أقلام

لماذا لا تُسمع الأصوات تحت تأثير التخدير؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي 

يحاول جاهدًا علم أعصاب حاسة السمع والإدراك الحسي بشكل عام فهم العديد من المسائل الصعبة في هذا الصدد.

الغرض من عملية التخدير هو وضع الدماغ في حالة من حالات اللاوعي حيث لا يمكن الإحساس بالمنبهات [المترجم: المنبه هو أي شيء في البيئة الخارجية يثير الانتباه ويُحس به عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس]، ومنها الأصوات، مثلًا في هذه الحالة، تبقى الخلايا العصبية في القشرة السمعية مُنبهةً من قبل الأصوات، لكن هذه الأصوات لا يحس بها الدماغ.  كشف باحثون من معهد باستور والمركز الوطني للبحث العلمي CNRS وجامعة باريس ساكلي Université Paris-Saclay عن آلية عصبية جديدة ترافق الانتقال من حالة الإدراك الحسي (الإحساس) الواعي إلى حالة اللاوعي تحت التخدير(1). استُخدمت تقنية التصوير البصري المتطورة، وهي الفحص بالمجهر متعدد الفوتونات multiphoton microscopy، لمراقبة نشاط ما يقرب من ألف خلية عصبية في القشرة السمعية أثناء الانتقال من حالة اليقظة إلى حالة التخدير، وتفيد نتائج التجربة على الفأر بأنه في حالة اليقظة، تستجيب بعض مجموعات الخلايا العصبية للأصوات والبعض الآخر نشطة ذاتيًا (مما يدل على نشاط دماغ قائم باستمرار).  لكن تحت التخدير، يصعُب تمييز مجموعات الخلايا العصبية التي تستجيب للأصوات من الخلايا العصبية النشطة ذاتيُا [أي النشطة بدون الحاجة الى منبه / مثير خارجي]. في حالة اللاوعي بسبب التخدير، تحجب القشرة الدماغية المدخلات الحسية وذلك بسبب طغيان نشاطها “الذاتي”.

هذه النتائج، التي نُشرت في مجلة نتشر نيروساينس Nature Neuroscience في 28 سبتمبر 2022(2)، تفتح إمكانيات جديدة لنمذجة حالات التيقظ vigilance(3).

على الرغم من أن الآليات التي تستخدمها الأذن لسماع الأصوات بدأت تُفهم بوضوح، إلا أننا لا نعرف إلّا النزر اليسير عن الأليات التي تدخل في الإدراك  الحسي (سماع) الأصوات وتفسيرها والوعي بالإحساس السمعي.  يحاول جاهدًا علم أعصاب حاسة السمع. والإدراك الحسي بشكل عام فهم العديد من المسائل الصعبة في هذا الصدد.  إحداها يتعلق بالآليات التي تميز الإدراك الحسي (الاحساس) الواعي، أثناء اليقظة، من معالجة الأصوات في الدماغ أثناء حالات اللاوعي، مثلًا في حالة النوم أو تحت التخدير.

لماذا تُنشط القشرة السمعية عندما يصل الصوت إلى أذن شخص أو حيوان تحت التخدير، مع أنه لا يوجد احساس واعٍ بالأصوات عند البشر تحت التخدير؟

بقي حل هذه المسألة غير ممكن في السابق لأن القياسات المتاحة للنشاط العصبي لا توفر إلّا معلومات خاصة بنشاط كل خلية عصبية بمفردها أو النشاط المسجل لتجمعات صغيرة من الخلايا العصبية(4) بصورة منفصلة عن غيرها ضمن الشبكات العصبية الضخمة التي تتكون منها القشرة الدماغية.  هذه البيانات أخفقت في تقديم لمحة عامة عن النشاط المنسق للشبكات العصبية. اُستخدمت مجموعات البيانات الأخرى التي جُمعت على المستوى الدماغي لاستنتاج متوسط نشاط هذه الشبكات الضخمة ولكنها لم تقدم أي تفاصيل عنها.  لذلك لم يكن من الممكن استخراج معلومات كافية عن نشاط القشرة السمعية لقياس الفروق الأساسية في الاستجابات الحسية بين حالتي اليقظة والتخدير.

في هذه الدراسة، فريق البحث بقيادة برايس باثلير  Brice Bathellier (من ديناميات الجهاز السمعي والمعالجة متعددة الحواس / Inserm) في معهد السمع،  معهد مركز باستير،  ،آلان ديستكس Alain Destexhe (من معهد باريس ساكلي لعلم الأعصاب / CNRS / جامعة باريس ساكلي) استخدم تقنية التسجيل البصري – تصوير الكالسيوم عبر الفحص بالمجهر متعدد الفوتونات – لمراقبة نشاط تجمعات ما يقرب من ألف خلية عصبية في القشرة السمعية أثناء حالتي اليقظة والتخدير في الفئران. استخدم الباحثون بعد ذلك أساليب رياضية / حسابية لدراسة بروفيلات profiles تجمعات الخلايا العصبية التي نُشِّطت استجابةً لسلسلة من الأصوات المتغيرة.  كشفت هذه الملاحظات الجديدة أنه على الرغم من الأصوات في حالتي اليقظة والتخدير نشطت الخلايا العصبية إلَّا أن تجمعات الخلايا العصبية الداخلة في الحالتين مختلفة تمامًا عن بعضها.

وبين الفريق أيضًا أن القشرة هي بنية نشطة على الدوام، حتى في غياب التحفيز (وجود المنبه). بمقارنة هذا النشاط “الذاتي” بالنشاط الذي أثارته الأصوات، سجل الباحثون ملاحظة أخرى. أثناء حالة اليقظة، اختلفت تجمعات الخلايا العصبية التي نشطتها الأصوات عن الخلايا المنشطة ذاتيًا، تحت التخدير، تجمعات الخلايا العصبية المنشطة ذاتيًا استجابةً للأصوات هي أيضًا منشطة ذاتيًا بشكل مننهج.  لذلك على الرغم من أن القشرة السمعية استجابت لتحفيز الصوت تحت التخدير، إلا أن استجابتها لا يمكن تمييزها عن نشاطها الذاتي

نشاط مجموعة الخلايا العصبية (4) في القشرة السمعية أثناء اليقظة (النقاط البيضاء) وتحت التخدير (النقاط الخضراء). تمثل كل نقطة نبضة كهربائية من خلية عصبية.  صورة لأجسام الخلايا العصبية رُكِّبت على الرسم التخطيطي. (المصدر: معهد باستير)

تشير هذه الملاحظات إلى آلية من شأنها أن تشرح مفارقة الحاسة السمعية، وبإستقراء الإدراك الحسي تحت حالة التخدير. “لا يختلف تنشيط الخلايا العصبية في القشرة السمعية تحت حالة التخدير من الناحية الهيكلية عن التنشيط الذي لوحظ أثناء حالة اليقظة فقط ولكن ما هو أهم من ذلك، لا يمكن تمييزه عمليًا من النشاط الذاتي للقشرة السمعية نفسها. وبالتالي فإن الاستجابات العصبية في القشرة السمعية تحت التخدير “صامتة” بشكل فعال في بقية أنحاء الدماغ، بسبب طغيان “نشاطها الذاتي”. تفيد هذه النتائج أيضًا بأن أحد شروط الإدراك الحسي الواعي هو أن تكون القشرة السمعية قادرة على تنشيط تجمعات الخلايا العصبية المختلفة عن تلك الخلايا العصبية المنشطة ذاتيًا، “كما يبين بريس باثليير، المؤلف المشارك الأخير للدراسة.

“بمعنى ما، القشرة السمعية في حالة اليقظة أكثر” إبداعًا “لأنها تولد أُسسًا جديدة خاصة بالصوت للنشاط استجابةً للأصوات، على الرغم من أن هذه الخصوصية لا تبدو أنها موجودة أثناء التخدير.  يبقى أن نرى ما إذا كانت الاستنتاجات نفسها تنطبق أيضًا على حالات أخرى مثل النوم ، “كما يذكر آلان ديستكسه Alain Destexhe، المؤلف المشارك الأخير للدراسة.

تقدم هذه النتائج أيضًا رؤى جديدة فيما يخص الآليات الكامنة وراء الإدراك الحسي الواعي للأصوات أو الإشارات الحسية الأخرى، وتمهد الطريق لنماذج جديدة من معالجة المعلومات الواعية والمعلومات اللاواعية في المناطق الأخرى من القشرة المخية.

مصادر من داخل وخارج النص

1- ” مصطلح الإحساس اللاواعي يرجع إلى الحالات التي أفاد بها الشخص بعدم رؤية منبه معين [المترجم: أي شيء في البيئة يثير الانتباه وتحس به عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس]، لكن سلوكه أو نشاطه الدماغي يشير إلى أن المعلومات المعينة عن ذلك المنبه الذي لم يحس به قد تمت معالجتها دماغيًا بالفعل.  مع ان هناك نشاطًا عصبيًا نتيجة لهذه العملية إلا أنه لا يؤدي دائمًا إلى الإحساس بهذا المنبه.  قد تصدر الخلايا العصبية جهد فعل fire  بطريقة خاصة بالمنبهات على مستويات عديدة في الدماغ، ولكن هذا النشاط قد لا يكون قويًا بما يكفي، أو لا يدوم لفترة كافية، أو لا يشترك فيه عدد كافٍ من الخلايا العصبية أو عدد من مناطق الدماغ حتى يؤدي إلى الإحساس بهذا المنبه.  أحد أفضل الأمثلة على ذلك أتى من التسجيلات العصبية في الحيوانات التي كانت لا تزال تحت تأثير التخدير.  مع أن الخلايا العصبية البصرية في العديد من مناطق الدماغ بقيت تُظهر استجابات قوية خاصة بالمنبهات.  إذا كان لدى شخص بعض النشاط في منطقة معينة من دماغه، فهذا لا يعني أنه يحس بالضرورة بالمنبه، بدون نشاط كافٍ في مناطق الدماغ اليمنى، قد يفشل الاحساس ببساطة: والنتيجة هي الادراك الحسي اللاواعي.”  ترجمناه من نص ورد على عذا العنوان:

https://www.sciencedirect.com/topics/neuroscience/unconscious-perception

2- https://www.nature.com/articles/s41593-022-01168-5

3- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2865224/

4- تجمعات الخلايا العصبية هي مجموعات كبيرة من الخلايا العصبية التي يُعتقد أنها تسجل بصمة الذكريات والمفاهيم والكلمات والمعلومات المعرفية الأخرى.”. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.pnas.org/doi/10.1073/pnas.2001893117

المصدر الرئيس

Why Are Sounds Not Perceived Under Anesthesia?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى