أقلام

معالم العظمة من شخصية الإمام المجتبى (ع) (٢)

السيد فاضل آل درويش

ما يزال الحديث يدور حول جوانب العظمة في شخصية الإمام الحسن المجتبى (ع)، التي تعد نبراس هدى وقبس حقيقة في وسط دياجير الظلمات والجهل والشبهات، ومن تلك الجوانب المهمة في شخصية الإمام الحسن هو حلمه وضبطه لنفسه أمام أي توتر أو انفعال، فقد تواردت المواقف التي لاقى فيها الإمام ما يستفز المشاعر ويغلي الدم في العروق بسبب إساءة أو إهانة، ولكنه في كل تلك المواقف يثبت (ع) أنه تجسيد للتعاليم القرآنية وهو المنبيء عنها بشكل عملي، فقد واجه الضغوط النفسية المتولدة ممن امتلأ قلبه غيظًا وحقدًا وألقى عليه أقذع الكلمات وأقبحها فواجهها (ع) بكل شجاعة ورباطة جأش وهدوء وحكمة، فقد كان (ع) يقابل الإساءة بالمغفرة والتسامح ويقابل صاحبها بوجه نوراني يكون سببًا في عودة بعضهم عن غيه وانحرافه، فيشرق قلبه بنور الهداية بين يدي الخلق الرفيع وحلم الإمام والصفح عنه، وهذه السيرة العطرة في التعامل مع اللحظات الصعبة في حياتنا حينما نقع تحت وطأة الانفعال الشديد أو الضغوط الحياتية أو ألم إخفاق أو مشكلة نمر بها تعد قبسًا نورانيًّا في مواجهة الإساءات بالتسامح بدلًا عن الانفعالات الشديدة، إذ نشعر عند الغضب بتعكر في المزاج وعدم القدرة على الاتزان في كلامنا وتصرفاتنا، فكيف يمكن لنا أن نتحصل على نفس هادئة تتعامل بحكمة وضبط مع المواقف الصعبة، فلا نتهور في ردات أفعالنا تجاه أي احتكاك أو استفزاز أو نقاش ساخن قد يجرنا إلى ويلات الخلافات والخصومات والمشاحنات وتدهور العلاقات ؟!
بلا شك أننا نشعر بالخسارة الفادحة الناتجة عن نوبات الغضب وما ينجم عنه من مشاكل نقع فيها، إذ الإنسان في لحظات الغضب يخرج عن اتزانه ومرجعيته للعقل، ويصبح كائنًا آخر قد عميت بصيرته وأمامه سحابة دخان لا يبصر بسببها، فيتحول فمه إلى مدفع يطلق قذائفه بكل اتجاه من خلال الكلمات القاسية و البذيئة، إذ يشعر حينها بأنه قد تعرض إلى هجوم كاسح وعليه أن يدافع عن نفسه بكل الطرق والوسائل و لا يسكت عنه، فيتوهم أن مقابلة الإساءة والكلمة النارية بمثلها أفضل طريقة للمحافظة على وجوده، وخصوصًا إذا كان بمحضر الآخرين فيخاف أن يسقط من أعينهم ويتهمونه بالضعف والانهزام، غير مدرك أن نوبات الغضب ومقابلة الإساءة بمثلها تعد أكبر عامل في هدم العلاقات وترهلها، كما أن نوبات الغضب تعود على صاحبها بالويلات حتى في صحته ومكانته الاجتماعية ونفرة الآخرين عنه، كما أن العلاقات الاجتماعية تتحول إلى كتل من الحقد والكراهية مما يفقدهم روح الاحترام والثقة والتعاون.
التعاليم الدينية أكدت على العلاقات بين أفراد المجتمع ووصفتهم في تكاتفهم بالبنيان المرصوص، وهذه العلاقات المستقرة قوامها الاحترام والتفاهم والتعاطف والبعد عن كل مسببات الزعزعة وعدم الاستقرار، والحالات الانفعالية وردات الفعل غير محسوبة العواقب تخرب تلك العلاقات وتستبدل الأخوة بالكراهية والمشاحنات.
يظن البعض أن التعامل مع الآخرين بخشونة قسوة يحفظ له هيبته ومكانته ويمنع الغير من التطاول عليه، بينما في الحقيقة أنه يفقد احترامه ويصبح شخصية مبغوضة ويتجنبه الناس اتقاء شره وعدوانيته، كما أن مقابلة المسيء بمثلها لن يحل الموقف المتأزم بل سيدخله في مسلسل من المشاكل والخصومات، فما أحوجنا إلى النهج الحسني الأخلاقي والتربوي في التعامل مع المسيئين بهدوء وحكمة بدلًا عن التوتر الناجم عن الاحتكاكات اليومية في ميدان الدراسة أو العمل أو الأسرة.
وتلك المشاجرات التي تنتج عن مقابلة الإساءة بمثلها في المجالس بين الأصدقاء أو طلاب المدرسة أو الجيران تنبيء عن افتقادنا لخلق التسامح وكظم الغيظ وتجنب ردات الفعل العنيفة، فإذا تلقى الجميع تربية تقوم على التحلي بالهدوء وتجنب الدخول في مواجهات كلامية مع الآخرين وإن أساؤوا إلينا، بالتركيز على الخطوات الحكيمة والعقلائية والنظر في النتائج قبل الإقدام عليها، مبدأ احتواء الموقف والحوار يعني التوقف عن الاسترسال ورد الكلمة بمثلها لئلا يتحول إلى صراع ومشاحنة وحدة وتراشق في الكلمات، وهذا الخلق لن نكتسبه دفعة واحدة بل هو نتيجة لتمرين النفس على الصبر مع كل موقف نشعر فيه بالإساءة أو التجاهل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى