز معين وهذا مصدر المتعة والسرور، وأما فقدان الشعور بمرور الوقت وقضاء معظم الوقت بتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، دون وجود بوصلة يحدد من خلالها المحتويات المفيدة والمتناسبة مع اهتماماته وميوله فهو مضيعة للوقت، حيث يجعل هذا التصفح مجرد تسلية وتقطيع الوقت في تكرار يومي.

وقد يكون تضييع الوقت – وهو ما يهمنا – بسبب حياة الفوضى التي نحياها، فتضيع الأولويات وحتى ما نريد إنجازه يتعثر أو يتأخر بسبب بعثرة الأدوات التي نحتاجها، ولأهمية الترتيب والحياة المنظمة لتحقيق أقصى سبل الاستفادة من أوقاتنا والسير في أقصر الطرق نحو الإنجاز والنجاح، لا بد من التحقق من تنفيذ خطواتنا بشكل واضح ومتابعة السير فيها، وتدون الملاحظات ورؤوس الأقلام للأفكار والتصورات والأهداف ووضع إشارة على ما أنجز منها، فهذا يسهم في اغتنام الأوقات والاستفادة بشكل صحيح منها، وخصوصًا إذا ما راعى تحديد الأولويات ووضع تصور للوقت الذي يحتاجه لتحقيقها والخطوات الممكنة لمعالجة التعثرات والعراقيل التي يمكن أن يواجهها، فالشخص الناجح يتجنب تضييع الأوقات بالسير خلف مشاعره المتأججة والمتوترة، بينما يحيد عقله الرشيد والواعي في مواجهة المشاكل المصادفة لعمله.

إذا دخلت يوما مكتبة ورأيت الكتب مبعثرة ومتناثرة في كل مكان وطلب منك البحث عن كتاب في تخصص معين، فإنه يصعب عليك الأمر وستأخذ وقتًا مطولًا حتى تطاله يدك وقد لا تصل إليه، وكذلك هي حالة البعثرة لا تقتصر على الأمر المحسوس كبعثرة الكتب والأدوات والمستلزمات الشخصية وغيرها، بل قد تكون البعثرة في الأفكار – التي تسبب تشوشًا – عند محاولة التفكير في أمر معين، وذلك بسبب تناثر الأفكار وتراص التصورات الخاطئة والشبهات وغير المفيدة والساذجة وغيرها، فيصعب عليه ترتيب فكره ما بين معطيات وتصورات واستنتاجات واستخلاص التصورات الرصينة ورسم الخطط لتحقيق أهدافه، وكذلك البعثرة تطال الخطوات العملية فينساق خلف أهوائه فيضيع ما بين الخطى الفارغة والهامشية والخاوية من أي نتيجة مفيدة وغيرها، ولذا نحتاج إلى ترتيب وتنظيم أفكارنا وتكوين الزاد المعرفي والثقافي المستند إلى الدليل الرصين، وكذلك بالنسبة لأي خطوة نقدم عليها ينبغي أن نجد لها موضعًا في مسيرنا نحو الإنجاز وبلوغ أعلى مستويات النجاح، فقد ندور في دائرة مفرغة نتوه فيها عن الخط المثمر والمنتج.

ما من شك أن الترتيب في حياتنا يورثنا الراحة والهدوء النفسي، حيث نشعر بالرضا عما أنجزناه ويحذونا الأمل والطموح لمواصلة مشوار العمل المثابر، وتلك الحياة المنظمة لا يقتصر وجودها على الجانب الدراسي أو الوظيفي، بل هو قبس نور يستقي منه الفرد الهدى في جميع جوانب حياته الثقافية والاجتماعية، فالعلاقات مع الآخرين تحتاج إلى دراسة ونظر لفرز المفيد منها، وكذلك بالنسبة لترتيب الأولويات وإحداث توازن بين الواجبات والمسؤوليات، وهذا الترتيب – بالطبع – لا يعني الدقة المتناهية بما يسبب استنزافًا للطاقة النفسية والوجدانية للفرد، بل يمتاز بالمرونة والتغيير والتبديل بحسب الظروف والإمكانات والمستجدات من الأحداث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى