أقلام

الثقة بالآخرين

زينب المطاوعة

العلاقة الإنسانية أرقى العلاقات وأقدسها لما لها من دور في ترابط البشر اجتماعياً وفق أسس من الصدق والوفاء والإيثار والثقة.
ومنذ العصور القديمة عرف العرب بقيمهم وأخلاقهم ومثلهم العليا ووفائهم بالعهد الأمر الذي جعلنا أكثر الأمم ترابطاً والتزاماً. ولكن مع إيقاع العصر الحديث السريع جداً، ومع تشابك المصالح وتضاربها أصبحت الثقة بين الناس عملة نادرة في هذه الأيام. ونجد الكثير يعاني من مشاكل بالثقة بالآخرين، وتُغلف بعض العلاقات بانعدام الثقة بين الأفراد.
وللعلم إن لم تكن لديك ثقة بنفسك لن تثق بالآخرين مهما فعلوا أو قالوا، فكم من مرة وعدنا أنفسنا بالقيام بأمر ما مثل عدم تعريض أنفسنا للخطر النفسي أو الجسدي، أو معاملة أنفسنا بلطف، أو شراء غرض لطالما رغبنا به، أو التقرب إلى الله أكثر والدعاء ولم نقم بذلك؟ عند تخاذلنا عن القيام بالأمر الذي نعد أنفسنا به يفقد الطفل الداخلي لكل منا الثقة، الأمر تماماً مثل أن نعد الطفل بأن نعطيه هدية إن أحسن التصرف دون أن نعطيه ليفقد الثقة بنا ويتوقف عن تصديقنا، بالتالي سيبرمج ذات الشعور على الآخرين ويجد صعوبة في إعطائهم الثقة.
وقد يكون السبب الرئيس لانعدام الثقة بالنفس وبالقرارات الداخلية نابعاً من التربية الخاطئة، فنادراً ما يستمع الأهل إلى قرارات وآراء أطفالهم ويأخذون بها، فمثلاً عندما يُطلب من الطفل الذهاب مع والديه لزيارة قريب ينزعج الطفل من اللقاء به لسوء تعامله معه إلا أن والديه يتجاهلان رأيه الداخلي فيتعلم الطفل حينها أنه لا يجب أن يستمع للصوت الداخلي الذي يرشده إلى التصرف في الأمور بل يجب أن يستمع إلى من هم أكبر منه وقد تتفاقم المشكلة وتلازم الطفل حتى عند كبره ليتجاهل على الدوام الصوت الداخلي لنفسه ويستمع إلى الآخرين، والحل هو بأن يحاول الشخص بقدر المستطاع أن يستمع لذلك الصوت ويتبعه ليكتسب الثقة بنفسه من جديد.
كيف تثق بالآخرين؟
لا يرغب أحد العيش في قوقعة منعزلاً عن الآخرين، وهو الأمر الذي يقوم به من فقد ثقته بالآخرين سواء كان بسبب تجربة سيئة مر بها في طفولته أو في الماضي القريب، ويمكن التخلص من هذه المشكلة واكتساب الثقة مجدداً باتباع الخطوات التالية:
1/ تنعدم الثقة بالآخرين بعد المرور بصدمة صعبة معهم وذلك لأن طبيعة الإنسان وغرائزه دفاعية وتضعف مخافة الوقوع في صدمة مؤلمة أخرى في المستقبل، وحينها يعتقد أن عدم ثقته مجدداً بالآخرين تحميه من الألم ولذا لا يجب أن يلوم الشخص نفسه لعدم ثقته بالآخرين، بل يجب أن يحدد سبب المشكلة الرئيس ويحاول حلها.

2/ من الضروري عدم تعميم تصرف شخص ما على الآخرين وذلك لأن الأشخاص مختلفون بطبائعهم فمنهم السلبي ومنهم اللئيم ومنهم من لا يستحق الثقة بينما يوجد أشخاص أخرون لطفاء ويستحقون الثقة ولذا من الخطأ أن يسمح الناس لتجربةٍ أو شخص سيئ واحد أن يدمر مقدرته على الثقة بالآخرين.

3/ عندما يتعرض الإنسان لموقف تخان به الثقة يفكر لا إرادياً بسوء الظن بالطرف الآخر ويشكك بأخلاقه ونواياه، ولكن عليه بدلاً من ذلك أن يفهم أن هذا الطرف هو إنسان والإنسان خطّاء بطبيعته.
تقول الدكتورة النفسية (جينيفر جنتايل) بأنه يجب التذكر أن معظم الأشخاص جيدون ويتمنون الخير للآخرين، وحتى هؤلاء الأشخاص الجيدون يرتكبون الأخطاء ويخونون الثقة أحياناً، الثقة التي يمكن أن ترجع لتكتسب عند الوعي العاطفي وعند الرغبة بالتعلم من الأخطاء.

4/ تحديد جذور مشكلة انعدام الثقة بالآخرين والبحث عن حلها وذلك بتحديد سبب المشكلة والإفصاح عنها سواء كان لصديق مقرب أو لطبيب نفسي، وذلك يساعد على التخلص من المشكلة والمضي قدماً للثقة بالآخرين.

ختاماً..
حياتنا مليئة بالظروف والأحداث والمواقف التي من خلالها نتعرّف على معادن الآخرين ومكانتنا عندهم، فقد نجد أشخاصاً يقفون معنا مهما اختلفت الظروف فتزداد ثقتنا بهم، وأشخاصاً يبتعدون عنا في بداية الطريق وهنا نعرف أنهم غير جديرين ولا يستحقون أن يكونو معنا، وكلما كانت لديك ثقة بنفسك فإنك ستلهم الآخرين الثقة وتزرعها فيهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى