أقلام

وجود البشر على الأرض ربما يعود الى حركة الصفائح التكتونية – كيف حافظ باطن الأرض على درجة حرارة بلغت حرارة سطح الشمس على مدى مليارات السنين؟

بقلم شيتشون هوانغ، أستاذ مشارك في علوم الأرض والكواكب، جامعة تينيسي

المترجم: عدنان أحمد الحاجي 

تعليق عادل عبد الله البشراوي، باحث في الانسان القديم 

يذكر أيضا أن لحركة الصفائح الناشئة، كما يذكر التقرير، عن تفاعلات باطن الأرض، تأثيرات أخرى على إعادة تشكيل أنواع الحياة على وجه الأرض من خلال ما يترتب عليه من تحرك للصفائح التكتونية، والتي ينتج عنها تغييرات حاسمة في طبوغرافيا قشرة الأرض. فمن حيث تسببها في صعود نطاقات في القشرة تتشكل عبرها سلاسل الجبال، فتكون مصدات عازلة للرياح المحملة بالأمطار، أو الآتية من مناطق باردة، أو دافئة، فهي تتحكم في مناخ تلك المناطق المعزولة. وعليه فإن الأحياء القاطنة في تلك المناطق تحتاج أن تتوائم مع شروط بيئاتها المتغيرة.

لكن حركة الصفائح قد تكون لها نتائج أكبر من مجرد تأثيرات مناطقية معزولة، إذ أنها قادرة على التسبب في تغيير مناخ الأرض بشكل كامل. وأحد أهم تجليات هذه الظاهرة هو حادثة التحام الأمريكتين الجنوبية والشمالية، التي يقدره الجيولوجيون بقرابة الثلاثة ملايين سنة الماضية. وكان أهم مترتبات الحدث، هو دخول الأرض فترة الرباعي التي بدأت معها نمطية المد الجليدي التي لا نزال نعيشها. هذا الإلتحام شكل حاجزا أمام تبادل التيارات المحيطية بين المحيطين الأطلسي والهادي التي كانت تنطلق من سواحل إفريقيا نحو الغرب، فتعبر المضيق بين الأمريكتين نحو مياه الهادي. ولكنها بعد حادثة الإلتحام، وعند وصولها إلى مياه أمريكا الوسطى قبل الولوج إلى خليج المكسيك، بدأت مجبرة على اتخاذ مسار دوراني نحو الشمال في رحلة طويلة إلى مياه الآركتيكي الجاف والبارد، والذي بعد وصول هذه الرياح الرطبة تبدل حاله فأصبح محطا لهطول أمطار لا تكاد تهطل حتى تتجمد وتحبس على شكل كتل من الجليد.

وعبر استمرار هبوب الرياح الرطبة، تزداد أحجام كتل الجليد وتتمدد فتتسع المساحات البيضاء على الأرض، وتكسبها قدرة أكبر على عكس أشعة الشمس. وهو ما يسهم عبر مئات وآلاف من السنين في خفض درجات الحرارة، وتبدأ تباشير دخول مناخ الأرض في مد جليدي سوف يفرض على أشكال الحياة الفطرية التماهي مع تبعاته وشروطه.

والتأثيرات لا تتوقف عند هذا الحد، فاستمرار هطول الأمطار في الشمال البارد وحبسها هناك على شكل كتل من الجليد، سوف يتسبب في انخفاض منسوب المحيطات، فتتراجع حدود السواحل على امتداد اليابسة، ويكشف عن ممرات تعبرها الكائنات نحو مناطق جديدة، فتكون لها مواقع استيطان لم تعهدها من قبل.

الخوض في تأثيرات حركة الصفائح التكتونية متطلب، وفي أحيان كثيرة يلزمه مراجعة أطروحات بالغة التعقيد، وبالحديث عن الأطروحات، فقد تناول فصيل من الأنثروبولوجيين أطروحة تقترح علاقة مباشرة بين ظاهرة انفراج الفالق بين الصفيحتين العربية والإفريقية الذي نتج عنها تشكل الصدع الإفريقي العظيم، وبين اعتماد أسلاف البشر طبيعة الوقوف على قوائمهم الخلفية. فمن حيث تسبب الصدع في عزل القرن الإفريقي عن أراضي القارة الإفريقية، وحرمانه من مصادر المياه الجارية في عديد من أنهار القارة، فقد تبدلت طبيعته من حالة الغابات المطيرة، نحو طبيعة السفانا الخالية من الإتصال الشجري الذي كانت تلجأ إليه أسلاف البشر. ولكنها بعد زوال الأشجار، أصبحت مضطرة إلى النزول والمشي على الأرض، مع ما يترتب على هذا المشي من تبعات معقدة اضطرتها أخير للوقوف على قوائمها الخلفية بغية مراقبة محيطها بين أعشاب السفانا.

هذه الأطروحة، رغم ما سيق معها من دراسات، إلا أنها لا تزال محط نقاش، ولكن مجرد طرحها كاف ليعطينا انطباع عن عمق الآثار الناتجة عن حركات الأرض التكتونية.

الموضوع المترجم

كيف حافظ باطن الأرض على حرارته التي تصل إلى درجة الغليان  على مدى مليارات السنوات؟

الأرض مثل البصلة – تتكون من قشرة تلو أخرى.

بدءًا من سطح الأرض وصولًا إلى جوفها، هناك القشرة الأرضية(1)، بما فيها سطح الأرض الذي نمشي عليه؛ يأتي  بعدها وشاح الأرض(2)، ومعظمه متكون من الصخور الصلبة؛ وعلئ عمق أبعد منه يأتي اللب الخارجي للأرض(3) المتكون من الحديد المنصهر؛ وصولًا الى اللب الداخلي(4) المتكون من الحديد الصلب وبنصف قطر يبلغ 70٪ من حجم القمر.  كلما تعمقت باتجاه باطن الأرض زادت الحرارة – تبلغ حرارة أجزاء من لب الأرض حرارة سطح الشمس.

رحلة إلى مركز الأرض

بصفتي استاذًا مشاركًا في علوم الأرض والكواكب(5)، أقوم بدارسة بواطن الكواكب.  وكما يستخدم الطبيب تقنية تسمى التصوير بالموجات فوق الصوتية(6) لتصوير دواخل الجسم، يستخدم علماء الجلوجيا والجيوفيزياء تقنية مماثلة لتصوير بواطن الأرض.  ولكن بدلاً من الموجات فوق الصوتية، يستخدم علماء الجيولوجيا الموجات الزلزالية seismic waves(7) – وهي الموجات الصوتية التي تصدرها الزلازل.

على سطح الأرض، نرى ترابًا ورملًا وعشبًا وغيرها، بالطبع. تكشف الاهتزازات الزلزالية عما هو في داخل الأرض(8): من صخور أكانت كبيرة أم صغيرة. هذا كله جزء من القشرة التي قد يصل عمقها لـ 20 ميلاً (30 كيلومترًا)؛ وتتموضع فوق قشرة أخرى تسمى الوشاح.

يتحرك الجزء العلوي من الوشاح عادةً مع القشرة.  يُطلق عليهما معًا الغلاف الصخري(9)، والذي يبلغ سمكه حوالي 60 ميلاً (100 كيلومتر) في المتوسط، على الرغم من أنه يمكن أن يكون أكثر سمكًا في بعض الأماكن.

ينقسم الغلاف الصخري إلى عدة كتل كبيرة تسمى الصفائح التكتونية(10). على سبيل المثال، تقع الصفائح التكتونية للمحيط الهادئ تحت المحيط الهادئ بأكمله، وتغطي الصفائح التكتونية لأمريكا الشمالية معظم أمريكا الشمالية.  الصفائح التكتونية تشبه قطع أحجية puzzle pieces تركب مع بعضها البعض  تقريبًا وتغطي سطح الأرض بتمامه.

الصفائح التكتونية ليست ساكنة.  ولكنها متحركة.  في بعض الأحيان تتحرك بمقدار أصغر جزء من إجزاء البوصة على فترة سنوات.  في الفترات الزمانية الأخرى، هناك حركة زائدة، وقد تكون مفاجئة. هذا النوع من الحركة هو ما يتسبب في حدوث الزلازل والانفجارات البركانية.

علاوة على ذلك، تعد حركة الصفائح التكتونية عاملاً حاسمًا، وربما أساسيًا، تدفع بتطور الحياة على الأرض، لأن الصفائح التكتونية المتحركة تغير البيئة مما يضطر الحياة للتكيف مع الظروف الجديد(11).

مقطف ُفيديو :  سيدهشك جميع ما يحدث تحت قدميك. https://youtu.be/3FoSAHk7DMA

الضغط عالٍ فلابد أن يحدث شيء

حركة الصفائح التكتونية تتطلب وشاحًا حارًا. وبالفعل، كلما تعمقت في باطن الأرض ازدادت درجة الحرارة.

في قاع الصفائح التكتونية، على عمق حوالي 60 ميلاً (100 كيلومتر)، تبلغ درجة الحرارة حوالي 2400 درجة فهرنهايتية (1300 درجة مئوية).  وحين تصل إلى الحد الفاصل بين الوشاح واللب الخارجي، على عمق 1800 ميل (2900 كيلومتر)، تصل درجة الحرارة إلى ما يقرب من 5000 درجة فهرنهايتية (2700 درجة مئوية). ثم عند الحد الفاصل بين اللب الخارجي والداخلي، تتضاعف درجة الحرارة لتصل إلى ما يقرب من 10800 درجة فهرنهايتية (أكثر من 6000 درجة مئوية).  تبلغ حرارة هذا الجزء من الأرض حرارة سطح الشمس(12). في هذه الدرجة، كل شيء تقريبًا – المعادن والماس والبشر – يتبخر إلى غاز. ولكن نظرًا لأن اللب تحت مثل هذا الضغط العالي في أعماق الأرض، فإن الحديد المكوِّن له يبقى سائلاً أو صلبًا.

مقطع فيديو: بدون حركة الصفائح التكتونية، ربما لن يكون البشر موجودين.

تصادم في الفضاء الخارجي

من أين تأتي كل هذه الحرارة؟ ليست من الشمس. على الرغم من انها تمدنا وجميع النباتات والحيوانات على سطح الأرض بالحرارة، لا يستطيع نور الشمس اختراق سُمك أميال من باطن الأرض.

ولكن هناك نوعان من مصادر الحرارة.  إحداها هي الحرارة التي ورثتها الأرض جين تكونت قبل 4.5 مليار سنة.  تكونت الأرض من السديم الشمسي، وهو عبارة عن سحابة غازية عملاقة، وسط تصادمات واندماجات لا نهاية لها بين ما يسمى بالكواكب المصغرة planetesimals(13).  استغرقت هذه العملية عشرات الملايين من السنين.  صدر من ذلك  كم هائل من الحرارة أثناء تلك الاصطدامات بما يكفي لإذابة الأرض بأكملها. على الرغم من فقدان بعض هذه الحرارة في الفضاء، إلا أن ما تبقى منها بقي محبوسًا داخل الأرض، حيث لا يزال الكثير من هذه الحرارة باقٍ حتى اليوم.

مصدر الحرارة الآخر هو اضمحلال النظائر المشعة المنتشرة في كل مكان على الأرض. لفهم هذا الاضمحلال، تخيل أولاً عنصرًا له عدة نظائر مشعة. كل ذرة من عنصر معين لها نفس عدد البروتونات، ولكن نظائرها المختلفة تختلف باختلاف عدد النيوترونات فيها.  النظائر المشعة ليست مستقرة.  تصدر تيارًا ثابتًا من الطاقة يتحول إلى حرارة.  البوتاسيوم -40 والثوريوم -232 واليورانيوم -235  واليورانيوم -238 هي أربعة نظائر مشعة تجعل باطن الأرض حارًا.

قد تبدو بعض هذه الأسماء مألوفًا.  اليورانيوم 235، على سبيل المثال، يستخدم كوقود في محطات الطاقة النووية(14).  فالأرض ليست معرضة لخطر نفاد مصادر الحرارة هذه.  بالرغم من أن معظم كميات اليورانيوم 235 والبوتاسيوم -40 الأصلية قد نفدت، إلا أن هناك ما يكفي من الثوريوم -232 واليورانيوم 238 يكفي لمليارات السنين القادمة.  إلى جانب اللب الحار والوشاح، هذه النظائر التي تصدر الطاقة توفر الحرارة الكافية  لدفع حركة الصفائح التكتونية.

لا حرارة ، لا حركة للصفائح التكتونية ، لا حياة

حتى الآن، تستمر الصفائح التكتونية المتحركة في تغيير سطح الأرض، مما يؤدي على الدوام إلى ظهور أراضٍ جديدة (يابسة، كالجزر، مثلًا) ومحيطات جديدة على مدى ملايين بل على مدى مليارات السنين [المترجم: يذكر هنا، مثلًا، انشقاق البحر الأحمر قبل 20 مليون سنة بسبب حركة الصفائح التكتونية].  تؤثر الصفائح التكتونية أيضًا في الغلاف الجوي على مدى نفس الفترات الزمنية الطويلة.

ولكن لولا الحرارة الباطنية للأرض ، لما تحركت الصفائح التكتونية.  ولو بردت الأرض ربما لكانت غير صالحة للسكن ولن نكون نحن هنا.

تأمل فيما يجري في داخل الأرض تحت قدميك.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/القشرة_الأرضية

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/وشاح_الأرض

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/لب_خارجي

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/لب_داخلي

5- https://scholar.google.com/citations?user=DpHUpCwAAAAJ&hl=en&oi=ao

6- https://blog.radiology.virginia.edu/ultrasound-definition-kids-imaging/

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/موجة_زلزالية

8- https://www.amnh.org/learn-teach/curriculum-collections/earth-inside-and-out/inge-lehmann-discoverer-of-the-earth-s-inner-core

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/غلاف_الأرض_الصخري

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/الصفائح_التكتونية

11- https://theconversation.com/plate-tectonics-may-have-driven-the-evolution-of-life-on-earth-44571

12- https://www.livescience.com/29054-earth-core-hotter.html

13- https://ar.wikipedia.org/wiki/كوكب_مصغر

14- https://www.eia.gov/energyexplained/nuclear/the-nuclear-fuel-cycle.php#:%7E

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/how-has-the-inside-of-the-earth-stayed-as-hot-as-the-suns-surface-for-billions-of-years-193277

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى