أقلام

السلام عليك يا خير مصحوب من الأوقات

السيد فاضل آل درويش

ماذا لو سألك أحدهم عن أهم الصفات والمعايير التي تستند إليها في اختيار الصديق الوفي لك من بين الناس؟!

تتعدد الصفات في الصديق المخلص االوفي الذي تأمن غدره وخيانته وتثق في محبته واحترامه ونفعيته المتبادلة، تحيا معه تحت ظلال الانسجام والتوافق الفكري والسلوكي والانفعالي في طريق الخير والتكامل، من يكون له عونًا وسندًا في مواجهة الصعاب وضربات الزمن المفاجئة، فيخفف عنك من تلك الهموم المتراكمة والثقيلة التي تعكر صفو حياته وتسلبه الراحة النفسية، ويقدم لك النصح والإرشاد للقرارات والمواقف المناسبة والمتخذة وفق المنطقية والنظر العقلائي غير المتهور، ودون شك فإن مقتضى قاعدة (بضدها تعرف الأشياء) يحمل الكثير منا في جعبته مواقف وتجارب ظهر من خلالها الصفات السلبية والسيئة فيمن نتخذهم أصدقاء وعونًا في الزمن الصعب، فلمعرفتنا بالتأثير الكبير للأصدقاء في مسيرتنا نحو الكمال أو الهلاك والخسارة – لا سمح الله تعالى – نسير بخطى حذرة في ضم من نختارهم إلى زمرة من نتدفأ بحكمتهم وعطائهم من رياح الصعاب المدمرة، وعيوننا تتطلع وتتصفح فيمن حولنا لنراقب أفعالهم وتصرفاتهم وحواراتهم لنختار منهم الطيب وصاحب العشرة اللطيفة ومن نستأنس برجاحة عقله واستقامة سلوكياته.

وشهر رمضان الفضيل في صورته وهيئته النورانية والمعنوية نجده أفضل الأصحاب المبارك في منافعه والمعطاء والمحافظ علينا من الوقوع في الزلل والرذائل، يحمله بين جنباته وفي جعبته الكثير من العطايا والجوائز لمن يستحقها، ممن احترم مقدمه وأحسن استقباله وحافظ عليه من الجرح والتجاوز على شأنه.

فالعلاقات تقع بين طرفين يخوضان غمار العشرة والصداقة في إطار الاحترام والحفاظ على الحقوق المتبادل، فليس من المعقول أن نطالب صديقًا بالعطاء والتسامح والملقى الطيب وفي المقابل نعامله بجفاء وإهمال وتجاهل لوجوده؛ لأن ذلك يعني ببساطة انسحابه يومًا ما من حياتنا دون سابق إنذار ليحل في فناء من يقدره ويكرمه ويعامله بالحسنى، وهذا الشهر الفضيل لن نجد له مثيلًا في الصحبة الوفية والمعطاءة والمخلصة، فمن أراد صحبته فليبدأ من معرفة قيمته المعنوية التي يرغب معها المؤمن أن لا يغادر طوال سنته مضماره وكنفه، فأبواب السماء مفتحة لدعاء العباد فيه والبركات تحل عليهم والثواب مضاعف فيه، شهر يستظل فيه الفقراء واليتامى بمظلة التكافل الاجتماعي فيستشعر حرمانهم وآلامهم المؤمنون ويهرعون لتخفيف أعباء المعاناة عنهم، وشهر تقدم فيه الدعوة للصائم بتحسين أخلاقه والتخلي عن الانفعالات المدخلة له في أتون المشاحنات والتوتر في العلاقات والقطيعة، يتخلص فيه من الصفات الرذيلة كالبخل والتكبر والأنانية وتسليط اللسان والآذان على أعراض الناس وخصوصياتهم، أفلا يحق للمرء في نهاية هذا الموسم العبادي أن يبدي لواعج الأشجان على فراقه ومغادرته بما يحمله من جوائز السنية؟!

تغادرنا ديمة البركات والنفحات الربانية مع وداع الشهر الفضيل؛ لنبقى عند مفترق طرق بين محافظ على تلك المكتسبات التي حصل عليها من جده واجتهاده العبادي والأخلاقي والاجتماعي، وبين من تتسرب منه تلك المكتسبات مع الانشغال بملذات الدنيا والماديات وانحسار رقعة الروحانيات وانحسار نور السكينة والبصيرة، وهنا نقف متحملين لهذه المسؤولية فنحاسب أنفسنا لنقف على مواطن التقصير والخطأ لنعالجها ونصلحها وننطلق مجددًا متسلحين بالضمير الحي والنباهة أمام المغريات والمنزلقات في مهاوي المحرمات.

هذا الصديق الوفي – شهر رمضان – يقدم فرصة ثمينة لتحسين وتعزيز المكانة الروحية والعبادية عند الصائم، و يهيء النفس للاستمرار على خط اليقظة الفكرية والسلوكية، كما أن الانضباط النفسي والانفعالي هو من أهم ثمار هذه الصداقة، فيراعي المرء إرادة الله تعالى ورقابته عليه في كل أحواله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى