أقلام

المتنبي شيعي المذهب عربي الرؤية والحضارة

أ.د. عبدالرحمن الوهابي

أحد أبرز شعراء العربية في الموهبة الخيالية، من حيث تراكيب اللغة الشعرية، والتصاوير الخلاقة، وطرح سمو المعاني وقيم الأفكار. إنه أحمد بن الحسين الجعفي المعروف بالمتنبي الذي قال عنه صديقه عالم اللسانيات ابن جني بأنه: شاغل الناس، وقد صدق لما لهذا الشاعر من صياغات تجعله متجدد الحضور ودائم البقاء.

المتنبي شيعي المذهب دينيا، وهذا قول للأسف لا يستحق الوقوف عنده أو حتى عرضه، فهل في هذا إضافة أو مدعاة؟ والملاحظ أن هذه المعلومة بحد ذاتها تغيب عن بعض دارسي علوم الأدب، وهذا جميل ومحمود كونه مؤشر وعي في عدم الالتفات لمثل هكذا فكرة، كما من الملاحظ أن بعض المحدثين سنة وشيعة لديهم رفض في فكرة تشيع المتنبي! وهذا محل نظر وفي حاجة لموزنات من حيث مفاهيم المذاهب وتغير النظرة إليها زمنا، ومن حيث مفاهيم الثقافة الاجتماعية، فهل مفاهيم سنة اليوم كسنة تلك الفترة؟ وهل مفاهيم شيعة اليوم كشيعة تلك الفترة؟

ومن هنا نأتي لفائدة في هذه النكتة وإيجابياتها القيمية المرحلية للموازنة بين نظرة الفكر العربي القديم والحديث؟ فالأقدمون من نقاد وفلاسفة وعلماء لغة لم يكونوا يعنون بمثل هذه الأفكار حتى في كثير من الجانب السياسي. وتراثنا العربي بصبغة بيئته الثقافية كان أكثر تسامحا من حداثتنا المشوهة، وإلا لما وصلنا شعر ما قبل الإسلام، ولما حظي الأخطل المسيحي بما حظي، ولا حتى حفظ ما ورد من شعراء اليهود العرب كالسموأل وغيره.

وهكذا، شاء السنة والشيعة أم لا، فالمتنبي إسلامي الديانة، شيعي المذهب، إنساني الفكر، عربي الهوية والانتماء، وقد أشار لمذهبه بعض العلماء الكبار المعتد برأيهم ومنهم أمين المحققين محمود شاكر، رحمه الله. علما أن المتنبي لم يعن بمذهبية، أو رؤية سياسية تخصه، وكان من الذين يهيمون باقتدار في كل واد وأرض، معتزا بشخصه وبعروبته، ولا يلاحظ مفهوم التشيع في شعره.

إن مرحلة المتنبي تحكي لنا أنساقا اجتماعية تكونت من ملل ونحل عدة، بخاصة في منطقة الشام، والعراق، تعايشت باختلاف دون خلاف، وكان العرب حينها وفي فترات كثيرة مفترقين سياسيا وجغرافيا، مظلتهم ثقافة عربية متوالدة بمذاهب واتجاهات، ولكنهم عملوا حثيثا على الاتحاد ضد الغزو الأجنبي، فأوهنهم تفككهم….
فهل يتعلم العرب المعاصرون من مفاهيم التفكير الثقافي وتطبيقه في البيئات العربية القديمة ومن مؤشرات حياة المتنبي؟

رحم الله المتنبي، أنموذج شعر عالمي، عاش معجزة، ومات معجزة، والعاقل خصيم نفسه..
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى