أقلام

تحت المجهر

السيد فاضل آل درويش

حينما يدور الحديث حول مفهوم رأس مال الفرد من الناحية المادية فهذا يشير إلى ممتلكاته وأمواله عمومًا المنقولة وغير المنقولة، والنجاح يكمن في تنمية تلك الثروة وتطوير وتنويع مداخيلها وبالطبع الحفاظ في الأساس على أصل رأس المال، وإذا ما كانت معاملاته المالية تتجه إلى تبديد ثروته وتناقصها فهذا يعني وجود خلل في العقل المفكر في إدارتها، وهذا المعيار الذي يتابعه هو مسألة الزيادة أو النقيصة والعوامل المؤدية لذلك، وأما ذلك الشخص الذي يفتقد لمبدأ المحاسبة والمساءلة والتدقيق في المداخيل فبالتأكيد سيجد نفسه على دكة الحديد صفر اليدين، تعلوه الدهشة كالبلهاء متسائلًا: أين ذهبت تلك الأموال الكثيرة وها هو اليوم يجلس على الحصير إن وجد، وهذه القضية – أعني المحاسبة – من أوليات القضايا المادية ووضوحها كوضوح الشمس في رابعة النهار، فماذا عن ما هو أغلى من المال ولا يمكن تعويض ما فات منه ألا وهو عمر الإنسان، فزاده ورأس ماله الحقيقي تلك الأنفاس المعدودة عليه واغتنامها وانتهاز الفرص فيها يعد ميدان عمله واهتمامه، فالحياة مضمار ينطلق فيه المرء مع بداية تكليفه ولا تتوقف خطاه ومساعيه حتى يبلغ خط النهاية وهو حلول المنية، وهنا يتمايز الناس بين فائز وصاحب رصيد أخروي كبير وبين خائب قد عاش حياة الدعة واللهو وتضييع الأوقات، وحتى نلتحق بركب المستثمرين في الأعمار والأوقات علينا أن نقف قليلًا لندرس واقعنا وقدراتنا ونضع الأهداف المرسومة والنتائج المرتقبة لها واحتمالات الصعوبات أو العراقيل التي يمكن أن تواجهه، وإلا فإن المرء سيجد نفسه في دوامة متاهة وحيرة لا يعرف المخرج منها، فهو كمن يسير في نفق مظلم لا يرى نهاية له، أو من يبحث عن أبرة في كومة قش أتراه يجدها؟!
ترتيب الأوراق وإعادة الحسابات على مستوى العلاقة مع الله عز وجل والعلاقة مع النفس والتصالح معها والتحكم في المشاعر والعلاقة مع الآخرين وتقييمها وإصلاح ما اعوج منها، هذه المنظومة الثلاثية هي ما يستحق الاهتمام والانشغال به وتسليط الأضواء عليه، ودرء النفس عن توافه الأمور وما لا يعود علينا بشيء إن خضنا فيه موضع عناية العقلاء، فتلاحق الأخطاء والنهوض مجددًا هو بارقة الأمل التي لا تنطفيء من قلب الكيس الفطن، وأما من أخذته مشاغل الحياة بعيدًا فدون شك سيجد نفسه في زمرة الخاسرين المفلسين.
على مستوى علاقتنا بالله تعالى وملاحظة مدى شعورنا بوجوده معنا في كل حركاتنا وسكناتنا ورقابته لكل ما يصدر منا همسا وعلنًا، يمثل الطريق القويم لتهذيب النفس وتخليصها من تسلط الأهواء والشهوات، يشعر الإنسان بحقيقة هذه الدنيا الزائلة والانتقال بعد الموت إلى دار الآخرة، فينشط في ميدان العمل الصالح وإتيان العبادة الواعية المتجلي فيها الخشية من الله تعالى والورع عن محرماته.
وعلى مستوى العلاقة مع النفس فميدانها ضبط إيقاع حركتها وفق العقل الرشيد والتفكير في النتائج وتجنب الأحكام العاطفية والانفعالات المتفلتة، فالرقابة على أفعالها وعموم ما يصدر منها يأخذ بها نحو السمو والرفعة، فالثقة بالذات دافع قوي نحو الاهتمام بالترقي والازدهار في الأعمال، وأما من يشعر بالنقص فسيعمد إلى عالم الأوهام فيثبت وجوده – زعمًا – بتجاهل هذا والإساءة لذاك وهكذا تكون أفعاله صادرة من أهوائه المضللة له.
وأما على مستوى العلاقة مع الآخرين فقوامها لغة الاحترام و تجنب كافة أشكال الإساءة للغير وحمل روح الصفح والتسامح، فلا تشغل بالك وعقلك وقلبك بالمناكفات والخصومات التي لا فائدة ترجى منها بل وتضيع منها رأس مالك.
الإنسان الناجح من يلحظ بعين الاعتبار معيار الكمال والازدياد أو التناقص والتراجع، فعلى جميع مستويات العلاقة بالله عز وجل أو النفس أو الآخرين قد تكون هناك أخطاء وأوجه تقصير يتعجل في مواجهتها وتصحيحها، وهناك ومضات إيجابية علينا أن نحافظ عليها وننميها، واليقظة الروحية والضمير الواعي طريق إلى تحويل الأفعال والتصرفات إلى سلوكيات متجذرة تزين صاحبها، وتنمية القدرات العقلية والاهتمام بالقراءة الناقدة وازدياد المعارف من الجوانب المهمة التي نهتم بها، فالحياة ميدان عمل لا بد من السعي فيه بهمة عالية وإرادة قوية للتغلب على الصعاب وتجاوز المطبات والعراقيل والنهوض مجددًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى