أقلام

قراءة في قصيدة (أيها القلب تمهل) للشاعر المشرَّف

عبير صالح المسلم

غرض ذكر العلل والأسقام جرى على ألسنة كبار الشعراء وصفاً وتصويراً بديعاً.
فذاك المتنبي الملهم الأول الذي جعل الحمى محبوبة تطرق بابه ليلاً:
وزائرتي كأن بها حياء
فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي

فعظمة الشعر وإدهاشه مقدمة الصورة الحاضرة والاستعارة البديعة والتشبيه البليغ،
ولكن الغاية الأبعد للكلمة التي قد لا يتحملها الشعر إذا حملها هي المعنى والقصد والرسالة. ذلك أنك تصنع من ألمك ومن وجعك سلم عروج لمن ورد الماء فشغلته نجوم السماء فارتوى بالنظر.
وما من منعرج إلا قبله مسرى الليل بظلمته بألمه وبأحلامه البعيدة.

فجاسم كما عودنا في شعره شيء يريد أن يقوله: فالنفوس العظيمة تتسامى عن الألم الشخصي وتخرج به إلى المحيط، تذكرة فضاءات القصيدة ثلاثة: الرجاء والحب والوصف.
أولها: أن يشهد القلب لصاحبه بالطهارة من الحقد ويهبه نبض الحياة،
لا لنفسه طمعاً بل إشفاقا على نبض محبيه وصحبه الذين اتصل نبض قلوبهم بنبضه.
فعيون الحب تغشاني…
وقبل ذلك وأسمى منه العروج إلى الله والأنس بعبادته لتكون قرة عين ساعة لقائه.
أيها القلب تمهل كي أؤدي ما على روحي من تلك الحقوق. أمر يسبقه نداء للتنبيه ونداء معرفة وألف لام العهد لتوكيد العلائق والدعوة إلى الوفاء
وتعليل رفيع، واسم إشارة للبعيد ( تلك الحقوق)
وعندما ينادى القريب بأدوات البعيد فذلك لأني لا أريد لوجعك أيها القلب أن يشغلني عن رسالة الحقوق التي مبدؤها حق الله. ومن هنا تنبثق رسالة الحقوق، تلك هي المعاني وذلك هو القصد إلى الإنشاء الذي جاء معه الخبر (خطرات)
فأنا من حرم الحقد، أنامن قاتل الظلمة
فكانت الأنا ذات معنى عميق لتزكية النفس.
وكم هو جميل ذلك الاستفهام الإنكاري
كيف يبدو النبض في أقصى الهبوط وطموحي بجناحيه؟!
كما نرى حضور معاني القرآن مثل سراب بين أنات ظِماء.
أمهلني لآتيك بمشكاة الضباء.
هزه ….الذي يعيد لنا صدى قوله تعالى:
(وهزي أليك بجذع النخلة) فكل هذه مشاهد قوة وأمل *وتقد* وسط الألم.
وإذا كان الإنشاء قد غلب القصيدة وغطاها حتى كأنك قد نسيت غرضها،
فإن الخبر يأتي ختاماً بعد طول عهد الإنشاء لتتفجر به العيون، وإذا الصدر مثل زلزال بلحاظ.
إن استخدام إذا هنا تعطي تنبيهاً عنيفاً
ومعنى للذعر والاضطراب
كما في قوله تعالى:
(إذا السماء انشقت)
و( إذا الشمس كورت)
فإذا سبق الظرف الخبر كان له ذاك البعد الذي يهز القلب كما في قول ذلك الشاب في دعائه: (من لي إذا السماء انشقت! )
أما الموسيقى الآسرة
فمدارها التكرار واتزان الجمل.
وبعد فإننا أمام قول عميق نحن دون سبر أغواره، وما نصيب وارد النهر غير شربة تزيده رواء. والنهر باقِ يترقرق ماؤه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى