أمير الصالح
في أيام مدارس الابتدائية، كنا نتهيب كطلاب من المشاركة في الإذاعة المدرسية. وكنا نعد من يشارك من زملائنا الطلاب في الطابور الصباحي ويتحدث وهو ممسك بمكبر الصوت أمام جمهور طلاب المدرسة، بأنه طفل شجاع جدًا، قد يكون الشعور حينذاك لدينا بأن الطالب المتحدث أمام الحشود هو طالب شجاع. وقد يعود ذلك وجود رهبة مصطنعه في مواجهة الجمهور وهي تراكمات متخمة في أذهاننا. والتحدث عبر جهاز مكبر للصوت لعدة مرات يجعل من المتحدث الطالب الصغير أكبر من عمره وحجمه. طفولتنا البريئة كانت تقرأ الحدث في هذه الحدود الضيقة فقط.
جملة اعتراضية:
شكرًا لكل إدارة مدرسية أجادت صقل مواهب الإلقاء لدى الأبناء الطلبة منذ المراحل الأولى للدراسة.
كبرنا وكثرت منابر مكبرات الصوت في حياتنا عبر التلفاز وفي التجمعات والأعراس والاحتفالات ودور العبادة والندوات. ففي مقاعد الجامعة كنا كطلاب نعتقد بأن من يتحدث عبر مكبر الصوت هو الأكثر علمًا واطلاعًا على موضوع الطرح والنقاش ونعتقد ضمنا بأن لدى المتحدث القدرة على الحوار. وفي دور العبادة، كنا نعتقد بان كل من يتحدث عبر مكبر الصوت هو واعظ متمكن وزاهد وقد وصل مرحلة كبيرة من مراحل العلم والإلمام واليقين بتفاصيل ما يود أن يوصي به للآخرين أو يقنع به المصلين.
إلا أننا وبعد أن بلغنا عمرًا عتيًا من الزمن ومع ازدياد معدل تفعيل خاصية التفكير الناقد critical thinking، وبعد خوض عدة تجارب واقعية في عالم إدارة مكبر الصوت، وجدنا بعض الحقائق المتناقضة وأن الصورة الفعلية ليست مطابقة للهالة الذهنية والتصورات التي نشأنا عليها في طفولتنا أو كما سْرد لنا بعض كبار السن، بل إننا وجدنا في بعض الأحيان أن هناك صراع على مكبر الصوت في بعض الأماكن، وإنه في بعض الأحيان نرصد أن بعض مكبرات الصوت توظف كأدة من أدوات المماحكة والسيطرة والاحتكار والتسويق والنفوذ والاستفزاز والاستحواذ والمجاملة والتلميع والإقصاء والتشويش والانشقاق. لن أخوض في التفاصيل فكل من انخرط في العمل الإعلامي المؤطر بالتواصل الاجتماعي، وحتى العبادي كتلاوة القرآن ورفع الآذان وقراءة الادعية في دور العبادة بالمحافل العامة وجد في بعض الاماكن وجود تجاذبات معينة . وحيثما وجد مكبر صوت فإنهم عاينوا بأم أعينهم في بعض الأماكن ما دار ويدور أو سيدور خلف وأمام الكواليس من تجاذبات وتوظيفات متضاربة.
هنا نطلب من كل من يُعطى النفوذ والسلطة على إدارة أي مكبر صوت سواء في دور عبادة أو دور علوم أو جامعة أو معهد أو تجمع أو احتفال أو مهرجان بضرورة احترام عقول الحضور وذائقتهم الأدبية والعلمية والاجتماعية، وضرورة احترام أوقاتهم وإتاحة الفرصة للكفاءات للمشاركة وإبراز الأفضل، كما ننوه بضرورة أن يزهد العقلاء وإن كانوا هم الأكفاء عن منصة الإلقاء، ونبذ عشق البروز عبر مكبر الصوت إن كانت تولد أية حالة من حالات الرياء أو النفاق أو المفاخرة أو الانتفاخ الكاذب أو التجاذبات الاستقطابية.
ونطلب في الوقت ذاته من المستمعين إيصال رأيهم بطرق لبقة وموجزة ومعبرة وواضحة لأصحاب مكبر الصوت وأصحاب المكان. وكذلك نؤكد على جزئية رفض الاستخفاف بالمستمعين أو إهدار أوقاتهم التي هي جزء من حياتهم أو فرض آخرين أنفسهم على المستمعين.
ملحوظات:
١-ما تم كتابته عن مكبر الصوت ينطبق في بعض وجوه كل أدوات الإعلام الاخرى المسموعة والمرئية.
٢-نشكر كل من حسن في إدارة أية منصة أو مكبر صوت بالاهتمام بالمحتوى وما ينفع الناس في الدارين وإدراج مشاركة أكبر قدر من أبناء المجتمع، وضمان تكافؤ فرص المشاركة
٣- نقترح تفعيل خاصية تدوير الإدارة داخل كل إدارة لأي مكبر صوت لكسر الاحتكار، وضخ دماء جديدة، وصنع قيادات جديدة.
