أقلام

ظاهرة الاختلاف في العمل الاجتماعي بين الٳبداع والازدراء

سامي آل مرزوق

اختلاف التفكير بين الناس أمر طبيعي وبديهي، فلا يكاد تجد تطابق شخصين على وجه الأرض في التفكير، وهو يتفق مع الفطرة البشرية وتنوع البيئات والمشارب واختلاف الثقافات والمدارس وتفتح العقول والمدارك، وهي نعمة ورحمة ربانية، قال تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) سورة هود آية 118.

فلم يخلق الله سبحانه الناس جميعًا بنفس العقل والتفكير، بل إن الاختلاف أمر طبيعي، ومقبول، وله فوائده. فهو يضيف للفكرة العديد من الجوانب الإيجابية، فمرونة الاختلاف أظهرت لنا العلوم المختلفة والفنون ولولا ذلك لكان العالم أصبح جامدًا جافًا لا روح فيه ولا إبداع ولا هوية مختلفة لكل شخص، تتحد فيها الميول والأفكار التي تعبر عنها، وسبب ذلك هو أننا نتعامل في مجتمع مختلف ومجتمعات مختلفة وبالتالي يكون لكل فرد ثقافة خاصة به، ولك أن تتصور كيف سيكون حال البشر لو كانوا خلقوا متطابقي التفكير، لعاشوا في جمود فكري ولافتقد العالم الثراء الفكري، وأصبحت الحياة ذات اتجاه واحد، بلا طعم أو معنى يشغل التفكير ويؤسس للتنوع والإبداع البشري، فهو أمر سائد في كل مكان وزمان وعلينا التعامل معه برحابة صدر،  قال تعالى في محكم كتابه الكريم ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” سورة الحجرات آية 13 وفي آية أخرى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ) سورة الروم آية 22

فالحوار هو الركيزة الرئيسة للتعامل الأفضل مع اختلاف والاستماع لما يقوله الطرف الأخر الرأي المختلف، كما أن التفكير المسبق والوقوف إلى الكلمات لها دور كبير في فهم الأفكار والأفكار الأخرى مما يساهم في العصف الذهني وتوليد الأفكار الإبداعية، فليس بشرط أن يكون هناك اتفاق في وجهات النظر عند الاستماع، بل يجب احترامها وتقديرها.

فالاختلاف قد ينم عن نقص بالمعلومات لجهل المختلفين بحقيقة الأمر المتنازع عليه مما يؤدي لعدم التوصل لقرار سليم، أو بسبب تفاوت درجات الذكاء والاجتهاد فدرجات العقول مختلفة عند الأفراد منهم من يمتلك عقول متميزة مفكرون راسخون بالعلم ومنهم من عقولهم مريضة أو متحجرة، كما أن لاختلاف الأعمار بين المتحاورين وتغيرات الذكاء والتفكير دوراً مهمًا.

” خاطبوا الناس على قدر عقولهم ” الٳمام علي بن ابي طالب – ناهيك عن التنافس في الخلافات بطريقة شريفة من غير الشريفة، أو بسبب فساد النية بسبب سيطرة الحسد والبغضاء والأنانية وحب الذات أو لوجود أمراض نفسية معينة.

لذا يجب علينا ترسيخ ثقافة الرأي الأخر ومراعاة استمرار وبقاء الود والمحبة والتواصل بين جميع الأطراف واستمرارية العلاقات الطيبة بين الأفراد فمن الأمثال القديمة قالوا ” إن الاختلاف لا يفسد للود قضية ” فحين أن يتعلم الجميع أن الاختلاف لا يفسد للود قضية تصبح حرية الآراء ظاهرة حميدة تساهم في منع الاحتقان، وتنوع المواهب، وإتاحة الفرصة للابتكار، وبزوغ مبادرات جديدة، فلا يجب أن يكون اختلاف الرأي والأفكار مدعاة للكره والحقد بل يجب أن يكون مدعاة لتنمية الأفكار والآراء، والاحترام المتبادل بدون عصبية وتراشق لفظي والتشبث غير المبرر بالرأي ومحاولة فرضه على الأخرين، وعلينا أن ندرك أن ثقافة الرأي والرأي الأخر تعني احترام الفكرة المخالفة للفكرة الرئيسة، والاستماع إليها بشكل كامل ومن ثم مناقشتها بكل موضوعية واريحية وحيادية في أجواء من الهدوء ورحابة الصدر دون تحيز للأفكار الشخصية و الوصاية الإدارية.

” أعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس ” الٳمام علي بن ٲبي طالب – العقول كالمصابيح تضيئ الطريق إذا ازدادت فلكل عقل أسلوب وطريقة تفكير كما أن لها بعداً خاصاً مما يجعل الفرد يستفيد من تلك الآراء التي تدعم رأيه أو قد تكون متضاربة ومختلفة مع رايه مخالفة لوجهة نظره ففي هذه الحالة تكون الاستفادة بتصحيح بعض الأخطاء بالأفكار المطروحة للنقاش، فلنكن منصفين مهما اختلفت الآراء وثق أن الأمور دول فمن يسر بزمن يساء بأزمان، ومن يسر بقوته سيعاني في يوم من الأيام من ضعفه وحذر الطغيان لأنك ستحتاج يوماً لرحمة من تطغى عليهم اليوم.

علينا تعلم الحوار بأسلوب راقي وأن نروض فكرنا وأنفسنا عليه لكي نتقبله عن قناعة وإيمان ليكون نقاشنا موضوعيًا بعيدًا عن الخصومات والازدراء والإهانة إن التزمنا بأسس القرآن الكريم وقواعده، قال تعالى ” وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” سورة آل عمران آية 159

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى