أقلام

بتول.. بصمة عطاء وقصة وفاء(ج3)

رباب حسين النمر

الطفل الصغير يعيش حالة دائمة من الاستفهام والتساؤل لكل ما يحري حوله.
كان أطفال الإخوة والأخوات يتساءلون عن مرحلة اليتم التي مر فيها والديهم، كيف تحملوا فراق الأم،وكيف حزنوا على هذا الفراق؟
فكانت الإجابة الشافية: إننا لم نذق طعم اليتم فقد كان سندنا في الحياة أب وأخت كانوا الملاذ والسند، فلم نشعر يوماً بمرارة اليتم.
لم نعد يوماً من المدرسة ونجد البيت خاوياً من الطعام، بل كنا نعود إلى بتول التي تغذي البيت بطعامها وحنانها وحبها، وتراجع الدروس والواجبات، وتقوم بواجب الأم من استحمام وتسريح شعر، واهتمام الأم الرؤوم.
تذهب إلى مدارس البنات وتسأل عنهن المعلمات اللواتي كن بدورهن يكنون لبتول الحب والاحترام حينما يعلمون بالأدوار التي تقوم بها تجاه أخواتها وكفالتها لهن.

كان بتول تمتلك عينان حزينتان تخبئان عمراً من الكفاح.
كانت ملازمة لكتاب الله،تقضي يومها في تلاوة القرآن الكريم، وتختمه كل ثلاثة أيام مرة.
بتول تعشق إسعاد الآخرين وإدخال الفرح إلى قلوبهم.
تجلس كل يوم وترتب من حولها الفواكه والحلويات والمكسرات لتستقبل كل من يدخل إلى البيت بالعطاء والفرح.
تفرح باستقبال الناس والسؤال عنهم وتفقد أحوالهم.

في سنواتها التسع الأخيرة لم تكن تستطيع الحركة إلا بشكل محدود جداً،ولكنها لم تكد ترغب بالجمود وتحب التفاعل مع الحياة فوضعت بحانبها في غرفة الجلوس موقداَ صغيراً لتمارس من أمور الطبخ ما تستطيعه بمساعدة أخواتها.
بتول كانت مدرسة تعلم إخوتها وأخواتها ومن يحيط بها من هذه المدرسة أصدق دروس الصبر والتضحيات، علمت من حولها الحب الخالص لله البعيد عن أية مصلحة دنيوية. فلم تكن تعمل إلا لله. كانت تعطي،كثيراً ولا تأخذ سوى القليل وربما يشعر من حولها بعد رحليها بتأنيب الضمير، فهم لم يوفوها ما تستحق.
تمتاز بتول بطهارة القلب وبياضه، ونظافته. بريء كبراءة الأطفال. ربت اليتامى على حسن النية.
وعندما يأتي إلى بيتها زائر فكل شيء رهن أمره، وكل الأبواب مشرعة أمامه على مصراعيها. تستقبل الأرحام والأحباب، وعندما مرضت في سنواتها التسع الأخيرة انسحب معظمهم ولم تعد خطواتهم تعرف البيت.
ولها ثلاث صديقات صدوقات مخلصات استر تواصلهن بها حتى لحظاتها الأخيرة، وامتدت صداقتهن من الطفولة والصبا حاى مرحلة الشباب. كن يشاركنها أفراحها وأحزانها، ولا يزلن يزرنها ويساندنها ويتفاعلن معها ويهبنها من أوقاتهن رغم زواجهن وإنجابهن وكونهن جدات وأمهات.

رحلت بتول وخلفت ورائها إرثاً أخلاقياً وسلوكياً منقطع النظير خلف في قلوب أحبابنا جمرة لا تطفؤها الأيام.
فسلاماً بتول على روحك سلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى