أقلام

ماذا سيفعل أرسطو في الجائحة؟

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

الناس الذين يتأملون في الأخلاق من أجل العيش- الفلاسفة الأخلاقيين – غالبا ما يصطنعون تجارب فكرية تنطوي على سيناريوهات غير محتملة الوقوع  إلى حد كبير لاختبار نظرياتنا تحت الضغط.

لاحظ القاعدة القائلة بأنه يجب علينا اتخاذ أي إجراء ضروري لإنقاذ معظم الأرواح، والتي تبدو وكأنها أمر بديهي.

ولكن لنفترض الآن أن شابا سليما يأتي إلى المستشفى لإجراء فحص روتيني، وكما يحدث، المستشفى مشغول بعلاج ستة مرضى محتضرين، يحتاج كل منهم إلى عضو حيوي مختلف، لذا قرر الأطباء أن يقتلوا الشاب بطريقة رحيمة وأن يستخدموا أعضاءه لإنقاذ المرضى الستة من فكي الموت.

هذا السيناريو يمثل تحديا للنفعية- وجهة النظر القائلة بأن عمل الشيء الصحيح يشتمل على التصرف لتحقيق الخير الأعظم لأكبر عدد من الأفراد، وهذا ما فعله الأطباء- ولكن هل فعلوا الشيء الصحيح؟

ما يجعل هذه اللحظة سريالية للغاية هو أن المواقف الغريبة التي يحلم بها الفلاسفة الأخلاقيون أصبحت عملا واقعيا عندما نواجه جائحة كوفيد-19، الأطباء الذين يواجهون نقصا في المعدات الحيوية كأجهزة التهوية( التنفس) مطالبون لاتخاذ قرار مرعب بمن يجب التضحية بحياته من أجل أن يعيش الآخرون، نواجه أيضا خيارات مستحيلة على المستوى المجتمعي.

الحاجة إلى التباعد الاجتماعي القاسي للحد من انتشار الفيروس تتناقض مع الحاجة إلى إنقاذ الاقتصاد، مع فوائده المنتشرة في الصحة والرفاهية.

هل يجب تشجيع الشباب اللائق بدنيا، الذين يمكنهم مقاومة الفيروس بشكل أفضل، على العودة إلى الحياة اليومية واستئناف الأنشطة العادية، على الرغم من أن ذلك من شأنه إطالة دورة الفيروس، وبعواقب مميتة للأقل قوة منهم؟على الرغم من أن مرض كوفيد-19 فريد من نوعه في نواح كثيرة، الطاعون الدملي/ الدبيلي, والوباء الفيروسي المعدي هما قديمان قدم الإنسانية، وكالتوترات بين حقوق ومصالح الأشخاص وأولئك الناس من المجتمع.

فقد تأملت العقول العظيمة في هذه التوترات من آلاف السنين، ونحن يمكن أن نتعلم من أفضلها: أرسطو وجون ستيوارت ميل و ايمانوئيل كانط كل منهم قدم مقاربة مختلفة، للمسائل الأخلاقية المتكررة والمعمرة.

جون ستيوارت ميل، وهو نفعي ملتزم بمبدأ النفعية( يرى ويزن الأشياء بحسب مطابقتها لهذا المبدأ ‪utilitarian of nuance‬)، من شأنه أن يقول لأطباء التجربة الفكرية الأسطوريين أن الحساب النفعي يجب تطبيقه على قواعد لا على أفعال محددة، بالنظر إلى المعرفة المحدودة واستقامة الناس الفاعلين، فإن من شأن سياسة المستشفيات والتي يخول  فيها الأطباء القيام بإزهاق بعض الأرواح  لإنقاذ أرواح أخرى أن تنتهي بإلحاق الضرر بمزيد من الناس أكثر من السياسة التي تقول” لا تلحقوا أي ضرر”.

هل يمكن لحكام الولايات مناشدة جون ستيوارت ميل لتبرير قرارهم لإبقاء دور العبادة مفتوحة، أثناء الجائحة لأن ذلك القرار يقر بحرية الناس في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.

بالتاكيد لا، فقد أشاد جون ميل ستيوارت بالحرية كما لم يشد بها أي أحد من قبل، لكنه تابع قوله:” الحرية الوحيدة التي تستحق اسم الحرية، هي أن نسعي وراء مصالحنا بطريقتنا الخاصة، طالما أننا لا نحرم الآخرين حقوقهم”، نعم ، على العباد( المصلين) أن يكونوا أحرارا في عبادتهم، لكن عدوى المرض تعني أنهم سيحرمون الآخرين من حرياتهم – على وجه الخصوص، اختيارهم أن يعيشوا  في صحة جيدة.

لم يكن امانوئيل كانط نفعيا، ورأى أن بعض الأفعال( التصرفات) كانت صحيحة في الجوهر، وأخرى ليست كذلك، بغض النظر عن مآلاتها، والتي غالبا ما تكون معقدة للغاية بالنسبة لنا لنتمكن من حسابها.

فكيف نميز ما إذا كان الفعل( التصرف) وجيها في الجوهر؟ قدم كانط اختبارين، الأول هو اختبار التعميم- وراء كل فعل  (تصرف)- يكمن مبدأ( قاعدة عامة‪ maxim‬)خفي يحكم ضمنيا قرار الشخص للقيام بتنفيذ فعل ما، بالنسبة إلى كانط، نحكم على القيمة الأخلاقية للفعل من خلال معرفة ما إذا كان يمكن جعل مبدأه العام عالميا كقاعدة عامة يتبعها الجميع.

يرى كانط أن ممارسة الحرية أمر أساسي لكرامة الإنسان، لاحظ شراء الذعر الذي أحدثته الجائحة، الشخص الذي يشتري بضع لفات إضافية من ورق التواليت خوفا من نقصه/ شحه، لا يؤذي أي شخص.

لكنه يتصرف على أساس أنه إذا كان هناك  شح محتمل، إذن اشتر منه كميات كبيرة، القاعدة تناقض اختبار التعميم، بغض النظر عن السلعة/ البضاعة، عندما يقوم الجميع بتكديسها، فإن ذلك سيحدث نقصا/ شحا يتحوط الناس منه، المعيار الثاني لكانط هو الغاية في حد ذاتها: تصرف بطريقة كما لو لم تعامل/ تتصرف( تحسن التصرف) ‪treat‬مع الناس قط، سواء كنت أنت أو الآخرين، ببساطة كوسيلة لتحقيق غاية ولكن كغايات في حد ذاتها.

حتى نفهم ما يدور في خلده يجب أن نفهم أن كانط، مثل جون ميل ستيوارت، يرى أن ممارسة الحرية أمر أساسي لكرامة الإنسان.

إن استخدام شخص ما باعتباره مجرد وسيلة هو إشراكه في مخطط عمل لا يمكنه الموافقة عليه من حيث المبدأ وبسلبه حريته، فأنت تقلل من إنسانيته، قد ينطبق هذا على المعضلة المجتمعية المتمثلة في ترتيب أولويات الاقتصاد، مع فوائده المنتشرة بالنسبة للكثيرين، والذي يأتي على حساب أوئل الرواد الذين يعودون إلى العمل.

لو تم إرسال الشباب واللائقين بدنيا من الناس لبدء حركة الاقتصاد بسرعة، فهل هم  لا يعاملون على أنهم مجرد وسائل لا غايات في حد ذواتهم؟ هل سيوافقون على تعريض أنفسهم لكوفيد- 19 أو نقل المرض إلى أحبائهم؟

الفرق بين المنهجين النفعي والكانطي لا ينبغي أن يخفي أوجه التشابه بينهما، كلاهما يرى نقطة الأخلاق على إنها تخفف( تلطف) من مصلحة الشخص الذاتية بالتسليم  بمصلحة الآخرين الذاتية، على الرغم من أن كليهما يؤكد أن حق الفرد في الاختيار هو أمر حاسم لكرامة الإنسان ، فإن كليهما يعتقد أيضا أن الأخلاق تتطلب منا  تلطيف هذه الفردانية بالتسليم بالصالح العام، وراء وجهتي النظر هاتين، نجد الرؤى الأخلاقية الرئيسية التي يهتم بها جميع الناس.

البديل الثالث الذي يتناقض مع قناعات هاذين الفيلسوفين التنويريين، هو أخلاق أرسطو الفاضلة، أرسطو انتقى من بين أشياء أخرى غرس الفضائل في النفس، بما في ذلك العفة والشجاعة والعدالة والسخاء.

إن السبب الذي من أجله يجب علينا رعاية هذه الفضائل هو  المنفعة( المصلحة) الذاتية برمتها: أن نعيش أفضل حياة ممكنة، الحياة المزدهرة أو ما سماه ب اليودامنيا/ بالسعادة ‪eudaimonia‬، ومن الصحيح أيضا أن الشخص الفاضل يفيد مجتمعه، في حين قد يجعله ذلك محبوبا ومحترما ، إلا أن هذه التأثيرات الجانبية ليست هي التي جعلته فاضلا، فضيلة السخاء ذات أهمية خاصة في فترة  الضراء هذه التي نعيشها، إنها ليست مجرد استعداد للتضحية.

يقول أرسطو:” الشخص السخي سيعطي، بحق، لأنه سيعطي الأشخاص المستحقين، وسيعطون المبالغ المناسبة للحاجة وفي الوقت المناسب، ويفي بجميع الشروط الأخرى للعطاء المناسب”.

ومن بين جميع الناس الفاضلين،  الأسخياء،” ربما هم الأكثر محبوبية لأنهم يمثلون فائدة  للآخرين”، كما كتب ارسطو”، وهكذا لماذا نشعر بالعاملين في المجال الطبي الذين يعملون على مدار الساعة لإنقاذ مرضاهم والباحثين العلميين الذين وضعوا الأبحاث الأخرى التي عملون عليها جانبا، وركزوا‪ ‬اهتمامهم  على الفيروس، الشركات المصنعة التي حولت خطوط إنتاجها من أدوات إلى أجهزة تنفس  وكمامات من نوع ‪N95‬.

فهم لا يمارسون فقط كرم الروح( السخاء برغبة وبدون توقع أي مقابل من الآخرين) ولكنهم يوزعون أصولا( موجدات) فريدة لا يمكن تعويضها، ويعطون المستحقين.

وبالكمية التي تتناسب مع احتياجاتهم  وفي الوقت المناسب، سواء أكانت المنفعة التي يمنحونها إيانا جميعا هي غاية لأفعالهم، أو نتيجة ثانوية سعيدة لأخلاقهم الفاضلة، فسخاؤهم أربحهم بحق حبنا واحترامنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى