أقلام

وقفة مع الطب التجانسي homeopathy

غسان بوخمسين

في البدء، أود أن أضبط ترجمة ملائمة لمصطلح homeopathy إلى اللغة العربية، حيث ساد مصطلح (العلاج المثلي)، ولكن بسبب انتشار هذه اللفظة والدلالة السيئة للفظة (المثلي) في السنوات الأخيرة، سأستخدم مصطلح (العلاج التجانسي) ترجمة لمصطلح homeopathy
كلمة «هوميو» مشتقة من كلمة لاتينية معناها «مثيل»، و«باث» تعني «مرض».
العلاج التجانسي هو أحد العلاجات البديلة alternative medicine التي بدأت في أواخر القرن الثامن عشر في ألمانيا، وهو شائع في البلدان الأوروبية. وتنتشر المعالجة التجانسية على الإنترنت، وبلغت مبيعات العلاج التجانسي والعلاج العشبي حوالي 6.4 مليار دولار في أمريكا فقط، عام 2012.
بداية هذا العلاج كانت في القرن الثامن عشر مع الطبيب الألماني صامول هانيمان Samuel Hahnemann 1755- 1843م.

صامويل هانيمان

بصفته أب، كان هانيمان مهمومًا بحماية الأطفال من العديد من الأمراض التي يتعرضون لها، خاصة مع عدم رضاه على التقنيات الطبية المتبعة في ذلك الوقت. أدى الافتقار إلى المعرفة الطبية، والإيمان بالخرافات والأرواح الشريرة إلى قيام الأطباء باتباع ممارسات علاجية عنيفة، مثل سحب الدم من جسم المريض، أو اللجوء للتقرح. كما قام الأطباء بصرف جرعات ضخمة من أدوية مثل الزئبق والزرنيخ والأفيون بغرض تنظيف الأمعاء، ولكنها تسببت في تراخي الأسنان وتساقط الشعر وغيرها من أعراض التسمم الحاد بالزئبق. علاجات كهذه كان من شأنها أن تزيد المرض، بل وتقتل المريض.
.كان يعتقد أن جرعات صغيرة من الأدوية الطبيعية يمكن أن تثير أعراض الأمراض التي يسعون إلى علاجها، مما يدفع جهاز المناعة لتطوير أدوات للدفاع عن نفسه ضد تلك الأمراض. لسنوات، جنّد هانيمان عائلته لإجراء تجارب واختبار أكثر من 2000 مادة تتراوح من الأعشاب إلى سم الأفعى، وتسجيل النتائج بعناية ثم بدأ في تطبيق علاجاته على المرضى الفعليين. في البداية، لاحظ هانيمان أن مرضاه أصبحوا أكثر مرضًا بسبب مواده. دفعه ذلك إلى تخفيف أدويته إلى جرعات أصغر وأصغر للعثور على أصغر جزء ممكن من شأنه أن يستمر في تحفيز استجابة الجسم. ولدهشته، اكتشف أن العلاجات المخففة كانت أكثر فعالية في علاج الأمراض. لاحظ هانيمان بعد تناوله «عصارة الكينا» (Cinchona) علاج للملاريا، ارتفاع في درجة حرارته، وهو تأثير يماثل ما يعالجه الدواء، فاستنتج أن الأمراض يمكن علاجها بأدوية تُحدِث نفس الأعراض التي يسببها المرض، اعتقد هانيمان أن التخفيف (التمديد) المتسلسل للمادة المستخدمة مع رج المحلول بعد كل تخفيف يزيل التأثيرات السامة للمادة ويحتفظ المخفف (الماء أو السكر أو الكحول) بالصفات الأساسية للمادة.
بعدها كتب أشهر كتبه الذي أصبح مرجعًا في العلاج التجانسي Organon of Homoeopathic Medicine.

كتاب صامويل هانيمان في الطب التجانسي

بالرجوع إلى بعض مواقع العلاج التجانسي التي تشرح طريقة عمل هذه الأدوية، نجد هذا الشرح: تعمل الأدوية التجانسية عن طريق توصيل الطاقة عبر جسم الإنسان بالكامل، لبدء عملية الشفاء الموجودة فيه، وتوقظ وتحفّز القوة العلاجية بالجسم. ولا يخفى على القارئ الكريم غموض العبارة أعلاه وعدم علميتها، إذ لا مجال لفحص هذه العبارة ووضعها تحت الاختبار العلمي.

تقوم المعالجة التجانسية على قاعدتين رئيستين:
الأولى: قاعدة like cures alike الشبيه يشفي الشبيه، وهو أن العنصر الذي قد يتسبب بأعراض في شخص سليم. قد يتمكن نفس العنصر بشفاء مريض لديه أعراض مشابهة، شريطة استخدام العنصر بتركيز مخفف جدًا، مثل استخدام سم النحل لعلاج حساسية الجلد.
القاعدة الثانية قاعدة الجرعة الأقل low of minimum dose أو Potentization أو التفعيل، ويتضمن عملية طحن الأدوية، وتخفيفها أو تدفقها، والتي ادعى هانمان أنها تغير من خصائصها وتطور قواها الديناميكية أو ما صار يعرف (بالطاقة الحيوية)، مما يساعد في شفاء العديد من الأمراض عند تناولها بجرعات ضئيلة.

طريقة تحضير الأدوية التجانسية:

المنتج النهائي يمكن أن يكون حبوب، أو كريم، أو قطرة عين، أو معجون أسنان وغيره.

مثلاً لو أخذنا 1 مل من مادة X وأذبناها في 9 مل من الماء أو الكحول ينتج 1X الذي هو أقوى من المادة X الأصلية، بعد ذلك نأخذ 1 مل من 1X ونذيبه في 9 مل من الماء أو الكحول ينتج 2X وهذا الناتج ضعف قوة التأثيرل 1X وهكذا، وكل ما زادت مرات التخفيف زادت الفعالية والتأثير العلاجي.
فكرة هذا المبدأ، أن الماء لديه ذاكرة، أي بإمكانه الاحتفاظ بذاكرة لأي مركب احتوى عليه سابقًا، وهذا الادعاء قائم كذلك على مبدأ الطاقة الحيوية. هذا الادعاء غريب جدًا ولا يمكن فحصه واختباره حسب المعايير والمنهج العلمي، وبالتالي لا يمكن القبول به والاعتماد عليه في الممارسة الطبية الحديثة.

كذلك توجد قاعدتان فرعيتان للمعالجة التجانسية.
قاعدة العلاج بالدواء المفرد، أي دواء لكل علة ولكل شخص على حدة، حتى بلغت الأدوية التجانسية أكثر من 4000 دواء، وقاعدة توجيه العلاج (قانون الإثبات)، فهو يتعلق بتجربة الدواء وتحديد تأثيره العلاجي بشكل مدروس، بحيث تبرز الأعراض بشكل خفيف، مما يحرك النظام الدفاعي للجسم ضد مسببات المرض المستترة.

أحد الشروحات التي وجدتها للطاقة
الحيوية:
هي مجموعة من الذبذبات الكهربائية والكهرومغناطيسية والحرارية والضوئية والصوتية، التي يتم التعامل فيما بينها لتوليد حقل الطاقة حول جسم إنسان وداخله، وغيره من الموجودات، وهي المحرك الباعث على النشاط والحركة لدى الإنسان وجميع المخلوقات، فكل شيء عبارة عن طاقة في صورة من الصور المادية تختلف باختلاف كثافة تذبذب الطاقة بها وسرعتها. وكذلك فهي عبارة عن ذبذبات اهتزازية مسؤولة عند الإنسان عن الصحة النفسية والعقلية والجسدية وهي الغذاء الدائم له، وتساعد الدماغ على القيام بعملياته العقلية المختلفة التذكر والوعي وتبعد المشاعر السلبية المدمرة مثل الغضب والخوف والقلق وعندما تنساب الطاقة ينعم الإنسان بالسعادة والرضا وتنساب بدون عوائق.
كذلك توجد فكرة قوانين الشفاء الثلاثة التي وضعها قسطنطين هيرنغ وهو الأب الروحي للمعالجة التجانسية في أمريكا.
بطبيعة الحال، لن أعلق على هذا الشرح للطاقة الحيوية وأترك الحكم للقارئ الكريم أن يحكم بنفسه.

قسطنطين هيرنغ Constantine Hering

بعض الإشكالات المطروحة على الطب التجانسي:

/1 في عام 2010 قالت لجنة العلوم والتكنولوجيا في البرلمان البريطاني، أن أدوية العلاج التجانسي لا تنفع في شي. في عام 2017 NHS في بريطانيا توقفت عن دعم العلاج التجانسي بحجة أنه لا يعالج أي شيء، وهذا القرار أكدته وصدقت عليه المحكمة العليا في بريطانيا عام 2018.

/2 ‏هيئة الغذاء والدواء الأمريكية حذرت في عام 2017 من الأدوية العلاج التجانسي، حيث وجدت مادة البلادونا في معاجين الأسنان وكذلك تلوث بمواد سامة في أدوية الربو وكميات كبيرةً من الكحول المركز في بعض العلاجات، كذلك صدرت تحذيرات مماثلة من من CDC في أمريكا ومنظمة الصحة العالمية ومجلة bmj بعدم التعامل مع هذا النوع من الطب، لخطورته على الصحة.
3/ يقر أرباب العلاج التجانسي بعدم إمكانية اختبار المعالجة التجانسية باستخدام تجارب إكلينيكية عشوائية مزدوجة التعمية؛ بحجة أن كل مريض فريد من نوعه والعلاجات التجانسية تكون موصوفة لحالة المريض الخاصة، مثلًا 10 مرضى مصابين بالتهاب المفاصل، سيحتاج كل واحد منهم علاج مختلف عن الآخر، هذا الاختلاف ناتج عن تفرد كل مريض بحالته الصحية والنفسية، ولكن هذا المبدأ لا يؤسس لمنهجية واضحة لإرساء خطة واضحة وتوصيات إرشادية منضبطة.

4/ يدّعي أصحاب العلاج التجانسي أن علاجاتهم رخيصة الثمن عكس الأدوية الكيميائية، وهذا صحيح لأنها في الغالب عبارة عن ماء أو كحول مع مادة سكرية ولا تحتوي على أية مادة فعالة، ولا تخضع للشروط الصارمة التي تضبط صناعة الأدوية، ولا تجرى عليها تجارب إكلينيكية للتأكد من سلامتها وفعاليتها، ويدعون كذلك سلامة أدويتهم وأمانها فهي لا تسبب أعراض جانبية، وجواب ذلك لعدم وجود مادة فعالة مؤثرة فمن أين ستحصل الأعراض الجانبية، بل أن كثير من المشاهير أجروا تجارب متعددة، بتناول جرعات هائلة منها ما يعادل جرعة شهر كامل دفعة واحدة ولم يحصل لهم أي أذى!، بل أن كثير من الدراسات العلمية قوية التأثير اعتبرت المعالجة بالأدوية التجانسية مكافئة لأدوية الغفل placebo.

بعض الأدوية التجانسية

5/ يزعم مناصرو الطب التجانسي أن التطعيمات هي نسخة مطابقة لمبدأ nosodes، وهي قسم محدد من العلاج التجانسي المشتق من عناصر المرض أو من الأنسجة المريضة، ويتم تعريفها على أنها علاج مُعد بالطريقة التجانسية مصنوع من منتج مرض معد إما مباشرة من البكتيريا أو الفيروس. والرد على مدّعاهم ان أدويتهم لا تحتوي على أية مادة يمكن قياسها أو اختبارها، بينما التطعيمات تحتوي على الميكروبات الممرضة وتحضر وفق ضوابط صارمة جدًا وتجري عليها اختبارات عديدة للتأكد من سلامتها وفعاليتها.

6/ أخطر مشكلة يمكن أن تنتج بسب اللجوء للمعالجة التجانسية، هي عدم استخدام العلاج الطبي القائم على البراهين والمدعوم علميًا، واستخدام طرق علاجيًا أقل ما يقال عنها أنها غير فعالة، مما يتسبب في تدهور صحة المريض بل في وفاته، وتوجد عشرات الحوادث لأطفال وبالغين أصرت أسرهم على المعالجة التجانسية وترك العلاج الطبي الرسمي، مما تسبب في وفاتهم، وفي هذا جريمة أخلاقية وجنائية.

كلمة أخيرة،
يمكن قبول العلاج التجانسي والتماس المعاذير له في وقته، أي قبل قرنين من الزمن؛ نظرًا لتخلف الطب حينها، ويمكن اعتبار عمل هانيمان اجتهاد منه لتطوير المعالجة الطبية حينها، ولكن حاليٍا مع وجود الطب الحديث المبني على البراهين evidence based medicine ، والتقدم الكبير الحاصل في الوقاية التشخيص والعلاج، وتوافر التقنيات المتقدمة جدًا، التي سهلت الكثير من الصعوبات، فلا معنى للقبول بممارسات أساسها كتاب وضعه مؤلفه قبل 250 عامًا، فهل يعقل أن يتشبث البعض بقواعد غير علمية عفى عليها الزمن، بل أن كثيرًا منها مستقى من أفكار الطبيبين اليونانيين أبقراط وجالينوس قبل أكثر من 2000 سنة!.
يمكنني تفهّم لجوء البعض لمثل هذه الممارسات غير العلمية، نتيجة يأسه وإحباطه من الطب الحديث، أو خوفه من استغلال شركات الأدوية، ولكن هل يكون الحل باللجوء للوهم والعلم الزائف وغير المبني على البراهين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى