أقلام

هل وصل الخطاب الحسيني للعالم؟

زاهر العبدالله

مقدمة:
هناك من يصيح بين الفينة والأخرى : ” لم يتقدم الخطاب الحسيني للعالم، ومانزال نقدم الحسين على مستوى محلي ومتواضع على ألسنة بعض مثقفينا وكتابنا” !!
وهنا سأقف على مسح ميداني لهذا الرأي في هذا العام، هل ما يقال دقيق أم هناك تفاصيل تجب الإشارة إليها؟
المنبر الحسيني والخطاب الحسيني ما هما؟

يمكن اختصارهما في لفظين: هما عِبرة وعَبرة ورغم اختصارهما في كلمتين، إلا أن الكلمتين جامعتان لكل أنواع العلوم المفيدة. فكلمة عِبرة تحمل في طياتها أخذ الدروس الأخلاقية والثقافية والعلمية والقيم والمثل سواء كان ذلك في السابق أم كان في الحاضر وذلك مصداق لقوله تعالى:
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} الزمر.
وهذا هو واقع المنبر الحسيني فهو أشبه ما يكون بالحديقة الغناء المليئة بجميع أنواع الزهور والرياحين، فيستفيد منها كل من يدخلها أياً كان تفكيره وتوجهه. وبتعبير آخر المنبر الحسيني هو الجامعة العامرة التي تخاطب جميع العقول، هذا إذا أغمضنا العين عن الذين لا يحترمون هذا المنبر وهم قلة جداً.

ونستطيع أن نقسم الخطاب في جانبه الإيجابي لهذه السنة إلى خطاب:
١- نُخْبي للمثقفين والكتاب والمهتمين بالقراءة والمطالعة، وفي العادة مثل هذا النوع من الخطاب تكون منابره محدودة وهذا أمر مقبول؛ لأن رواد هذا الاتجاه محدودون.

٢-وهناك خطاب للسواد الأعظم الذي يريد الموعظة والتذكير والتقرب من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وذكر السيرة العطرة لهم عليهم السلام للاقتداء بهم وبمنهجهم.

٣-وهناك منابر تهتم بالنعي الحسيني المشجي الذي يدر الدمعة ويحرق القلب على مصارع الكرام، وهذا هو السائد في سيرة أهل البيت عليهم السلام في عقد مجالسهم الحسينية وتساعد عليه بعض الروايات الشريفة.

٤- وهناك منابر تسهب في الجانب العلمي والأكاديمي التخصصي وتقلل من الجانب الحسيني.

وفي كل هذه الجوانب من خلال المسح الميداني المتواضع الذي قمت به خطوات تطور من حيث المادة العلمية ومن حيث الأداء ومن حيث الرثاء ولو لاحظ المتابع معي المنابر التي تنزل جدولها السنوي بمواضيعها وأطاريحها واستخدام الوسائل الحديثة في ذلك تجد أن كل سنة تكون أفضل من السنة التي قبلها. ولعل بعضاً يقول: إنك تتكلم بإيجابية مثالية عن المنبر الحسيني!!! ولذا لرفع التوهم سأتناول بعض منابر تجاوزت حدود مكانها وزمانها وذلك بشواهد حية من أصحابها وهو النوع الأول من الخطاب، وهو:
١- خطاب نخبي للمثقفين والكتاب والمهتمين بالقراءة والمطالعة وفي العادة مثل هذا النوع من الخطاب تكون منابره محدودة وهذا أمر مقبول لأن رواد هذا الاتجاه محدودون مع حفظ كرامة ومكانة كل الاتجاهات السابقة

*وسبب اختياري لهذا القسم هو أنه يُشكل المنشود والمأمول من بعض من يدعو لتطوير الخطاب الحسيني في أدواته ليصل إلى لغة عالمية.
قبل الدخول نسأل:

*ماذا قدم أحبتنا النخبويون من دراسات ومقالات ناهضة وقيمة في تقديم الحسين عليه السلام للعالم فمن غير المقبول أن نطالب بشيء لم نقدم فيه محاولات جادة تسلط الضوء على النهـضة الحسينية.
أما بخصوص المسح الميداني المتواضع الذي قمت به خلال هذه السنة فإنه يخص الخطاب، ولا سيما منبر السيد منير الخباز ومنبر الشيخ عبد الجليل البن سعد ومنبر الشيخ إسماعيل المشاجرة ومنبر الشيخ أحمد سلمان الأحمدي ومنبر السيد ضياء الخباز ومنبر الشيخ محمد العبيدان ومنبر الشيخ حيدر السندي ومنبر الشيخ عبد الرؤوف القرقوش مع كامل الاحترام لبقية الخطباء الذين يستهدفون هذا الاتجاه بالذات، ولو راجعت قائمة عناوينهم للأربع السنوات السابقة وحتى يومنا الحاضر فإنك تجد تطوراً ملحوظاً ولغة عالمية تصلح أن تُترجم للغات شتى حول العالم!
لأن خطاباتهم تمتاز بعدة أمور نذكر بعضها وهي:
١-الأصالة القيمية والثبات على المبدأ في تناول نهضة الحسين عليه السلام وتجد ذلك جلياً في محاضرات جل الأسماء المذكورة.
٢-تناول النظريات والأطروحات في الداخل والخارج الإسلامي ومقارنتها به ثم ترجيح النظريات الإسلامية بالدليل والبرهان
وتجد ذلك واضحاً في محاضرات السيد منير الخباز والشيخ إسماعيل المشاجرة والشيخ عبد الجليل البن سعد وكذا الشيخ أحمد سلمان الأحمدي.
٣-التحضير الجيد والملفت للنظر حيث استيعاب البحث من مشارب عدة ومناقشة آراء عدة ومحاكمتها ومقاربة بعضها.
وتجد ذلك واضحاً في محاضرات جل الأسماء المذكورة.
٤-طرق أبواب للبحث تساعد الباحثين على مواصلة مشوارهم البحثي في مختلف الملفات الإسلامية.
وتجد ذلك في كثير منهم حفظهم الله تعالى.
٥-دراسة موضوعية للتراث الإسلامي وقراءة تحليليه تعين الباحثين غير الإسلامين على تلمس واقعها من نفس المدرسة وليس من خارجها فتكون النتائج أكثر دقة.
وتجد ذلك بشكل واضح في محاضرات الشيخ عبد الجليل البن سعد في أطروحته لهذه السنة فلسفة التاريخ وغيره من الأسماء المباركة.
٦-إصلاح حالات تدار خلف الكواليس وتبث سمومها للعالم الإسلامي بشواهد حقيقة واعترافات من أصحابها وليس انتصارا لنظرية المؤامرة.
وتجد ذلك واضحاً في محاضرات الشيخ أحمد سلمان الأحمدي.
٧-إعادة قراءة علوم لطالما طالها الغبار وتحتاج بحثاً وتنقيباً وفرزاً ووضع الإصبع على مكامن الخلل في أغوار التاريخ وبعث الباحثين ليعيدوا النظر في بعض أبحاثهم من جديد.
تجد ذلك واضحاً في أبحاث الشيخ عبد الجليل البن سعد وكذا الشيخ إسماعيل المشاجرة والسيد ضياء الخباز.
ولمزيد من المصداقية في البحث تواصلت مع هذه الأسماء المباركة ووضعت لهم هذا السؤال
*س: ماذا قدم المنبر الحسيني هذه السنة من عطاء علمي وفكري وثقافي وسيرة وعبرة؟
سلام عليكم ورحمة الله أستاذي الفاضل.
أود كتابة مقال للتاريخ لكثرة من يريد التقليل من قدرة المنبر الحسيني ليصيغ في طياته لغة عالمية ووضعوا معوقات لذلك من بعض المثقفين وأغفلوا بقصد أو بغير قصد الجهود الجبارة التي تقدم من خلال محاضراتكم. ولكي لا أكتب خلاف رسالتكم المنشودة ولمزيد من المصداقية أود كتابة أهدافك من محاضراتك هذه السنة وماهي الرسالة الأبرز التي حاولت إيصالها للمجتمع؟

١-السيد منير الخباز:
جناب السيد لم يحبذ كتابة هذا المقال لوجود تبريرات عنده قد تكون راجحة ولا أدعي أني أختلف معه فأنا القليل أقل من أن أقول ذلك ولكن من باب ولا تنسوا الفضل بينكم فعبرت بما أعرفه عن شخصية السيد منير حفظه الله.
المتتبع لمشروع السيد منير في المنبر الحسيني يجده يتناول جملة من المعارف الدينية والثقافية والفكرية تحت سلسلة منظمة تحتوي على أبواب كل باب منها يكون مطلاً على المشهد الثقافي في المنظور العالمي، ويربطه بالتراث الإسلامي الأصيل وذلك عبر الأطروحات والنظريات الكلامية والفلسفية ويبرز معالم مدرسة أهل البيت عليهم السلام وما تملكه من رصيد شمولي في صلاح الفرد والمجتمع. وتجلى واضحاً في أطروحته هذه السنة العلوية. كما انتشر له مقطع يشيد بالعلماء الذين صعدوا المنبر في الأحساء وهم الذي أخذ آراءهم كما نوه على الرسائل التفاعلية والإيجابية في الخليج والعالم بما تم طرحه هذه السنة من مواضيع هامة وحساسة في الوعي الإسلامي والثقافي.

٢- الشيخ عبد الجليل البن سعد:
الحسين (ع) صوت ثورة وأمْرٍ بمعروف ونهي عن منكر وإصلاحٍ يبدأ من أعمق مشاكل الأمة وأخطرها، وهو إنسان الرزية والمحنة المستعظمة في عالمي الروحانيات والجسمانيات، وإن المنابر الصادحة تمثل صوت الحسين (ع)ورسالته، بينما النعي والبكاء واللطم يمثل محنته فكلاهما أصل، واليوم تطالعنا آراء مخلصة ولكنها أضاعت الحقيقة من حيث تحدثت عن ضرورة أن ينحاز المنبر للبكاء أكثر!! وما أفهمه أن البكاء عبادة مختلفة برز لها الشعراء والنعّاؤون والرواديد حتى أصبحوا أكثر من الخطباء بكثير “لاخفي أنينهم” وما أسعى للفوز به شخصياً هو إحياء كلتا العبادتين الحسينيتين( البكاء/ الإبكاء) و (الإصلاح).
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت.

٣- السيد ضياء الخباز:
لقد ظهر لي من خلال الأزمة التي مرت بها البلاد أن هنالك مجموعة من المفاهيم الخاطئة والأسئلة الحائرة التي تملأ أذهان الناس، فجاء اختيار الموضوعات من وحي المناسبة لتصحح الخاطئ من المفاهيم وتجيب عن العالق من الأسئلة والإشكالات.
والمرجو أن نكون قد وفقنا في تحقيق الأهداف.

٤- الشيخ محمد العبيدان:
ليس لدي هدف يغاير ما عليه بقية الخطباء من الرغبة في خدمة الإمام الحسين(ع) ومساندة المؤمنين في إحياء المناسبة المباركة.

٤- الشيخ أحمد سلمان الأحمدي:
هدفي رفع المستوى الثقافي وإصلاح المصطلحات الدخيلة التي دخلت منظومتنا الإسلامية.

٥- الشيخ حيدر السندي:
حيث سألتم عن الرسالة التي أريد إيصالها من خلال خدمة الحسين ( عليه السلام) في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام لعام ١٤٤٢ من الهجرة النبوية المباركة، فإن ما أردته – إن شاء الله – أن أكون مساهماً في نشر الوعي والبصيرة، وهذا إنما يتم بأمور:
١- إحياء شعائر سيد الشهداء ( عليه السلام)، فإن ذكر مصيبته، واستدرار العَبرة، واستلهام العِبرة من سيرته وكلماته ، من أفضل الطاعات ثواباً وتأثيراً في تحقق الاستقامة الروحية والسلوكية.
٢- تأصيل المعارف الدينية ودفع الغموض والشبهات عنها.
٣- تربية المجتمع على طريقة التفكير الصحيحة في أهم المسائل الملحة والمصيرية، مع التجديد في مادة الطرح وأسلوبه، وهذا ما جعلني أخصص العشرة لتسليط الضوء على مسألة رئيسة في الدين بنحو متسلسل، وهي بقدر أهميتها تواجه سهام الشبهات والتشكيك في وقتنا الراهن، كما يحيطها الغموض وعدم الوضوح في وعي الكثير من أبناء المجتمع الإسلامي، وتلك المسألة هي: (النبوة).
حيدر السندي.

٦- الشيخ عبد الرؤوف القرقوش:
بخصوص طلبكم فلا أخفي عليك أن أسلوبي للإعداد لموسم محرم قد يستغرق مني شهوراً بل بعض المواضيع قد يستغرق مدار السنة لجمع مادته وتدقيقها.
وهذه السنة أعددت قائمة بعناوين المواضيع وهدفي منها تغطية أكثر من مساحة لتكون المادة المعروضة متنوعة فمنها ما هو مركز على ماهية عاشوراء وأسرارها وأبعادها وما يشد النشء إلى روح القضية الحسينية ومنها ما يركز على طرف من السيرة وتحليلها لتخرج من حيز السرد إلى فضاء العِبرة، ومنها ما هو مركز على آفاق القرآن وخفاياه وأغواره ليتسنى لشبابنا الانفتاح على عالم القرآن والاستفادة من تجلياته كما أن عادتي في كل سنة تخصيص ليلة باسم الإمام الحسن عليه السلام لإيماني العميق بكون الإمام الحسن عليه السلام جزءاً لا يتجزأ من مشروع الحسين عليه السلام. كما أني أركز على ترميم الفكر في زحمة الأطروحات الخدج التي تتسلل بخفاء ودهاء إلى عقول شبابنا كما لاتخلو قائمة العناوين من التركيز على بقية الله الإمام المؤمل لإقامة الأمت والعوج. وبشكل عام لي اهتمام بتطوير حالة المعرفة بآل محمد صلوات الله عليهم وبيان أن معرفتهم واقعة بين حبل الغيب الإلهي ووحل التقصير البشري.
هذا كما لا يفوتني التنويه على الجنبة الروحية التي تهدف إلى عتق الروح من أوحال عالم الطين وبلوغها عالم أرحب.
وأشكركم على ثقتكم وأسأل الله أن يوفقكم لكل خير.

الملاحظ إخوتي الكرام من خلال جواب خطباء المنبر الحسيني سالفي الذكر أن همهم مشترك وهو رفع حالة الوعي في الأمة وإصلاح الخلل ودفع الشبهات دفاعاً عن الدين والمذهب، والتركيز على ثورة الحسين عليه السلام ونهضته الفكرية والعلمية والتربوية والأخلاقية والقيمية وجعله نبراس التغيير والتفكير لما هو الأصلح في سعادة الإنسان، مع ذكر الجانب الروحي الذي يقوي العلاقة بالله سبحانه وتعالى من خلال عمق معرفة الحسين عليها السلام وذوبانه في مرضاة الله سبحانه مما يستوجب سكب الدموع على من بذل مهجته في سبيل الله وإعلاء كلمته وعودة الناس إلى روح الإسلام الأصيل التي حاول الأعداء محوها من ذاكرة الأمة فأصبح الحسين عليه السلام هو من نفخ روح الإسلام الأصيل في جسد الأمة فأحياها بعد أن كادت تموت ببراثن الجهل والعصبية.

والبحث طويل جداً وأريد أن أوجه نصيحة أخيرة لأحبتنا المثقفين من القلب:
١-عالمية المنبر الحسيني لا تقف عند المنابر الحسينية فقد بات لكل إنسان اليوم منبر فقدموا الحسين عليه السلام للعالم بما تنشدونه من خطباء المنبر الحسيني ولكن بفقه وعلم وأصالة واستشارة لذوي التخصص لكي يكون قلبك وخطابك أقوى في خدمة الدين و المذهب.
٢-حاول التركيز على الجوانب المضيئة والتقدم الكبير الذي قامت به بعض منابر الحسين عليه السلام من خلال خطبائها وإرشاد الناس إليها وترويجها بين الناس لرفع حالة المعنويات أن عندنا طاقات علمية جبارة يستحق الإنسان أن يقدمها للعالم بفخر واعتزاز ونترك سوط النقد وجلد الذات التي لا تورث إلا التأخر والتقهقر في ركب العلم الثقافة.
٣-كونوا على ثقة بأن الحسين عليه السلام وصل لأقاصي العالم بتضحيته وصدقه ووفائه ومن خدمه من خطباء وعلماء وكتاب ومثقفين فما تنشدونه هو واقع أصلاً ولا يخفى على أدنى متتبع في الساحة الإعلامية والثقافية ولا يفصلك عن ذلك العلم إلا محرك البحث في مختلف العلوم المعينة بهذا الأمر.
٤-علينا بتقوى الله سبحانه فيما نقول ونكتب وننشر الأفضل وإن قل ونشيد بالمبدع وإن ندر ونعطي النصف من أنفسنا ونعين الخطباء المميزين بأقلامنا وخطاباتنا وندواتنا الثقافية بمختلف الطرق المتاحة ولا نقف متفرجين ناقدين فقط بل علينا المبادرة في إحداث نقلة نوعية في تطور المنبر الحسيني ليصل صوته للعالم من خلال نتاجنا المعرفي والثقافي.
٥-أخيراً علينا أن نكون عناصر بناء للدين والمذهب بما نقدمه من عطاء في سبيل الله سبحانه لرفعة أوليائه ولا ننتظر ونتأمل من الخطباء فقط ونحملهم ما نستطيع فعله فإن من ينظر لأعمالنا هو الحق جل جلاله فهو الراعي والحاكم والسامع والمكافئ وهو بكل شيء عليم .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى