أقلام

أحيانًا تنتابنا مشاعر مختلطة

أمير الصالح

تتوارد مشاعر مختلطة داخل ذات الانسان، فتارة يشعر بالغبطة لأن لديه مسكن يقيه شر البرد والحر، وتارة يعتصر قلبه ألم لتصاعد تكاليف فاتورة الكهرباء والماء والصيانة مع جمود أو تقلص أو تآكل مستوى دخله. وذات المشاعر المختلطة تراود من لدية أولاد كثر في هذا الزمن، ففي الوقت الذي يغبطه البعض لكونه ذي ذرية، تراه يئن ألمًا من وطأة السعي والكد الدؤوب لتأمين المأكل والمشرب والتعليم والعلاج والمواصلات لهم. وهكذا هي الأمور دواليك في عدة نواح بزوايا مختلفة.

ماقبل عصر جائحة الكورونا كان البعض يتباهى بالسفر للخارج، ولا سيما أوربا، وعند وقوع الجائحة أحس معظم الناس، ولا سيما ممن كان في دول الغربة بالهلع والقلق على مصيره، خصوصًا في الأيام الأولى من اندلاع الجائحة، وقبل تطوير اللقاحات. فما كان بالأمس نعمة -وهو السفر حول العالم- أضحى في يوم آخر مصدرٍا للقلق للشخص ذاته. وحاليًّا، وبناء على ما نراه ونقرأ عنه من اضطراب سلسلة الإمدادات للمواد والبضائع والسلع والأمتعة الذي أضحى واقعًا ملموسًا، قد انعكس بشكل جاد وخطير على حياة معظم شعوب الأرض. فما كان بالامس يُعد غزو سلع وخدمات من دول أخرى، أضحى اليوم عنوانه انقطاع سلسلة الإمدادات، وانعكس في ارتفاع الأسعار بشكل لا يحتمل. وكم كنت أتمنى لو كان الصراخ ضد الغزو التجاري من الدول المصدرة للسلع، تحول إلى توطين أو انطلاق اتحاد محلي، أو إقليمي لإنتاج السلع في تلكم الدول التي تتوجس خيفة من الاستيراد.

وهنا قد نكون بين مفهوم العدالة الاجتماعية، وبين مفهوم النجاح. قد يصعب على البعض الربط بين المفهومين، لأن الربط قد يحتاج إلى نوع من الإيضاح والشرح. وهنا سأحاول- لعل وعسى- أن أوفق لذلك.

مع كل زيادة في أسعار النفط عالميًّا نسمع ونرى ردود أفعال قوية في كثير من دول العالم. البعض حوّل ذلك ألى سخط وشتم وحقد ونبز نحو الدول المنتجة وشعوب الدول المصدرة للنفط، والبعض القليل من الناس ترجم غضبه باستكشاف موارد أخرى للطاقة وتوظيفها. وكذلك في عالم اليوم، قد ينفس البعض غضبه واحتقانه نحو غلاء الأسعار بشتم التجار والرأسماليين الجشعين والبعض القليل جدًّا يتبنى برامج الزهد في حياته الاستهلاكية عمليًّا (التقشف الصحي والعملي).
نعلم علم اليقين أن برامج الإنقاذ والمساعدات الطارئة التي أطلقتها بعض الحكومات وبعض الأسر هي طارئة وايست دائمة، ولذا يعوّل الإنسان الصادق على تربية نمطه في الاستهلاك حسب طاقة موارده وليس النظر الدائم لهبات وعطايا الآخرين.

ونعلم علم جازم كما ورد من قول منسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب: ” ما مُتع به غني إلا بما جوع به فقير”. وبات ملموسًا بأن الرأسمالي الجشع والأناني ميؤوس من إصلاحه وإعادة برمجته للاهتمام بالمجتمع، إلا بقوة القانون أو انتكاسة قد تصبه فيستيقظ. ونعلم من الاحصائات الرسمية للبنك الدولي والمنظمات الدولية بأن المحرومين يزدادون عددًا مع ازدياد مؤشرات الجشع عند الأغنياء، وهنا على المحرومين نفض غبار الأحلام عن أنفسهم وإطلاق برامج الاعتماد على الموارد الذاتية للخروج من أزماتهم ومن خلال:
هدف وخطة وتنفيذ واستمرارية، فهدف دون خطة هو أحلام، وخطة دون تنفيذ هي ضياع للوقت، وتنفيذ دون استمرارية هو ضياع جهود وموارد وأوقات، فمعظم الناس يصرخون من ألم الغلاء للمواد والسكن، وهذا حقهم. وعلى هذا الصارخ أن يراجع نفسه ماذا عمل وماذا يمكنه أن يعمل لتخفيف أو إيقاف أو تجاوز هذا الألم والاستنزاف. لابد أن يتحرك الصادق مع نفسه من مقعد المتفرج إلى مقعد صانع الحدث ولو على صعيد حياته هو وحياة أسرته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى