أقلام

مع شخصيات الفكر والأدب إبراهيم سلمان بوخمسين {٤}

ناصر المشرف

الكتابة بين التأليف والتحقيق:

أحببت أن اترجم هذه التراكمات من العمل والنشاط الاجتماعي إلى أرض الواقع، حيث رأيت نفسي تميل إلى حب الكتابة والبحث، ساعدني على ذلك الدورات والورش التعليمية التي ذكرت بعضها في الحلقة الأولى فخامرتني فكرة إعداد كتاب عن الدعاء، يتضمن كل ما يخص الدعاء من معانيه وروحانيته وأسبابه وأركان وحالات الداعي وهكذا….
طبعا لم تكن المصادر متوافرة مثل اليوم. ولكن العزم والجد يجعل العسير يسيراً والله يوفق في مثل هذه الأمور. انتهيت من بحثي سنة 1415 هـ وعرضت الكتاب على أحد طلبة العلوم ليكتب لي مقدمة له فأرجع لي البحث ومن ورائه ابتسامة ساخرة، ولكن لم يفت ذلك في عضدي فعرضت البحث على آية الله الدكتور عبدالهادي الفضلي فقدم له مشكوراً مقدمة تليق بالكتاب وأنا ممتن له وأعتبرها تاجاً على رأسي إذ أنه من الرواد في تشجيع النشء والجيل الجديد، ومما جاء في مقدمته ” صورة # 1 ” : ” وإن دراسة الدعاء في ظلال معرفة فلسفته وتعرّف آدابه والوقوف على آثاره النفسية نمط مهم من الدراسة تقتضيه متطورات الحياة المعاصرة بما تزخر به من عوامل جَرَّ الإنسان إلى الماديات جزاً عنيفاً، وذلك لنكون بمستوى الكلمة الداعية، وفي طريق أداء رسالتنا الإسلامية العادلة. هذا ما دعا المؤلف للقيام بهذه الدراسة الموفقة “.
لا تزال ورقة التقديم الأصلية موجودة، كما لا تزال مسودات الكتاب ” صورة # 2 ” موجودة عندي. طبع الكتاب ” صورة رقم 3 ” في لبنان وتكفلت إحدى المكتبات بمملكة البحرين ببيعه، وأدخلت نسخاً منه.
هذا العمل فتح قريحتي لعمل أدبي آخر. فبعد أن انتقل العلامة الشيخ باقر بوخمسين إلى بارئه سنة 1413هـ عرفنا أن لدية مخطوطات يصل تعدادها إلى العشرين، منها الأدبي والعلمي، والتاريخي والفلكي وغيرها من الفنون.
بعد زيارتي لمكتبته بحي المزرع وقع في يدي مخطوط ” صورة # 4 ” يتكون أربعة أبواب: ” طرائف وظرائف ” ” التخميسات والتشطير “، “الموشحات ” ” وغريب اللغة ومأنوسها “.
أيضاً مخطوط آخر اسمه (مختارات من كشكول الشيخ عبدالله الوايل ابن علي)
أدرجته كباب خامس.

استأذنت سماحة العلامة الشيخ حسن في تحقيقها وعرضت عليه بأن أسميه الكشكول الهجري ” صورة # 5 ” فنال ذلك استحسانه. عكفت على تحقيقه مدة ست سنوات إذ كان المخطوط دون مراجع ولا فهرسة. ولم تكن الشبكة العنكبوتية موجودة حينها فكنت أزور المكتبات بحثاً عن المعلومة فزرت مكتبة جامعة الملك فيصل بالأحساء ومكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض وكثير من المكتبات بالدمام وبعض المكتبات خارج المملكة.
كنت إذا زرت مكتبة أسأل صاحبها عن دواوين الشعر القديمة فيقول لي ربما تجدها في هذه الزاوية في مجموعة هذه الكتب وفعلا أبحث فيها فأجد ضالتي. والحقيقة يقال بأن عملية التحقيق تحتاج إلى جهد كبير لا يقل جهداً عن تأليف كتاب إذ يحتاج ذلك إلى البحث عن المادة ومقارنتها بالمادة الموجودة وتبيان مواضع الاختلاف وتهميش المرجع ومعاني الكلمات والشروح. ويحتاج إلى كتابته من جديد فصعوبة الخط ولأنها جاءت من ذاكرة الكاتب وما حفظه فتتطلب المزيد من المراجعة عدة مرات، وعرضه على عين ثانية وثالثة وهذه ما حدث بالفعل بحيث قمت أنا وزوجتي بعملية المراجعة، ساعدنا في ذلك سماحة العلامة الشيخ حسين بوخمسين والشاعر الكبير المرحوم محمد حسين الرمضان ” بو سمير ”
أنتج هذا الجهد عن كشكول عدد صفحاته 485 صفحة سنة 1419هـ. اقترح علي الأخ وابن العم المهندس رياض بن الشيخ باقر بوخمسين بأن نأخذ كشكول والده إلى سماحة العلامة الشيخ عبد الحميد الخطي قاضي الأوقاف والمواريث بالقطيف حيث إنه كان زميل دراسة وصحبة دامت نصف قرن مع سماحة العلامة الشيخ باقر بوخمسين فرحب بذلك وكتب فيه تقديماً، ضافي ” صورة # 6 ” ومما جاء فيه: ” إن لم يأتِ هذا الكشكول في المقدمة فإنه لا يأتي في المؤخرة” ومما جاء فيه: ” وقد قرأته وأعجبت بأسلوبه المتميز، إن لم أقل فوجئت بهذا الأسلوب الخلاب، الذي هو أبعد ما يكون عن هيكل الشيخ ذي العمة والجبة والعباءة، فمن يقرأ ولا يعرف الشيخ يظنه أسلوب شاب متخرج من أكاديميات العصر الحديث.
وتوجد عندي صورة من أصل المخطوطة، مع المسودات التي عملت عليها”

طبع الكشكول طبعة محلية سنة 1419 هـ، والطبعة الثانية في لبنان سنة 1428 هـ.
توجد ترجمة لهذه الكتب في موسوعة معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية للشيخ حبيب آل جميع.
في سنة 1419 هـ تم تعيين زوجتي للتدريس بمدينة نجران وكانت تجربة جديدة وشاقة إذ كان ذلك مباشرة بعد انتقالنا إلى منزلنا الجديد حيث مكثت هناك ثمان سنوات مرت بحلوها ومرها صاحبتها وشائج وآهات من الطرفين فبعد المسافة والفراق يترك لوعة في القلب وخواطر جياشة، تولد ذلك المخاض عن كتاب جميل للكاتبة وفاء علي بوخمسين أسمته ” بين واحتين ” وقطع شعرية ضمها الكتاب كما ضمنت فيه تجربتها، ومما جاء في أحدى أبوابه خواطر ومشاعر خاصة بالمرحلة:

” الأخدود”:

هناك خلف الأسلاك الشائكة مدينة كاملة من السكون والموت، هناك حضارة تحت الثرى، لم يبرز منها إلا القليل، أنا سوف آخذ حفنة من هذا التراب من تراب الأخدود لأن في ذراته قلب الأم المؤمنة….
سوف آخذها معي عندما أرحل وأشم رائحتها وأطلب من ربي بحق هذا القلب المؤمن أن تردني إلى أحبابي، إلى ترتبي التي نشأت عليها، أنا لا أريد أن أموت وأدفن هنا وبعض أجزائي هناك…..
أيتها الأم الحنون سوف يلتم شملنا على ظهرك أو تحت ثراك الطيب.”

ومن هذا الباب جاء أيضا:
كتبها لزوجته خلال نزولها من نجران في إجازة نصف العام لسنة 1420 هـ :

اوفــاء طـال الـغــيـاب …. فعـز الصديـق وقـل الصحـاب
وسـلوتي عـني غــابـت …. فـقـل صبـري وعـز الخــطاب
حـبـيـبـتي لـو تـعلـمـين …. كـم تــواجهـنا هي الـصـعـاب
ومـنـزل نــحـــن فـــيه …. كـغـريب تـعاوره اكـتـئاب
كالـبـلـــبل تــشــدين فيه …. صـادحـة الأفــنـان عـذاب
ما إن تــذكرت الـلـيـالي …. وتـيـك الـشـفـاه وذاك الـرضــاب.

أما قصيدة: يا روح المعالي فقد نُشِرت في جريدة الرياض بتقديم المهندس يوسف الحسن بعد مرور ثماني سنوات على وجود زوجته في نجران يخاطب بها معالي وزير
التعليم (محمد أحمد الرشيد) راجياً إياه أن يساعده في نقلها إلى منطقتها وهذا جزء منها:

شكوت إليك بعد الله حالي
لتنقل زوجتي وتريح بالي

ثمانية من الأعوام عجف
قضتها في الـجنوب بغـير والي

لقد رقت لها نجران حتى
تصدع بالأسى قـلب الجـبال

فهل يرضيك أن أبقى وحيداً
أداري نصف درزن من عيالي

صرفت راتبي قرشاً فقرشاً
أجوراً واستحال الـجـيـب خالي

وأدمنت القروض بكل بنكٍ
يمد يد الجـواب إلى سؤالي

ولو أوتيت أجنحة لطارت
إلى نجران روحي للوصالِ

***

ذات الأكمام:
يا مـحلاهـا من جـلسه … بـذات الـنـخل والسعـفـة
بـذات الأكمـام نـلقـاكم … مــساء الـيـوم في لهـفـة

شكلت لي جلسة ذات الأكمام ” 7 ” مجموعة صور لرواد ذات الأكمام ” انعطافة جديدة في حياتي إذ ربطتني بعلاقات واسعة من أطياف المجتمع وحافظت على علاقاتي القديمة. وهنا لا أنسى أن أشكر سماحة العلامة الشيخ حسن بن الشيخ باقر الذي تفضل عليَّ بهذه المزرعة في قرية الشهارين. تأسست هذه الجلسة قبل سبعة عشر سنة بمشاركة كل من الأخ المهندس السيد عبدالكريم المسلم والمرحوم نوري محمد بوخمسين والشيخ حسن عبدالهادي بوخمسين ” أبو هادي ” ثم بعد ذلك توسعت بحضور الأحبة: المهندس أحمد عبدالرسول الصحاف الذي كان من الملازمين للجلسة، والسيد علي باقر الموسوي (والمهندس يوسف أحمد بوخمسين وإخوته منصور وحسين” أبو طارق ” والشيخ سامي)، وسامي أحمد الرمضان والمرحوم السيد نبيه الشخص، والمهندس أحمد المطر والمهندس عباس الشيخ باقر بوخمسين والأستاذ عبدالمحسن بوخمسين ” أبو جليل” و الأستاذ عبدالله بوحليقة ” أبو عمار”، والمهندس أمير البحراني ( والمهندس عبدالرحيم البخيتان والمهندس عبدالله الزين والمهندس جواد الجاسم وهم رفقاء عمل لعقد من الزمن) ومن روادها المهندس محمد الجبران ” أبو ابراهيم ” وابن عمه راضي الجبران، والمهندس جواد الخويتم ” أبا سامي” ومنهم الأخ بديل الفهيد والدكتور محمد صالح بوخمسين والدكتور أحمد الحمادة والأستاذ عبدالوهاب الحمد ومنصور الصحاف و الوجيه ” أبو هشام ” جواد الهلال، والأستاذ فؤاد البغلي وغيرهم…… .

ولم تخلُ الجلسة من زيارات تشريفية لنا من بعض المشايخ كسماحة المرحوم الشيخ حسن بوخمسين وسماحة الشيخ حسين بوخمسين وسماحة الشيخ حبيب الهديبي والشيخ حبيب آل جميع صاحب موسوعة معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية وغيرهم كما لم تخلُ من زيارات لبعض الشعراء والأدباء والكتاب.
كانت جلستنا وما تزال ليلة الثلاثاء من كل أسبوع ولم تتوقف إلا عند جائحة كورونا نسأل الله أن نفتحها قريباً.

.

كثيرة هي المواضيع والحوارات الأخوية في شتى ميادين المعرفة والفكر والثقافة ومستجدات الساحة تطرح من هنا وهناك، ولا تخلو من نكتة هنا وملح هناك إذ أنهم ممن عَذُبَ في مَعينِ المُعامَلَةِ شِربُهُم وَطابَ في مَجلِسِ الاُنسِ سِرُّهُم وَأمِنَ في مَوطِنِ المَخافَةِ سِربُهُم. الأحبة كلهم جميلة أرواحهم رقيقة قلوبهم يألفون ويؤلفون ملتزمين بقوله صلى الله عليه وآله الأمانة بالمجالس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى