أقلام

تم الاختراق

أمير الصالح

ارتبط مصطلح اختراق تلقائيًّا بالحواسيب والجوالات والعالم الرقمي والأمن السيبراني والذكاء الصناعي. تدافع الأفراد والشركات حول العالم لشراء برامج وأنظمة حماية لأجهزتهم الإلكترونية والحواسيب لحمايتها من الاختراق الرقمي عبر الفيروسات الرقمية، وكذلك لتحصين أنفسهم وشركاتهم من أساليب القراصنة الرقميين (الهاكرز) المتنوعة؛ لا بل انخرط عدد كبير من الناس في حضور دورات ومحاضرات وندوات توعية لتحصين أنفسهم وحماية أجهزتهم وزيادة حجم إدراكهم ووعيهم بكل شاردة وواردة بجديد أساليب أهل الشر في اختراق الهواتف النقالة والحواسيب والتطبيقات. وهذا فعل عقلائي محمود ونافع ومُحبذ ويُنصح به.

هناك اختراقات عدة تمت قبل نشوء العالم الرقمي في مناطق وأقاليم عدة. ومن تلكم الاختراقات اختراق صفوف أهل الجود واختراق صفوف أهل الحكمة والإيمان، واختراق صفوف أهل الفضيلة عبر أشخاص يتلبسون بلباس العفة والطهارة والكلام المنمق ليخترقوا الصفوف ويستحوذوا على الدفة ويربكوا المشهد ويثيروا الفتن ويهدموا العلاقات ويفتتوا العلاقات ويحطموا القيم ويشوهوا القدوات ويطعنوا ظهور الصالحين ويتاجروا بقضايا المتعففين.

هل تساءلت يومًا عمن انقلب على عقبيه فأصبح من مدافع عن قيم سامية إلى متهتك لها ومتهكم ومستهزئ على القيم النبيلة ذاتها وعلى أتباعها؛ سواء كانت قيم أسرية محترمة أو مبادئ دينية مرموقة أو تعايش سلمي مستقر أو حريات متزنة، فأضحى ذلك المنقلب على عقبه، منتهكًا لمحرمات ونازعًا للباس الحياء ومروجًا للمجون ومبررًا لأفعال أهل الرذيلة وسارقًا للحقوق ومحرفًا للكلم ومتلاعبًا بالمصطلحات وطاعنًا بالقدوات ومثبطًا للهمم. فانفلت ذاك الفرد أو تلكم المجموعة ضد المجتمع وأضحوا من أشخاص مُنادين بالإصلاح والمراجعة والشفافية في زمن ما إلى متبنين لكل عمل مشين ومنبوذ ومقزز ومُربك للمجتمع!!!

هل راجعت وتساءلت يومًا من الأيام عمن كتب التاريخ وكيف كتبه وتحت أي ظروف وأين أقوال الأطراف الأخرى ممن كُتب عنهم وما هو رأي الضحايا بما كُتب فيهم وفي حقهم ؟! فإذا كان المنتصرون هم من يكتبون التاريخ، فهل تعتقد بأنهم أنصفوا أو ينصفون من كتبوا عنهم ؟! وإذا كان المنتصرون كتبوا، فحتمًا هناك من يمدهم بالمادة وهيكل السردية المراد تمريرها عبر التاريخ للقراء عبر الزمن، وإيراد بعض الأسماء وبعض المعلومات الصحيحة في سرديتهم تضفي نوعًا من الخلط بين الحق والباطل للتشويش على الرواية والسردية والقصة الحقيقية.

فإذا كان شخص ما صاحب وعي أو يدعي امتلاك الوعي فمن المروءة والشهامة والرجولة أن لا يهين ضحية مستحقرة لقلة الحيلة ولا يستقوي على ضعيف مهمل لا حول له ولا قوة ولا يبدي قوته على طفل صغير أو أمرأة ضعيفة أو عامل بسيط مغترب. ومن الشهامة ألا يرقص مدعي الوعي على جراح الآخرين. ومن الشهامة أن يطرح مدعي المعرفة حلول قابلة للتنفيذ لمساعدة الآخرين؛ لا أن يطرح عراقيل ويثبط هممًا ويفتح جراح جديدة ويتهكم على الآخرين تحت ادعاء أنه يمارس النقد حرًا، أو طرح الرأي الشخصي، ومن الشهامة أن يكون الإنسان لبنة بناء لمجتمعه / ها ووطنه / ها لا أن يكون معول هدم لهما أو تحريض أو إثارة بلبلة أو أداة تمزيق للصف الواحد. ومن الشهامة أن يسعى الواعي لكسب قلوب من هم حوله من الصادقين، لا أن يكسب جولة جدال ضدهم ويتهكم على الآخرين. ومن الشهامة أن يحاور الواعي ومدعي الوعي الآخرين بكل أدب ومنطق وعقل ورصانة، لا أن يهاجمهم أو يغدر بهم أو يُحرض عليهم.

قد يفتتن البعض ممن يولع قلبه بحب الأفكار المغايرة ظنًا منه بالتفرد والتمييز فيستنسخ أطروحة/ أطروحات مشاكسة وشبهات مشاغبة وجدالات عقيمة دون إدراك منه بخواتيمها، فيقع مدعي الوعي في الفخ ويصبح دون استشعار منه شخصًا مُخترقًا وإن حسب أنه واعٍ.

أدوات الذكاء الصناعي AI وصناعة تزييف المعلومات misinformation والتضليل الإعلامي وموجات السيطرة على العقول وإدارة المغالطات المنطقية جعلت البعض ممن يدعي الوعي ولا سيما قليلي التجربة وضحلي الفكر، ألعوبة وأضحوكة لدى أناس قابعين في أطراف أخرى من العالم وعبر المحيطات ممن يكنون الكره والحقد ضد الأديان والاستقرار والإنسانية.

بين بث سموم خلط الأوراق وإثارة الشبهات وترويج صور/ مقاطع إباحية عبر النت، وتضليل إعلامي مقصود ومُهندس باحتراف، وتقارير وكالات أخبار عالمية مغلوطة، والعُجب بالنفس لدى البعض وقلة الإدراك لتشعبات الواقع، ضاع وسيضيع وقد يضيع أُناس يدعون الوعي والفهم لمجرد أنهم قرؤا كتبًا مثل: رواية ١٩٤٨، نهاية التاريخ، صراع الادمغة، السيطرة على الجماهير … إلخ. فالأمر أكبر من ذلك كله.

علامات الاختراق

هناك عدة علامات تدل على اختراق الشخص من قبل أهل السوء واتخاذهم له مطيه لتمرير مشاريعهم السيئة، ومنها:

١-الحسبان الخاطى

سورة الكهف، آية 104، صفحة 304

( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)

٢-الصد عن سبيل الله

سورة الزخرف، آية 37، صفحة 492

(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)

٣- تبني القدوات السيئة

سورة الأعراف، آية 30، صفحة 153

(فَرِيقاً هَدى‏ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)

٤- الحلف كذبًا والمراوغة في الكلام

سورة المجادلة، آية 18، صفحة 544

(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ)

٥- العُجب بالنفس والنفاق

سورة المنافقون، آية 4، صفحة 554

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)

ختامًا

كل جهاز حاسوب وهاتف نقال مشبوك ومرتبط بشبكات الاتصال المفتوحة مُعرض للاختراق عبر فيروسات إلكترونية متعددة ونشطة؛ ولذا وجب تحديث نُسخ التطبيقات وصيانة أجهزة الحواسيب والجوالات بشكل دوري لضمان عدم الاختراق أو تقليل احتمال الإصابة بالاختراق. وكذلك كل إنسان واعٍ مرتبط بعمل ومحتك بالناس والعالم والفضاء الرقمي حيث نقاش الأفكار وقراءة الإيدلوجيات والاحتكاك بقروبات مختلفة التوجهات فإنه مُعرض للاختراق والتعرض لفيروسات أخلاقية ومغالطات عقائدية وشبهات فكرية إن لم يُحصن نفسه وعقله وقلبه بشكل دائم ودوري من الوقوع في حبال الشياطين. في مقابل جملة ” تم القبض” المستخدمة في حق هاتكي القانون؛ حتمًا يتداول بعض المجرمين جملة ” تم الاختراق” عند الإيقاع بضحية أو التغرير به أو تجنيده. فليسعَ كل إنسان شريف وغيور وصالح وذي وعي أو ساعٍ لتحصيل الوعي أن يُحصن نفسه أولًا ومحيطه ثانيًا من أهل الشر، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارًا وَقُودُهَا النَّاسُ) سورة التحريم، آية 6، صفحة 560. وكل أبناء آدم خطاءوون وخيرهم من تاب قبل فوات العمر وانقضاء المدة. فالوعي الحقيقي لا يعني معرفة أسماء مفكرين وروايات مشهورة، وحضور ندوات، بل هو ترجمة واقعية صادقة عبر سلوكيات ومبادرات وتعاملات وحوارات ومقالات ومشاريع وأعمال محمودة العواقب وناضجة الأركان وقوية البصيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى