أقلام

كورونا.. وحرب الخليج (الحلقة الثالثة)

رباب حسين النمر 

وقع الاختيار على غرفة قصيّة بالدور السفلي، وبدأنا إعدادها لتكون مجهزة ومعدة لو باغتتنا هجمات صاروخية محتملة!

أحضرت والدي ( سفرة، ومقص، وشطرطون) وبدأنا نساعد والدي في تغليف النافذة بالسفرة وتثبيتها بالشطرطون حتى تكون محكمة الإغلاق ضد التسربات الكيماوية ذلك السلاح الخائن الممنوع دوليًا وإنسانيًا وبه يهددنا نظام صدام.

ساعد أخي في ترتيب الأقنعة التي جلبها من فرع الدفاع المدني القريب، فلو هاجمنا ( الكيماوي) نرتدي الأقنعة لحماية أجهزتنا التنفسية من الغاز القاتل،

وفي هذا الدرج رصّت أختي بعض المعلبات والأطعمة طويلة الأجل، وبعض زجاجات المياه المعدنية للاستهلاك لو باغتتنا أية مفاجآت.

في المخبأ الصغير أحكمنا إغلاق النوافذ وفتحات التكييف، وتأكدنا من جاهزية الأقنعة ومن كفاية عددها..كادت أن تقع حرب بين المواطنين على بوابات الدفاع المدني، ولا سيما إذا استلم رب الأسرة عددًا ناقصًا من الأقنعة فبمن سيضحون لو وقع أي مكروه، أو تسرب غاز كيماوي محتمل!
الصغير محمد يقلب بين كفيه قناعه، يجر الخرطوم، يتذوقه، يتحسسه بيديه الصغيرتين، يقهقه ضاحكًا، فربما شكل له القناع لغزًا يشاهده للمرة الأولى، وربما تخيله وحشًا من الوحوش التي تباغته في أفلام الرسوم المتحركة، ربما ظنه غريندايزر أو حسبه ديناصورًا هاربًا من الرجل الحديدي، أو سلحفاة من سلاحف النينجا المقاتلة
فيغرق حتى أذنيه في اكتشاف هذا الكائن الأخضر العجيب، ويشكل له شيئًا مدهشًا جاذبًا، بينما يصفعني بالخوف كلما شاهدته ويجعلني أغرق في زوبعة من الخيال المرعب عندما أتصور ما الذي يمكن أن يحدث، فتجرفني تيارات الأفكار المخيفة والتجاذبات المجنونة إلى زوايا بعيدة ومجهولة.
أطل من نافذة غرفتي، أتأمل مجموعة من العوائل الكويتية اللاجئة التي وصلت حديثًا وهم يدخلون من بوابة المدرسة الابتدائية التي تحولت إلى مسكن كبير يحتضن عشرات المشردين الذين تركوا بيوتهم وديارهم وأموالهو وكل ما يمتلكون خوفًا من بطش صدام، ومن تصرفاته الرعناء وتصرفات رجاله وجنوده التي لا يحكمها مبدأ ولا إنسانية، يهجمون ويعربدون، ويزجون بالناس دون سبب إلى قعور السجون وغرف التعذيب دون رحمة أو شفقة.
خرجت العوائل في أحلك الظروف معرضة نفسها للخطر طوال الطريق تبحث عن الأمن الذي فقدته، تبحث عن صدر بلدة حنون يحتويها ويطمئن خوفها، ويمنحها شيئًا من الاطمئنان ، تنتظر معجزة سماوية، أو يدًا تمتد لتنتشلها من الواقع الأليم الذي سلبها بلدها وأمنها بين عشية وضحاها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى