أقلام

واقعًا المختلفون في السمات لا يتزاوجون

المترجم: عدنان احمد الحاجي

بقلم ليزا مارشال

على الرغم من أن الحكمة التقليدية (الرأي السائد) تقول بما يخالف المتعارف، أن المختلفين واقعًا لا يتجاذبان [المترجم: الشخصان من ذوي السمات المختلفة تمامًا لا ينجذبان لبعضهما – لا يتزوجان من بعضهما] . هذه هي خلاصة التحليل الشامل الذي أجرته جامعة كولارادو في مدينة بولدر لأكثر من 130 سمة على ملايين الأزواج على مدى أكثر من قرن.

وقالت المؤلفة الأولى للدراسة تانيا هورويتز Tanya Horwitz، طالبة الدكتوراه في قسم علم النفس وعلم الأعصاب ومعهد علم الوراثة السلوكي (IBG): “نثبت النتائج التي توصلنا إليها فعلًا أن الطيور على أشكالها تقع”.

وتؤكد الدراسة(1)، التي نشرت في 31 أغسطس 2023 في مجلة “نتشر السلوك البشري Nature Human Behaviour”، ما أشارت إليه كل من الدراسات السابقة التي ُنشرت منذ عقود مضت، طاعنةً في القول المأثور القديم بأن “المختلفين في السمات يتجاذبون” [المترجم أي الشخصان اللذان يختلفان في سماتهما يتجاذبان – يتزوجان] .

ووجدت الدراسة أنه بالنسبة لما يتراوح بين 82% و89% من السمات التي تم تحليلها – بدءاً من الميول السياسية إلى السن الذي حدثت فيه أول ممارسة حميمية خاصة بين الزوجين إلى عادات تعاطي المخدرات – فإن شركي الحياة عادةً ما يكونا على الأرجح متشابهين في سماتهما.

بالنسبة لـ 3% فقط من السمات، وفي جانب واحد فقط من تحليلهم، يميل الأشخاص إلى التزاوج مع المختلفين عنهم في السمات.

وبصرف النظر عن تسليط الضوء على القوى الخفية التي قد توثر في العلاقات الإنسانية، فإن البحث له تداعيات مهمة على مجال البحوث الوراثية.

“تفترض الكثير من النماذج في علم الوراثة أن التزاوج في البشر – يحدث عشوائيًا [أي لا ينظر كل من الزوجين الى بعضهما بعض قبل الزواج على أساس اختلافهما أو تشابههما في السمات]. “تظهر هذه الدراسة أن هذا الافتراض ربما يكون خاطئًا” كما قال مات كيلر Matt Keller، كبير الباحثين ومدير معهد علم الوراثة السلوكي، مشيرًا إلى أن ما يُعرف باسم “التزاوج المتلائق(2)” – عندما يتزاوج الأفراد الذين لديهم سمات متشابهة – يمكن أن يؤدي إلى حرف نتائج الدراسات الجينية [حرف النتائج يعني جعل النتائج تبدو أعلى أو أدنى مما هي عليه بالفعل، حسب تعريف قاموس كامبريدج].

إذا نظرنا إلى ما قبل أكثر من قرن

بالنسبة لهذه الورقة الجديدة، أجرى المؤلفون مراجعة أو تحليلًا تلويًا للأبحاث السابقة وتحليل البيانات الأولية التي حصلوا عليها.

بالنسبة للتحليل التلوي، فقد نظروا في 22 سمة ظهرت في 199 دراسة منشورة سابقًا انطوت على ملايين من المتزوجين من الذكور والإناث، أو المخطوبين أُجريت أقدم دراسة من هذه الدراسات في عام 1903.

بالإضافة إلى ذلك، استخدموا مجموعة بيانات من الـ بايوبنك المملكة المتحدة، UK Biobank لدراسة 133 تلازمًا correlations [بين السمات في كل من الزوجين] في 22 سمة في هذه العينة، بما في ذلك الكثير من التلازمات بين السمات التي نادرًا ما تخضع للدراسة، فيما يقرب من 80 ألف زوج وزوجة في المملكة المتحدة.

في كلا التحليلين، سمات مثل المواقف والآراء السياسية والدينية، ومستوى التعليم، وبعض مقاييس معدل الذكاء أظهرت تلازمات عالية بشكل خاص [المترجم: كلما كان التلازم عاليًا كلما كان التشابه بين سمات الزوجين عاليًا]. على سبيل المثال، في النطاق حيث الصفر يعني عدم وجود تلازم والرقم 1 يعني تلازمًا تامًا بحيث يتشابه الأزواج دائمًا في السمة المعنية، بلغ التلازم بين قيم الزوجين السياسية 0.58.

وأمَّا العادات المتعلقة بتعاطي المخدرات أظهرت أيضًا تلازمات عالية، حيث يميل المدخنون المفرطون في التدخين، والذين يشربون المسكرات بإفراط والذين لم يتعاطوا الكحوليات قط إلى التزاوج مع أولئك الذين لديهم نفس العادات.

وفي الوقت نفسه، أظهرت سمات، كطول القامة والوزن والحالات الطبية (المرضية) والسمات الشخصية(3) تلازمات أضعف بكثير ولكنها بقيت التزامات إيجابية. على سبيل المثال، التلازم في سمة العصابية [المترجم: وهي من سمات الشخصية الخمس الكبرى](4) بين شريكي الحياة كان تلازمًا ضعيفًا حيث بلغ فقط0.11.

بالنسبة لبعض السمات، مثل الانفتاحية (الانبساطية، وهي ايضًا من سمات الشخصية الخمس الكبرى](5)، لم يكن هناك الكثير من التلازم في هذه السمات بين الأزواج على الإطلاق.

“لدى الناس كل هذه النظريات التي تقول بأن المنفتحين(5) ينجذبون إلى إنطوائيين أو أن المنفتحين ينجذبون الى منفتحين آخرين، لكن حقيقة الأمر هي أن حدوث هذا الانجذاب يشبه رمي عملة معدنية [يعني ضربة جظ]: من المرجح أن ينتهي الأمر بالمنفتحين بالانجذاب الى منفتحين آخرين كما ينجذبون الى انطوائيين آخرين” كما قالت هورويتز.

في حالات نادرة، قد يتجاذب المختلفون

في التحليل التلوي للدراسات المنشورة، لم يجد الباحثون “أي دليل مقنع” على أي سمة بحيث ينجذب بسببها المختلفون فيها. وفي عينة البيوبنك في المملكة المتحدة، وجدوا عددًا بسيطًا من السمات التي يبدو أن هناك تلازمًا سلبيًا[المترجم: مما يعني أن المختلفين في هذه السمات المعينة يتجاذبون]، وإن كانت العينة صغيرة. وتنطوي هذه السمات على النمط الزمني (يعني سواء أكان الشخص “طائر صباح [ينام ليلًا ويصحو صباحًا[ ” أو “بومة ليل [ينام نهارًا ويسهر ليلًا]”)، والميل إلى الهم(6) وصعوبة في السمع.

وقال الباحثون إنه يجب إجراء المزيد من الأبحاث للتحقق هذه النتائج.

السمة التي من المرجح أن يكون الأزواج متشابهين فيها هي سنة الميلاد، وليس ذلك مستغربًا.

ولكن حتى السمات التي نادراً ما خضعت للدراسة، مثل كم مرة تزوج أحد الشريكين أو ما إذا كان ارضاع الزوجين كان إرضاعًا طبيعياً عندما كانا طفلين، أظهرت بعض التلازم.

“تشير هذه النتائج إلى أنه حتى في الحالات التي نشعر فيها بأن لدينا خيارًا بشأن اختيار أزواجنا، فقد تكون هناك آليات تحدث خلف الكواليس لسنا على دراية بها على الاطلاق،” كما قالت هورويتز.

التداعيات على الجيل القادم

لاحظ المؤلفون أن الأزواج يتشابهون في السمات لعدة أسباب: بعضهم نشأ في نفس الحي. ينجذب البعض إلى أشخاص يشبهونهم. البعض يصبحون تدريجيًا أكثر تشابهًا في السمات كلما طالت فترة وجودهم معًا.

بسبب هذا العوامل، قد تكون هناك تداعيات في المستقبل. على سبيل المثال، تذكر هورويتز، إذا كان كلا الزوجين من قصار القامة فمن المرجح أن ينجبا ذرية قصيرة القامة: وإذا كان من طوال القامة فقد ينجبا ذرية طويلة القامة، فمن الممكن أن يكون هناك المزيد من فائقي طول القامة في الجيل القادم. وينطبق الشيء نفسه على السمات النفسية أو الطبية أو غيرها.

ويمكن أن تكون هناك أيضًا تداعيات اجتماعية. على سبيل المثال، أشارت بعض الدراسات السابقة الصغيرة(7) إلى أن احتمالية أن الناس في الولايات المتحدة يتزاوجون بأشخاص بخلفيات تعليمية متشابهة – وهو اتجاه قائم، كما يرى البعض، يمكن أن يؤدي إلى توسيع الفجوة الـ سيسيواقتصادية(8).

والجدير بالذكر أن الدراسة الجديدة أثبتت أيضًا أن قوة التلازم بين السمات تختلف بين المجموعات السكانية. ويعتقد الباحثون أن من المحتمل أن يتغير هذا التلازم أيضًا مع الزمن.

ينبه الباحثون الى أن التلازمات التي وجدوها كانت تلازمات متواضعة إلى حد ما ولا ينبغي المبالغة فيها [ولا في آثارها] أو الترويج لأجندة معينة (كما تشير هورويتز إلى أن الأبحاث على الزواج المتلائق(2) استُغل بشكل مأساوي من قبل حركة تحسين النسل(9)).

ويأمل الباحثون في أن تؤدي هذه الدراسة إلى مزيد من الأبحاث في مختلف التخصصات، من الاقتصاد إلى علم الاجتماع إلى الأنثروبولوجيا وعلم النفس.

وقالت: “نأمل أن يتمكن الناس من استخدام هذه البيانات لإجراء تحليلاتهم الخاصة ومعرفة المزيد عن كيف ولماذا ينتهي الأمر بالناس بعلاقات زوجية في الواقع”.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.nature.com/articles/s41562-023-01672-z

2- “التزاوج المتلائق أو التزاوج المتناسق هو نمط تزاوج غير عشوائي، إذ يتزاوج فيه الأفراد المتشابهون من حيث الأنماط الجينية أو الظاهرية ببعضهم بعض بنسبة أعلى من تلك المتوقعة في التزاوج العشوائي. فمثلاً، من الشائع أن يتزاوج الأفراد مع الذين يماثلونهم في حجم الجسد.” مقتبس ببعض الاصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/تزاوج_متلائق

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/عناصر_الشخصية_الخمسة

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/عصابية

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/انطواء_وانفتاح

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/هم

7- https://www.pewresearch.org/short-reads/2014/01/29/new-academic-study-links-rising-income-inequality-to-assortive-mating/#:~:text=34%2C%20showing%20that%20today%2C%20“,gains%20for%20better%20educated%20couples.

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/اقتصاد_اجتماعي

المصدر الرئيس

https://www.colorado.edu/today/2023/08/31/news-flash-opposites-dont-actually-attract#:~:text=Rarely%2C%20opposites%20may%20attract,a%20negative%20correlation%2C%20albeit%20small.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى