أقلام

السعادة والمال (١)

أمير الصالح

يعتقد غالبية الناس، وأنا كنت في الماضي من ضمنهم، أن تحصيل السعادة يتم عن طريق الوفرة في المال، ويبذل البعض جهود جبارة في ذلك المضمار بهدى ودون هدى عله يصل لشاطئ السعادة. وقد ينتهى عمر الكثير من الناس دون بلوغ السعادة المنشودة.

في رأيك: ماهو الرصيد المالي الذي تعتقد بأن الإنسان عند امتلاكه إياه قد حقق الأمان المالي؟ مممم، ينصرف ذهن غالبية الناس بأن رقم محدد من الأرصدة يتعدى ستة أصفار أو أكثر هو ما قد يسطر له ذاك الشعور داخل أنفسهم.

وهنا يبرز سؤال آخر: هل الأمان المالي من خلال الكم الرقمي المالي هو ما يخلق الشعور بالأمان المالي والسعادة في داخل نفس الإنسان أو أن الأمان المالي يشتمل على مكونات أخرى، مثل: القناعة والرضا والإنفاق المعتدل وحسن التدبير وإجادة استثمار الموارد وممارسة ما يحبه الإنسان من أعمال في سبيل اكتساب رزقه؟
سأتركك تفكر قليلاً وتمرر السؤال على نفسك عدة مرات قبل الإجابة بصوت مسموع وواضح وصريح وقاطع.
كتاب “قواعد الثراء The Rules of Wealth ” للأستاذ ريتشر تمبلر، وهو نفسه صاحب مجموعة سلسلة كتب قواعد الحياة ( أنصح بقراءتها إن أمكنكم ذلك)، يتعرض لتعريف الأمان المالي على أنه: عدم الخوف أو عدم القلق المالي لوجود مصادر دخل ثابتة ومستمرة التدفق تغطي تكاليف نفقات الشخص ومن يعولهم في كل الأحوال لجميع الاحتياجات.
قد يكون لك تعريفك الخاص. ويمكنك تدوينه ومقارنته والعمل على تنقيته.
قد يكون لكل منا أهداف مالية حاضرة ومتوسطة وطويلة الأمد لتحقيق الأمان المالي وبالتالي الاستمتاع بالحياة بصورة أكبر وتحقيق السعادة. وقد يكون للبعض منا أدوات ومهارات ناعمة تتناغم مع ذلكم التخطيط لبلوغ الأمان المالي في فترة سنوات أو عقود. والبعض الآخر من الناس مفتقر لتلكم الأدوات والمهارات جملة وتفصيلاً.

لن أسرد قائمة توصيات بما يجب أن يصنعه من لا يمتلك المهارات في التخطيط المالي لبلوغ مرامه. ولن أورد تعليمات بما يجب أن يراعيه من يمتلك المهارات الفنية. إلا أنه ينبغي أن يلتفت الجميع وأنا منهم ألا يكون التفكير المفرط والانشغال التام في موضوع الأمان المالي هو مستنقع يوقع الإنسان نفسه فيه فيفسد على نفسه الاستمتاع برحلة الحياة ويحرم نفسه طعم الراحة وبالتالي فقدان السعادة.
في ظل المتغيرات بالمفاهيم، مفهوم الأصول أضحى أكثر اتساعاً ليشمل الإبداع والمهارات والقدرات المسخرة لتكون مدرة للمالل. ولم يعد فقط العقار هو الابن الوحيد البار. ومن هنا أضحى استكشاف مهارات الاستثمار المالي أمراً ملحاً وضرورة رئيسة للمضي قدماً نحو سعادة أكبر. في هذا المقال، سأعرج على نقاش الأمان المالي لبعض المتقاعدين. قابلت أشخاصاً متقاعدين وكانوا قبل تقاعدهم في حالة اكتفاء مالي وراحة بال وسعادة. والآن رأيتهم رجعوا أو سيرجعون لسوق العمل بسبب احتياجات مالية ملحة مثل تسديد فواتير رئيسة متصاعدة أو تأمين تكاليف علاج غير متوقعة أو تغطيةً تكاليف أمور حياتية خارج المتوقع، أو تبخر ما كان في جعبتهم من مدخرات أو بروز الطمع في تحصيل المزيد من المال. نعم هناك آخرون وهم القلة القليلة، رجعوا لسوق العمل في أعمال تتوافق وهواياتهم وميولهم بهدف الاستمتاع بقضاء الوقت الزائد في مرحلة مابعد مرحلة التقاعد.
سؤال عرضي: هل السعي الدؤوب والمجهد لمتابعة شاشة التداول للأسهم عبر صفقات المضاربة بالأسهم والعملات المستمرة يومياً، هل يصنف على أنه ضمن قائمة العودة لسوق العمل القسري أو الاستمتاع بالوقت أو توظيف مهارات الاستثمار؟

بالمجمل، عادة الاختلالات في التخطيط تفسد الحلم بالسعادة لاختفاء حلم الأمان المالي. وهكذا الأمر ممتد لسوء استثمار الوقت أو تدهور الصحة.
في الحلقة القادمة سأسلط الضوء على الإجهاد المالي، وفي الحلقة الثالثة عن إدارة المخاطر.

ملحوظة:

– السعي لتحصيل الكرامة المالية أساس ومدخل للسعادة، وهي ضرورة حياتية. ودونها يدخل الإنسان في دوامة الوهم بالسعادة. الواقع إن صاحبها يكون على قارعة طريق استجداء احتياجاته الرئيسة من الآخرين.
– الزهد لا يعني عدم السعي لتحصيل الرزق والاستزادة منه بل تملك الشي وبذله للآخرين أو التنازل عنه للآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى