صالح المرهون
يرتكن البعض زواية الوحدة ويتمتم بأحزانه للفراغ، يضم قدميه بساعديه لعل ذلك يشعره بشيء من الانتماء، ولكن لاشيء يحتضنه سوى هموم وبضع أحزان تتلاعب به، مرة تلدغ ذاكرته بذكرى قديمه، ومرة تخز قلبه بشوكة خيانة فيتلوى ألمًا وينصاع لجبروت أوجاعة. فلا يد تمد إليه تساعده على النهوض وتمسح دموعه، ولا جدار يستند عليه يعينه على الوقوف فقط أشياء مزعجة تحلق في فضاء أفكاره لا تساعده على التركيز وتجعله مشتتًا بين فكرة وفكرة إلى أن سمع صوتًا خافتًا يناديه باسمه فرفع رأسه متعجبًا منه، وحاول أن يشتت الدموع التي تجمعت في عينيه بالتحديق إلى المكان الذي انبعث منه الصوت، وإذا به قلم على الطاولة يترنح ذهابًا وإيابًا، وكأنه بهمسه الأنيق يناديه ويقول له: أنت لست وحيدًا فأنا هنا معك! فاحتضنه بيده بجل مايملك من قوة، وأخذ يقلب صفحات دفتره ليجد نفسه مستقرًا في قلب صفحة فارغة بيضاء تنصت لزحام كلماته ولا تتضجر من كثرة كلامه ولا تنزعج من بوحه بأسرار قلبه، وهناك قلم يستند عليه ويضمه بأنامله حتى يفرغ ما تكبده من عناء بواسطته، يبكي فتسقط الدموع على الورقة مع كلماته فتبللها وتذبل عطفًا عليه وتكون بذلك مسحت بعطفها دموعه يسترسل بالحديث للأوراق فيجد نفسه ملأ الحيز، فإذا بها تفتح ذراعيها له لتحتضن بوحه في صفحة جديدة فابتهج لما وجد فيها من الرحابة بعد ضيق فراح يبعثر ما كان قابعًا في صدره ليتخلص منه فسقط ثقل الأحزان الذي كان يحمله في قفصه الصدري، لتحمل ثقله سطور الورق بفضل أشياء صغيرة، أصبح حرًّا بمشاعره غير مقيد بانتظار من يقدم له الاهتمام لأن هناك من يستقبله وفي كل وقت دون مقابل!
