أقلام

مقتطفات من توجيهات أبي يعرب

عبدالله الرستم

تعود بي الذاكرة إلى قبل 20 عامًا حين التقيت الأستاذ محمد القشعمي في مكتبة الملك فهد، حيث كنتُ ذاهبًا له لأجل غرض ما لأحد الأقرباء، ونظرًا لذهابي للمكتبة بشكل متكرر بغرض متابعة الإصدارات وتارة للتصفح أو البحث عن كتاب ما، كنتُ ألتقيه بين الفينة والأخرى، وتوثقت الصلة بحضور بعض الجلسات والمحاضرات في الندوات الثقافية التي تقام في أرجاء مدينة الرياض، إضافة إلى التقائي به في فعاليات معرض الكتاب الذي يقام سنويًّا بالرياض.

ومن يتعرّف على أبي يعربٍ عن قُرب، يدرك مدى سهولة التعامل معه، ولا يجد للتعقيد مجالًا في حياته أو تعامله، فهو – وبحسب الصحبة – شخصية تمد يد العون والنُصح بكل أريحية ومحبة لمن يطرق بابه، وهذا ما لمسته منه وأنا في عمر أبنائه، حيث نُصحه لي في مواقف متعددة، جعلني أتقرّب منه بشكل أكبر، فمما أتذكره في هذا الشأن أني وقبل أن أبدأ الكتابة في أي صحيفة ما، سألني: (ماذا لديك من كتابات أو تأليفات؟! قلت له: لا شيء، قال: يا عبدالله، متابعتك للكتب شيء مهم، ولكن يجب أن تمارس الكتابة التي تعكس ما نهلتَ من القراءة والثقافة، والساحة لا تعبأ بمن لا يكتب) ثم استرسل في توجيهي وتشجيعي بشكل متكرر وفي مواقف متعددة، حتى تشجّعتُ وبدأت الكتابة في الصحف، ولا يخفى أن هناك أشخاص لهم دورٌ في ذلك، بيد أن أبا يعرب له دور التوجيه والنُصح المملوء محبة وعطفاً وتشجيعًا، إضافة إلى ذلك أني قدمتُ له ذات مرّة كتابًا يتضمن جمعي لمعلومات عن شخصية أدبية، وطلبتُ منه أن يكتب مقدمة للكتاب، فردّ عليّ برسالة – لا أزال أحتفظ بها – أنه ليس من أصحاب المقدمات، ومع ذلك كتب لي توجيهاته ومرئياته على ما قدمته له، وناقشته في الأمر بعد مدة واتفقتُ معه ولم أنشر ذلك الكتاب والذي هو عبارة عن تجميع مقالات، وقال لي: أراك يا عبدالله أكبر من تجميع المقالات، فأنت شابٌ ولديك طاقة البحث والقراءة، والتجميع لا يليق بك .. وغيرها من المواقف.

وجدير بالذكر أن نصائحه لي في مجالات شتّى، وذلك بحكم علاقتي الوطيدة به إلى هذا اليوم، لما في نصائحه روح الأبوّة والحرص على تقديم الأجمل والأفضل، فهو في الوقت الذي يشجّع ويدعم لا يخفي محبته لما ينبغي أن تكون عليه الكتابة واختيار المواضيع، نظرًا لتجربته الكبيرة في هذا الميدان.

وأتذكر ذات مرّة أن مجلة العرب نشرت لي بحثاً كان مضبوطًا بالحركات، فابتسم ابتسامة خفيفة حينما رآني في مجلس الشيخ حمد الجاسر حيث ملتقانا الأسبوعي حينها، ثم تناولنا أطراف الحديث حول ضبط الكلمات بالشكل وما يتعلق بها، وهذا يدلُّ على متابعته لكثير من الأقلام المحلية والعربية.

ولا تكاد الشواهد والقصص تنتهي والمستقاة من علاقة مدتها أكثر من 20 عاماً من العلاقة والتواصل المتكرر، تلك العلاقة التي لا تخلو من نقاشات ثقافية في مجالات ذات صلة بالكتاب والكتابة والنشر …الخ، فهو في كل لقاءٍ يثري ويعطي بما لديه من معلومات قدر الاستطاعة، حيث البخل بالمعلومة لا تعرف لها مكانًا في قاموسه، وقد تبادلنا الكتب المهمة كما تبادلنا المعلومات.

لذا، لا أظنُ أن يراعتي ستفي بالكتابة عن أبي يعرب، وما كتبته ما هو إلى عن جزئية واحدة فقط، مدعومة بشواهد قليلة وهو الكبير الذي لا ينبغي أن نبخل بالحديث عنه وعن محطات حياته المتنوّعة بالعطاء والجمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى