أقلام

الْقَمَرُ الدَّامِي

أحمد اللويم

(قَصِيدَةٌ فِي الْحُسَيْنِ “عَلَيْهِ السَّلامُ”)

كلُّ الأهلةِ بيضٌ حينما بزغَت
إلا هلالَك محمرٌّ ومضطربُ

ينشقُّ من أفْقِ جُرحٍ ظلَّ منفتحا
على السماءِ ولم تُؤْذَنْ به القُطَبُ

شهرَ الحسينِ فداك الدهرُ أجمعُه
لولاك ما سلسلت أيامَه الحقبُ

ولم يكن لزمانٍ في معاجمه
معنى تضيءُ به قاموسَها الكتبُ
******
ما للأهلةِ عقفاً ملءَ قامتِها
تطوفُ بالقمر الدامي وتنتحب

وحول هالته الحمراء طاف بها
ليل تفجر في نجماته الغضب

حطَّت على نهرِه الطامي وآلمها
أن الضفافَ عليها تُنحَر القِرَبُ
******
الهائمون بحب الآل حسبهم
سبقٌ عليه الرهانُ الصعبُ يكتسَبُ

كنا عصافيرَ لم نظفرْ بأجنحةٍ
إلا ارتعاشة حلمٍ ريشه زغب

نراك في قطرات الدرِّ محتفيًا
بنا فما شكَّ في جيناتِنا حسب

إنا يتاماك رغم اليتم ما انسربت
بنا الخصاصة حيث الذل ينسرب

إنا يتاماك مسكونون عاطفة
جياشة فوق حد السيف تنتسب

إنا يتاماك لم نتركْكَ منفردا
والحقد حولك يضرى نابُهُ الحَدَبُ

ينمو هواك نموَّ العمر في دمنا
منذ الأجنةِ حتى تطبقَ التُّرُب

هذا دويُّك من أمشاجه نُسِجَتْ
قلوبنا ؛ أتُراها عنك تنقلب؟

في كلِّ نبضةِ قلبٍ سجعُ (والدةٍ)
عليك دَوْزَنَهُ بينَ النُّعَاةِ (أَبُ)
******
خَطَبْتَ في أُولَيَاتِ الدَّهْرِ فالتبست
على مسامعه الآياتُ والخُطَب

أُصْغِي لصوتِك هدّاراً فيملؤني
وعيا بطفك حتى اسَّاقطت حجب

ما إن سمعتُك من راوٍ؛ روايتُه
ظنٌّ تُفَرِّخُ في نبراتِه الرِّيَبُ

إني سمعتُك قبلَ الطينِ مرتحلًا
ظهْرَ اليقين وحولي الغيبُ مصطخب

******
وربّ قافيةٍ أيقظتُها سحرا
والليل عارٍ من النجمات مكتئبُ

يفزِّع الصبحَ منها رجعُ ساقيةٍ
كأنّ أصداءَها الآهاتُ تَصْطَخِب

عوَّذْتُ سمعَك أن تلقاك صارخةً
حزنا ويكفيك منها أنةٌ تثب

يا من عشقناهُ حتى قيل قد نفضت
غبارَها في رفوفِ الغايةِ الرتبُ

عشقٌ نشدُّ له الأعمارَ أمتعةً
وإن تحزَّمَ في أسفارنا النَّصَب
*****

من (عَابِسٍ) عُدْتُ ممسوساً يشيعني
عقلٌ بحبلِ جنونِ العشقِ منجذب

من الجنون ملأتُ الكأسَ أمنيةً
ألا يفزِّعَ أطياري غداً رَهَبُ

ومن (حَبِيبٍ) تجلَّى لي الوفاءُ يدًا
على رؤوس يتامى راعها الشغب

قد أظمأ الخوفُ أمناً بين أعينها
حتى تساقَطَ من أحلامِها الهَدَبُ

فلتسق أجفانها حلما تقرُّ به
لو برهة ؛ فقطاةُ النبعِ ترتقب

الليلُ يحملُ أحزانًا مؤجلةً
في وجنةِ الصبحِ عنها أنبأت ندب
******
للعشقِ قصتُه في كربلاءَ ففي
مواقفٍ لأبي الفضل انتشى العجب

(عَبَّاسُ) حَطَّمَ في الماءِ الغرورَ فَلم
تَرِدْهُ إلا على استحيائِها القرب

حسامُه وطنٌ والنصرِ ضَيَّعَهُ
فالنصرُ بَعدك يا عباسُ مُغْتَرِب

حيثُ الحسينُ له عينٌ عليه بكَتْ
وَأَتْبَعَ النصرَ أُخْرَى وَهْوَ مُحْتَسِبُ

لم تَجْرِ في شَفَتَيْهِ (الآنَ) معولةً
حتى رأى النصر من زنديه يختضب
******
يمَّمْتُ شَطْرَكَ يا (عَبَّاسُ) بي ظمأٌ
وقربةُ العزِّ فيها الرِّيُّ والطَّلَبُ

أحدو سؤالي عن الإيثارِ محتشداً
في غرفةٍ قد رماها وهي تلتهب

ضجَّ الأنينُ بقلب الماء ، وانفجعت
لهول تفريطها في ريِّه السحب

هذا (أبو الفضل) من كانت ميامنُه
جيشاً ويسراه فيها يُورقُ العنب

كفاه أم ريشتا الرسامِ غادرتا
في الطفِّ لوحةَ عشقٍ بوحُها عجب
******
للهِ دَرُّكَ من يومٍ قد انفطرت
فيه السماءُ وأورَى زندَه الغضب

لونُ السماءِ تناسَى فيه زُرْقَتَهُ
ما يشرقُ الصبحُ إلا وَهْوَ مُختضبُ

يومٌ به هامةُ الإسلامِ قد فُلِقَتْ
وَانْدَقَّ حتى مُشَاشُ العظمِ والعصب

ويا أهلةُ لم يبرحْ يؤرقُنا
منذُ الطفوفِ وميضٌ منك مكتئب

ولا تزالُ سماءُ الطفِّ واجمةً
فثمَّ بدرٌ على بوغائِها تَرِبُ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى