أقلام

ابتلشنا فيه

في يوم من الأيام كانت مجموعة من النسوة يتجمعن عند الساعة العاشرة (الضحى)، من صباح كل يوم عمل بعد ذهاب أزواجهن لأعمالهم. وكانت إحداهن مميزة لكونها خفيفة الظل وسفيرة السعادة، ومبتهجة ومكثرة للمفاكهة في الحديث المؤدب والمحتشم وواسعة المعرفة والاطلاع؛ تُلقب أم خُضر. مع تقادم الأيام، أصبحت أم خضر ركيزة أساسية بين الحضور النسوي في حيها ولا يحلو المجلس إلا بوجودها.

مرت الأيام والسنون، وكل فترة يرد في ناد أو مجلس النساء ذاك نبأ تقاعد فلان زوج فلانه، واعتادوا أن يضطرب حضور زوجة المتقاعد الجديد لبرهة من الزمن وبعد حين تستأنف المشاركة وترجع الأمور إلى مجاريها المعتادة وتنتظم الحضور. لم يلفت حدث تقاعد أي من أزواج الأعضاء نظر أعضاء ناد النساء لكون معظم تلكن النسوة غير فاعلات بشكل مميز في الحضور من جهة، ومن جهة أخرى أضحى ذلك السلوك شبه ترند معتاد عليه.

مع تقادم الزمن أصبح أعضاء التجمع النسوي أكثر استئناسا بالسيدة أم خضر وبعض الأعضاء الفاعلات، انطلقت من ذلك التجمع النسوي عدة أنشطة وفعاليات اجتماعية داخل نفس الحي وكان لمشاركات أم خضر تميز في تلكم الفعاليات.
وعلى حين غرة ومن دون سابق إنذار، افتقدت نساء الحي أم خضر المبدعة اللطيفة المهذبة البشوشة وكثيرة اللطائف. في بداية الأيام لم تتعرف بقية الأعضاء عن سبب الغياب والانقطاع المفاجئ لأم خضر، انشغل بال بعض العضوات، فعقدوا اتصالاتهن بهاتف أم خضر ولم يجدن أي رد على اتصالهن. لاحقاً اتاهن الخبر من أطراف أخرى بأن زوج أم خضر تقاعد وأصبح جليس المنزل بشكل دائم.

مع الأيام دبت روح الملل وتسلل الروتين إلى جسد ناد النساء وزاد الحنين والشوق منهن نحو أم خضر، وأخذن يرسلن رسائل نصية عديدة يطلبن منها العودة للانضمام إليهن. وبعد مرور أكثر من ثلاثة شهور ومن دون مقدمات وجدت النساء أم خضر بينهن في المجلس، وفي دهشة منهن لذلك الموقف، صدر عفويا وبشكل جماعي التساؤل التالي على لسانهن: أين كنت لقد افتقدناك واشتقنا لك.
فردت أم خضر وبشكل مغتصب ومعبر:
“ابتلشنا فيه !”.

انتهت القصة وتبقى هناك أسئلة كثيرة ارتسمت على وجوه الحاضرات: ماهي خصائص الرجل الذي ابتلشت فيه أم خضر وهل هناك من الرجال أو النساء من ابتلش فيهن / فيهم أسرهم أو أبناء مجتمعاتهم أو أبناء منطقتهم أو أبناء بلادهم أو أبناء قوميتهم أو أبناء دينهم. الجواب أتركه للقراء الكرام.

ملحوظة:

قد يطلق البعض ذات النعت “ابتلشنا فيه” في حق شخص ما إذا تعارض مزاج المجموع مع الفرد في رحلة سفر استجمامية أو رحلة دينية أو رحلة صياعة أو نقاش اجتماعي أو فروقات استيعاب لفكرة ما.

تنصل:

إسم “أم خضر” هو اسم لشخصية وهمية لدلالة الرمزية ولا تعني أي اسم واقعي بحد ذاته. وإن تصادفت المطابقة فهذا ليس إلا من باب المصادفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى