أقلام

الشيخ محمد الجبران..رفيق الكتاب والقلم

عبدالله البحراني

العلامة الشيخ محمد بن الشيخ محمد علي الجبران، علمٌ من أعلام المنطقة في القرن الرابع عشـر الهجري. ولد في بلدة البطالية بواحة الأحساء عام ١٣٢٣هـ. قضـى قرابة خمسة أعوام في العراق لطلب العلم، وذلك في الأربعينات الهجرية من القرن الرابع عشـر.1 ومن أساتذته: المرجع الديني السيد ناصر السيد هاشم السلمان، وسماحة الشيخ حسين الدندن، وغيرهم.2
وفي هذا التعريف سوف نركز على ثلاثة محاور في شخصيته:

*علاقته بالسيد محمد العلي القاضي.
*سعة إطلاعه وتعلقه بالكتاب
*وقفة مع دوره الاجتماعي

أولاً/علاقته بالسيد محمد العلي:
تربطه بالعلامة السيد محمد بن حسين العلي القاضي علاقة مميزة، وبينهما الكثير من الاحترام والثقة المتبادلة. لخصها سماحة السيد حسين بن العلامة السيد محمد العلي بقوله: بأنهما (أَخوان).3
قام السيد محمد السيد حسين العلي بمهمة القضاء لعموم شيعة الأحساء، وذلك بعد وفاة والده عام 1369هـ، حتى وفاته عام 1388هـ. ويعقد مجلس القضاء اليومي في مجلس بيت السادة بالصباح الباكر. وفي وقت الضحى ينتقل مجلس القضاء إلى منزل أحد سكان الحي ضمن (دايرية أسبوعية) متفق عليها. ويعقد مجلس القضاء في منزل الشيخ الجبران (رضوان الله عليه) في أحد أيام الأسبوع. وكان السيد يقدر الشيخ ويعتمد عليه في بعض القضايا الخاصة والاجتماعية.4
وكان السيد محمد العلي (القاضي) يجلس لاستقبال شهود رؤية الهلال والاستماع إليهم، وذلك في المسجد الشـرقي بالشعبة. وبعدها يعلن رأيه في ثبوت الهلال من عدمه. وللشيخ الجبران دوره الهام في هذه الجلسة، وكان ضمن دائرة القرار. وقد يوكلُ للشيخ كتابة رسائل (خبر العيد).5 ويقوم رُسُلُ قرى الأحساء بحمل الخبر لبلدانهم، ولا يصوم أو يفطر أحد من سكان (قرى الأحساء) حتى وصول رسالة السيد وإعلان الخبر.6
يقول الدكتور السيد محمد اليوسف
عن الشيخ: سألت الدكتور السيد محمد السيد طاهر اليوسف، فقال: معلوماتي عن سماحة الشيخ (رحمه الله) قليلة، إذ لم أتشـرف بالحديث أو الجلوس معه في مجلسه، ربما لصغر سني آنذاك؛ ولكن كنت أراه في بعض الأوقات يمر صباحاً أو بعد العصر على دكان جدي السيد (أبو هاشم)- عليه رحمه الله – فيسلم ويقف جدي احتراماً له عندما يرد السلام عليه. شعرت أن لدى جدي السيد تقدير خاص للشيخ، والواقع أن كل من التقى الشيخ لا يملك إلا أن يحمل ذلك الانطباع الإيجابي عنه. ويستمر في طريقه شمالاً ولعله يذهب إلى مجلس سماحة العم السيد محمد العالم، ولعل ما يثبت المنزلة الكبيرة لهذا الشيخ الجليل هو أن العم السيد أبا عدنان كان يجلسه على يمينه في المجلس أثناء مناسبات العزاء، ولقد رأيت ذلك مرات عدة عندما كان يصحبني جدي هناك. ومن علامات التقدير للشيخ -كما أتذكرها- هي قول سماحة السيد أبي عدنان عندما يقبل الشيخ بصوت مسموع “يا الله” ويجلسه بجانبه. ويمتاز الشيخ -رحمه الله- بالهدوء في جلوسه وفي حديثه؛ وهذه الصفة تجدها أيضا في أبنائه الكرام.7 انتهى.

وكان الشيخ في العراق عندما سمع بخبر وفاة العلامة السيد محمد العلي عام 1388 هـ. وقد حزن عليه أشد الحزن، ومرض لأيام متأثراً بذلك المصاب الجلل.8 وبهذا انتهت تلك العلاقة الفريدة والأخوة التي دامت قرابة أربعة عقود من الزمن.

ثانياً/سعة اطلاعه وتعلقه بالكتاب:
والشيخ معروف بتعلقه بالكتاب والمطالعة. لا تجده إلا والكتاب بين يديه، بل في كل مكان يجلس فيه.9
عُرف بشغفه باقتناء كتب التراث. أضافة للكتب الحديثة، يملك عدد كبير من أمهات الكتب والمخطوطات النفيسة. وله مكتبة زاخرة كانت بذرتها مكتبة والده الخاصة، ولكن الشيخ الجبران (الابن) أضاف لها الكثير من الكتب والمطبوعات والمخطوطات. وفي فترة لاحقة قام بشراء مكتبة الشيخ علي بن الشيخ صالح الجبران بعد وفاته في عام ١٣٦٨هـ، حتى تكونت لديه مكتبة عامرة بالكتب والمراجع القيمة. وإذا لم يتمكن من الحصول على نسخة من الكتاب الجيد عن طريق الشراء،كان يستعيره، ويواصل الليل بالنهار حتى ينسخه ليحصل على نسخته الخاصة.10
وسمعت بأنه يهتم بالوقت وحسن استغلاله. ومنها: أنه كان يستثمر وقت تنقلاته بين قرى الأحساء للوعظ والأرشاد في الكتابة، علماً بأن التنقل في ذلك الزمان يعتمد على الدواب (الحمير).
كما أنه منفتحٌ في قراءته ومتابع للجديد من الإصدارات. تجد في مكتبته: كتب الأصول والتراث والفقه، إضافة للإصدارات الحديثة مثل كتب د. طة حسين، والأستاذ عباس العقاد، والأستاذ عبدالله العلايلي، وروايات جورجي زيدان، وعددٌ كبير من دواوين الشعر، وصنوف الآادب، والكتب الفكرية الحديثة.11
وبعد وفاته بيعت هذه المكتبة القيمة، وتشتت ذلك التراث المعرفي القيم. ومنذ سنوات يقوم حفيده حسن بن الحاج حسين الجبران بجهد كبير في سبيل أعادة تلك المكتبة كما كانت، ويتتبع تراث جده (الشيخ) ولا سيما الكتب النادرة والمخطوطات. ومن الكتب التي تضمنتها هذه المكتبة: مفتاح الفلاح (بقلم مؤلفه عام 1015 هـ). وتبصرة المتعلمين للعلامة الحلي (كتب في القرن العاشر)، وتجديد العقائد لمحمد الكازاروني (مخطوط)، ومدارك الأحكام للسيد محمد العلي العاملي (كتب في عصر المؤلف). وغيرها من كتب والمخطوطات النادرة.

ثالثاً/وقفة مع دوره الاجتماعي:
بدأ نشاطه الاجتماعي في مسقط رأسه بقرية البطالية، ثم نزح لمدينة المبرز في أواخر السبعينات بعد الثلاثمائة والألف، وسكن في حي الشعبة. وكان يتردد على بعض من مدن وقرى الأحساء. مثل مدينة الجفر والسباط والمنصورة والحليلة وغيرها. وقد يمكث فيها لأيام لأقامه صلاة الجماعة، والوعظ والإرشاد وإتمام عقود الزواج وإصلاح ذات البين.12
ويعد من أهل الرأي والمشورة، وكانت له مبادرات اجتماعية تنم عن حكمة وسعة في الأفق، وحرصٌ على وحدة الصف. على سبيل المثال: في أحداث أزمة بقاء المرجع الديني الميرزا علي بن الميرزا موسى الإسكوئي الحائري (رضوان الله عليه) في الأحساء، كان لسماحة الشيخ محمد الجبران دورٌ إيجابي ومعروف في احتواء تلك المشكلة، وذلك عندما أعد المعارضون لبقاء الميرزا. خطاباً ليقدم للسلطة، ويطالبون فيه بإخراج الميرزا من البلاد بدعوى أنه لا يحمل التابعية السعودية. وقُدِمَ الخطاب لسماحة الشيخ للتوقيع عليه، ولكن طلب الشيخ من القائمين على هذه المحاولة أن يجعلوه أخر الموقعين على ذلك الخطاب. وهذا ما حدث، فقد عادوا إليه بعد توقيع عدد من شخصيات المجتمع. فما كان من الشيخ الجبران إلا أن كَتَبَ في نهاية الخطاب (أنا غير موافق على ما جاء في هذا الخطاب) ثم وقع على الخطاب. وكأن الشيخ (رحمه الله) يوجهه رسالة للجميع. بأن حل الملفات الداخلية يجب أن تعالج بهدوء، وبالتي هي أحسن، وعدم الاستقواء بصاحب القرار في الملفات الخاصة.13

نهاية المطاف:
انتقل الى رحمة الله سنة ١٣٩٤ هـ، وصلى عليه كل من العلامة الشيخ محمد بن سلمان الهاجري، والعلامة الشيخ حسين بن الشيخ محمد الخليفة. ودفن بمقبرة الشعبة بالمبرز.14

الهوامش:
1. تعريف من إعداد م. حسن الحاج حسين الجبران (حفيد سماحة الشيخ). وسبق نشره بأحد المواقع الإلكترونية.
2. أعلام وشخصيات أحسائية، الأستاذ سلمان حسين الحجي، 1442هـ
3. ذكرياتي ماء وسراب، السيد حسين السيد محمد العلي, 1440هـ
4. أنظر كتاب: سيرة ومرحلة، سيرة سماحة السيد محمد العلي الأحسائي، الباحث. ص: 179
5. المصدر السابق. سيرة ومرحلة.
6. السيد حسين السيد محمود الحداد، الأحساء، العمران الشمالية.
7. إفادة عبر (الوتساب) بتاريخ ٢٩-٢-١٤٤١هـ
والدكتور السيد محمد السيد طاهر اليوسف من الرواد الأوائل لخريجي المدارس الحكومية في المبرز (عام 1382 هـ). حصل على البكالوريوس من جامعة الملك سعود بالرياض عام 1975 م، ثم الدكتوراة في مجال التخطيط الحضري والإقليمي من (جامعة أيوا) بالولايات المتحدة الأمريكية، وأحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض (متقاعد)، والدكتور السيد محمد السيد طاهر اليوسف أول من حصل على شهادة دكتورة من أبناء حي الشعبة بالمبرز. (الباحث)
8. لقاء مع ابنه الحاج حسن الشيخ محمد الجبران في عام 1435 هـ.
9. وكانت في حوزة الشيخ لوازم وأدوات حباكة وتجليد الكتب الخاصة به. المصدر: م. حسن الحاج حسين الجبران).
10. وينقل أنه استعار كتاب (المراجعات) للسيد عبدالحسين شرف الدين، وقام على نسخه بالكامل خلال أربعة ليالٍ متصلة. المصدر: م. حسن الحاج حسين الجبران.
11. المصدر السابق.
12. أعلام وشخصيات أحسائية، مصدر سابق.
13. م. حسن الحاج حسين الجبران.
14. الأستاذ سلمان بن حسين الحجي، مقال نشـر بموقع المطيرفي الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى