أقلام

آخراك أم دنياك أيهما مرماك؟

د. علي القضيب

رحلة العمر تمر عبر مشوار طويل ضمن محطات ثلاث: مرحلة التكوِّن في عالم الأرحام ومرحلة الدنيا ومرحلة ما بعد الموت. فعندما كنا في بطون امهاتنا كان المضمار هو أرحام أمهاتنا وكانت الأهداف المرسومة لنا هي الإعداد والاستعداد قبل الخروج منها الى عالم الدنيا المجهول. داخل مضمار الأرحام كل شيء كان ميسرًا لنا، نتغذى ونتنفس، بل وحتى نمارس الرياضة بشكل لاإرادي. وحالما خرجنا الى عالم الدنيا تغير المضمار ومساحته تغير المرمى وحجمه وتغير الهدف وحقيقته.

أتينا الى عالم الدنيا وقد وضع لنا مضمار طوله بطول سنين عمرنا ونصب لنا داخل هذا المضار مرميان: مرمى في بداية المضمار، اسمه” مرمى الدنيا ” ومرمى آخر في نهاية المضمار اسمه ” مرمى الآخرة “. وأعطينا حرية الإرادة والاختيار بشكل كامل وإن كان ذلكُ محفوفًا بالغرائز الذاتية والمغريات قّدِرَ لنا أن نبدأ لعبة العمر في مضمار الحياة الدنيا.

فكان في وسط الملعب فريقان، فريق جميل مطرز بإرادتنا وعزمنا وتفكيرنا وطموحنا وفريق قبيح متنكر بشهواتنا ولذاتنا. وبدأت صفارة انطلاقة المباراة فأخذنا نتأرجح بين هذين المرميين فمرة نسجل أهدافاً لِصالحنا ومرة نسجل أهدافاً ضِدنا، ومرة نفوز فنسعد ومرة نخسر فنشقى.

هذه اللعبة تدار بشكل يومي وفي كل ساعة، بل وفي كل لحظة من لحظات حياتنا وكأننا نتصور أنفسنا اننا نتهادى بين مرمى الدنيا الى مرمى الآخرة ببطيء من خلال قراراتنا دون أن نعي بذلك.

وهكذا تمر مرحلة الشباب بعنفوانها حيث كنا كالعادة تحت سيطرة شهواتنا ورغباتنا. في بداية المشوار كنا قريبين من مرمي الدنيا فسجلنا باختيارنا وبإرادتنا أهدافًا ضدنا، ولكن عندما كبُرنا وقطعنا مشوارًا طويًلا من اعمارنا وابتعدنا عن مرمى الدنيا واقتربنا من مرمى الآخرة تولدت الحكمة لدينا وبدأنا بتسجيل اهداف لصالحنا.

إلا ان ما يستوقفني هو ان هناك شريحة من الناس قد تقدم بها العمر وأصبحت قريبة جدا من مرمى الآخرة، ولكن لا زالت تُصّر وتدير نظرها للخلف على ان تسجل أهدافا في مرمى الدنيا البعيد عنها وتترك المرمى الأقرب، ظانين أن السعادة تحت بريق الأموال، ناسين مرمى الاخرة وبذلك خسروا أنفسهم وآخرتهم وعاشوا آخر عمرهم قلقين متحسرين. 

كل واحد منا يحتاج أن يسأل نفسه هذا السؤال:

أي من هذين المرميين عليّ أن أختار: مرمى أخرآي ام مرمى دنياي؟

هنيئا لشاب لم ينسَ مرمى دنياه لحساب مرمى آخرته ولا الثاني لحساب الأول، وكان مصداقاً لقول الحق سبحانه وتعالى:

” وابتغ فيما آتك الله الدار الاخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله اليك ولا تبغ ِالفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين” (القصص ٧٧)

لكن ما يحدث بالضبط هو الغفلة والإهمال وعدم اكتراث بوجود مرمى آخره المنافس والألذ طعماً، والأكثر سعادة، والانقى، والاجمل. ولكن في المقابل لا ينبغي أن ينسى مرمى الدنيا اذ هو ضروري للأعداد والاستعداد لبلوغ مرمى الاخرة، مصداقا لكلام الامام علي:

” اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”

الشيء اللطيف هو أنك قد تسجل أهدافا في مرمى الدنيا وتجد نفسك قد رحلت الى مرمى الاخرة. فقد تكون شعرة واحدة هي التي تصل المرميين ببعضهما فعمل بسيط كابتسامة لصديق وكلمة طيبة وإضمار نية صادقة كلها ستجد طريقها مكتوبة في ميزان الصالحات – وكذا يفوز العامل بها بالحسنيين. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى