أقلام

الحسين والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

أمير بوخمسين

الإمام الحسين (ع) من خلال نهضته التي أعلن فيها انتفاضته إلى استشهاده قام من أجل الإنسان وكرامته وحريته، ومن أجل ترسيخ وتوثيق كافة العهود التي تمثلت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي جاءت فيما بعد، ودعا إليها عبر حركته المشهودة تاريخياً، والتي دونّها القاصي والداني من مختلف الأمم والشعوب وتم توثيقها في أمهات الكتب والدراسات والأبحاث، إنها نهضة الحسين التي كانت منارة وطريقاً للخلاص لكافة الشعوب المقهورة من نير الاحتلال والاضطهاد. ولعلنا نجد في حركته هذه المواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد تجسّدت عملياً من خلال أحداثها ودليلاً على عدالة القضية وأحقيتها وإنسانيتها، وهو ما ترجمه من خلال خطبه وكلماته عندما دعا فيها أصحابه وأعدائه. ومن أهم الحقوق التي أشار إليها الإمام الحسين (ع) في نهضته والتي أقرتها شريعة السماء:
1- الحق في الحياة وكرامة الإنسان:
ينظر الإسلام إلى حياة الإنسان بنظرة تقديس بحيث لا يجوز المساس بها إلا في أضيق الحدود قال تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ” المائدة (32). وفي يوم العاشر من المحرم قتل الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وصحبه بلا مبرر شرعي..
كرامة الإنسان وسلامته مطلب حضاري وبشري، فالكرامة من أهم الحقوق الإنسانية، التي تلتقي حولها جميع الحضارات والأديان السماوية، لأنه لا حياة مع القهر. ومعرفة حق الكرامة التي تعني الشرف والعزّ التي تشكل منشأ لاحترام أي موجود. وفي هذه المادة التي تعتبر الأولى في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أكدت على الحرية والكرامة، وأكدت على حالة التميّز لدى الإنسان عن سائر المخلوقات عندما خصته بامتلاكه العقل، والضمير وأنه لا تمييز بسبب العرق واللون والجنس واللغة أو الدين، أو الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الوضع الاقتصادي أو المولد. حيث تنص المادة الأولى (يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء) كما تذكر المادة الثانية (لكل إنسان أن يتمتع بالحقوق والحريات الواردة في الإعلان دون أي تمييز). وقد أكد الإمام الحسين(ع) في خطبه على ترسيخ الكرامة من خلال أقواله (ألا وإن الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات من الذلة، يأبى الله ذلك لنا) ويقول في موضع آخر (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد). قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات (13). فالمساواة كانت مثالا حياً في هذه النهضة عندما ساوى بين جون العبد الأسود وبين الغلام التركي واضح بن أسلم، وبين ولده علي الأكبر.
2- حرية المعتقد والرأي:
حرية الرأي والعقيدة ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” البقرة (256). ” لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ” الكافرون (6). تعتبر الحياة حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وحق الحياة مقدس، فلكل فرد حق العيش معززاً مكرماً سعيداً في حياته، لذلك جاءت الدساتير والقوانين، لحفظ النفس البشرية من الفناء والاندثار. إذ الحياة هبة من الخالق عزّ وجل، (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) فقتل الإنسان بغير حق محظور، أياً كان الإنسان، أسود أو أبيض، صغير أو كبيراً، حيث نصّت معظم القوانين والدساتير على حق الحياة كأمر مقدس. وكذلك حرية الرأي والمعتقد، يقول الإمام علي (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً) ويقول الإمام الحسين(ع) (إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم) وهذه إشارة إلى أهمية الحرية وأن يعيش الإنسان حراً في الدنيا حتى ولم يكن له دين، لأن الحرية مطلوبة ويشعر الإنسان بقيمته الإنسانية. في المادة الثالثة (لكل فرد حق الحياة والحرية، وفي الأمان على شخصه) ففي المادة الثامنة عشر (لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين) وفي المادة التاسعة عشر (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير).

3- حرية التنقل والإقامة واللجوء:
في طريقه إلى كربلاء أعترض طريقه الحر بن يزيد الرياحي، الذي دار حوار بينه وبين الإمام الحسين، من أجل السماح له بالعبور، وهو كان مُرسل من قبل والي الكوفة بن زياد آنذاك، ليقطع الطريق عليه حتى لا يذهب إلى كربلاء، وبعد حوار طويل أقنعه بأن يعطيه حرية التنقل، فقد كفل الإسلام حق اللجوء ومنح الأمان للمشركين فقال تعالى “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ” التوبة (6). وقال تعالى عن الكعبة المشرفة ” وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ” البقرة (125). ويزيد يكتب لعامله بمكة أن اقتل حسيناً ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة، ويوم عاشوراء ذكر الحر بن يزيد الرياحي القوم بكتبهم للحسين(ع) أن أقدم فقال (يا أهل الكوفة لامكم الهبل إذ دعوتموه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن وأهل بيته وأصبح كالأسير بين أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً). في المادة الثالثة عشر (1- لكل فرد حق في حرية التنقل، وفي اختياره محل إقامته داخل حدود الدولة. 2- لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده).
4- حق المساواة: –
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) و(كلكم لآدم وآدم من تراب) وقال تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (13). وقد ضرب لنا الإمام الحسين(ع) مثالاً يحتذى به في المساواة حيث قام بيده الشريفة بحمل الكثير من الأنصار وأهل بيته ولم يميز بين وهب بن حباب الكلابي وهو نصراني أسلم على يدي أبي عبد الله وبين أولاده أو أنصاره، بل حتى جون وهو عبد أسود حضر عنده. في المادة الأولى (يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء). فالبشر في كل أقطارهم أسرة واحدة، مخلوقون من نفس واحدة، متساوون في الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية.
5- حق العدالة: –
قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا “النساء (59). وقال تعالى ” وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ “المائدة (49). ومن العدل والإنصاف أن الإنسان لا يقتل ولا تنتهك حرمته إلا بعد محاكمته أمام محكمة تتوافر فيها مقومات المحكمة الإسلامية الشرعية وهذا ما أشار إليه الإمام الحسين(ع) في خطبته (وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم). في المادة السابعة (الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون، دونما تمييز) وفي المادة الثامنة (لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الرئيسة التي يمنحها إياه الدستور أو القانون).
6- الحق بالملكية الخاصة: –
قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” النساء (29). وأموال مخيم الحسين(ع) يوم العاشر كانت هدفاً يتبارى عليه لجنود بنو أمية حيث سلبوا حتى ملابس الحسين(ع) وقطع أحدهم خنصره ليسلب خاتماً فيه. في المادة السابعة عشر (لكل فرد حق في التمليك بمفرده، أو بالاشتراك مع غيره. 2- لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً). وهكذا نتعلم من نهضة الحسين(ع) الالتزام بجميع جوانب حقوق الإنسان وتطبيقاتها على صعيد الفرد والمجتمع والأمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى