أقلام

حكايات من عبق والدي حسين النمر(ج٦)

رباب حسين النمر

تحدثنا عن فترة الانتقال إلي الدمام، الفترة المفصلية التي تغيرت خلالها الحياة وشهدت طفرة معيشية وقفزة كبيرة، فسألت والدي عن الدافع لترك بقيق والاتجاه إلى الدمام، وعن بداية الحياة هناك.
فتحدث والدي:
(العامل الاقتصادي وتوافر الأرزاق جذب الناس إلى الدمام.

حينما انتقلنا من بقيق إلى الدمام سكننا ببيت في شارع الدواسر في سد، وكان جارنا صياداً اسمه غانم وفي البيت يسكن العم حسن والعم حسين. وكان الناس في بداية تأسيس الدمام يعملون في دكاكين بسوق الذهب.
ولم تكن مساحة الدمام حينذاك كبيرة، بل كانت عبارة عن حي سكني بسيط مجاور للبحر. وفي الصباح الباكر كان الخبازون يحضِّرون الخبز العجمي والنخج والباقلاء، وكان أكثر سكان الدمام من الدواسر الذين قدموا من البحرين فكان طابعهم الحياتي هو السائد آنذاك.

ثم استأجر والدي وأعمامي بيتاً أكبر هو بيت البسام، وكان بيتاً كبيراً، وكان مجلس البيت مخصصاً لإيواء الشباب من الأقارب الذين يعملون في الدمام، فلم يكن هناك في ذلك الحين عمال أجانب أو عمالة وافدة، وكل الذين يمارسون الصياغة في دكاننا من أبناء العمومة والمعارف، مثل عايش الميدان وعلي المحمد علي والسيد طاهر والسيد محمد اليوسف ومحمد المبارك وسلمان العبدالله النمر.
وكانوا يسكنون بالمجلس.
وفي قسم العوائل كان يسكن والدي وعمومتي مع عوائلهم.
ومكثنا فترة طويلة في ذلك البيت.
كانت تقام القراءة الحسينية في ذلك البيت نظراً لسعته وكبر حجمه فهو يستوعب أعداداً كبيرة من المستمعين.
قرأ فيه الشيخ حسين البريكي من القطيف.
وكنا أطفالا في ذلك الوقت.
كانت دكاكين الصاغة في عمارة السلام.

أما الحي السكني الذي أسسه المنتقلون من الأحساء حيث انتقلوا جميعاً إلى منطقة تدعى العدامة وأطلقوا عليها الشعيبة تصغيراً لحي الشعبة الذي انتقلوا منه في الأحساء، حيث قاموا بشراء أراضٍ وبناء بيوت، وبعد فترة زمنية كانوا يستأجرون خلالها المساكن، انتقلوا إلى مرحلة تملك المساكن والبيوت في الشعيبة. وقد بدأ القادمون من الأحساء إلى الدمام يتزايدون وكل من يجيء من الأحساء يشتري بيتاً في منطقة الشعيبة.

من البيوتات التي تم بناؤها في الشعيبة بيوت آل المحمد الحسين النمر، وبيوت آل العلي النمر.
وكان جيراننا العمّين حسن وحسين، وجيرانهما: بيت حسن الناصر وأمامهم بيت أولاد محمد الناصر، وأمامنا عمارة لعبد الكريم الأمير. وجيراننا من جهة الغرب عبدالله بن مسلم الحرز، وبجانبه بيت عبد المحسن المؤمن وعبد الأمير الحرز، وخلفه بيت هاشم حبيب وأولاده، وعبدالأمير المسلم.

في عهد منطقة الشعيبة كنا ندرس في المرحلة المتوسطة، حيث نشارك أهالينا بالتواجد في دكاكين الذهب بعمارة السلام.

في تلك الفترة كان الوالد رحمه الله يركز عمله في الشرطنة “١”، وكان يسافر إلى الكويت حيث كان على علاقة بتجارها ولا سيما الأربش، وكان يحضر بضائع متنوعة منها الذهب الإيطالي واللؤلؤ الطبيعي وبعض أشغال الذهب الهندي، وبعض قطع الألماس، ثم يتجه لبيعها في الرياض.
وحدثت له مشكلة ذات مرة عندما اشترى طقماً يحتوي على قطع ألماس كبيرة وأصلية، وقد اشتراه بمبلغ مالي مكلف، ولم يستطع أن يربح منه، فسبب له مشكلة. وقام ببيعه على أحد التجار في الرياض بيعاً آجلاً، وتهرب المشتري عن التسديد، مما سبب للوالد ضائقة بسبب غلاء هذا الطقم.
واستمرت علاقة الوالد التجارية مع الكويت، وكان خط عمله ما بين الكويت والرياض، وكنت أساعده أحياناً بأخذ البضاعة وبيعها في الرياض.
وفي ذلك الوقت كنت أقابل حمد بو حمد* في الرياض حيث كان يعمل في مجال الذهب فتكونت بيننا علاقة عمل حيث كنت أجلب بعض القطع التي تحتوي على اللؤلؤ وكان يستمتع بتفحصها وتأملها. وكانت والدته رحمها الله تشتري اللؤلؤ، وكان يعرض بعض القطع على والدته فتشتري. كان حمد بوحمد رجلاً محترماً وطيباً.
وكان العم محمد العبدالله مقيماً بالرياض تلك الفترة حيث يمكث شهراً أو شهرين، وكان متواجداً بالسوق يستشيره التجار لخبرته الطويلة بالذهب والأحجار الكريمة.
وقد بدأت تتكون خبرتي في ذلك الوقت حين كنت أمارس بيع قطع المجوهرات في الرياض.
كان لدى محمد بو حمد”٢” دفتر يسجل فيه أنساب عائلة النمر والمبارك كونهم أبناء عمومة. فكان يستفسر عن كل فرع من فروع النمر من أحد معارفه المتفرعين من ذلك الفرع، وقد كان يسألني عن المحمد الحسين وعن أولادهم وزوجاتهم ويسجل أسماء جميع فروع العائلة الموجودين بالرياض أو الأحساء، ولكنه لم يكن يتبنى اتجاهات معينة ولم يكن يميل إلى أن العائلة أشراف، وكان يدون أننا أبناء عمومة وأقارب وأن أجدادنا قد سكنوا الحريق، أو النجادة الذين سكنوا الرياض.

في الشعيبة أيام الدراسة المتوسطة حدثت لي قصة طريفة ومضحكة مع الأصدقاء في فترة بيت البسام. فعندما كنا طلاباً كنا نذاكر دروسنا في حديقة البلدية وهي قريبة من البيت.
فقد كان من المريح وقت الامتحانات أن تذاكر في أحضان الطبيعة.
كان هناك شجر ينبت فيه ثمر يشبه قرون الفلفل الأحمر، وكنا نقطفهم ونفككهم ونخرج منهم بذوراً سوداء وبيضاء تؤكل.
وكنت أنا وأحمد اليوسف النمر( ابن عمتي) وعلي الحداد نجمع من هذه القرون كمية ليست قليلة، فأخذها علي الحداد للأطفال بيتهم ، وكذلك أحضرت منها للأطفال بالمنزل، وكذلك أحمد اليوسف أخذ بعضها لبيتهم. ويبدو أن هذه القرون كان فيها تسمم، فكل الذين تناولوها أصيبوا بنوبات الغثيان فذهبنا جميعنا إلى المستشفى بسبب قرون الفلفل التي أحضرناها من حديقة البلدية.
وبالمناسبة كان علي الحداد يذاكر معنا بالحديقة، وكان خلوقاً ومؤدباً وهو صديقتي أنا وابن العمة أحمد اليوسف. وصداقتنا ممتدة منذ ذلك الحين حتى الآن، فهو يتواصل معي من حين لآخر ويزورني.

يتبع ………
.
١.شريطي: بائع ذهب متجول، حسب علي محمد المحمد علي في مقال له بعنوان: الصياغة في الأحساء https://thajr.forumarabia.c
om/t161-topic
٢.من صاغة الرياض المهتمين بتدوين الأنساب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى